السبت 06 يوليو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة ستار

رسالة دكتوراة عن "الحارة في السينما المصرية... بين الجامع والحمام"

كتاب «الحارة في السينما
كتاب «الحارة في السينما المصرية»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المكان هو واحد من أهم عناصر الفن السينمائى، رغم أن الدراسات السينمائية لا تهتم به عادة. 
والحارة هي واحدة من أهم الأماكن التي تعتمد عليها السينما المصرية، لدرجة أنه يمكننا القول إن مفهوم المصريين وتخيلاتهم عن الحارة الشعبية ترجع إلى الأفلام أكثر مما ترجع إلى خبراتهم الحياتية.
الحارة في السينما المصرية رمز لقلب المدينة وهويتها ووحدتها في مواجهة كل أشكال الغزو المادى والمعنوى والتشويه المعمارى والثقافى الذي تتعرض له.
«الحارة في السينما المصرية» هو أيضًا عنوان كتاب جديد صدر مؤخرًا عن المركز القومى للترجمة، من تأليف الباحثة والأديبة المصرية مى التلمسانى، وترجمة رانيا فتحى. وهو في الأصل رسالة دكتوراة باللغة الفرنسية للباحثة المصرية التي تعيش وتعمل في كندا كأستاذة للدراسات العربية والسينما في جامعة «أوتاوا».
الكتاب إضافة فريدة للمكتبة السينمائية العربية، وهو أيضًا نموذج للبحث العلمى الذي نفتقده كثيرًا في الكتابات عن السينما الصادرة بالعربية، حيث تعتمد المؤلفة على أحدث النظريات في دراسة المجتمعات والسينما والمكان السينمائى.
تعتمد المؤلفة على ثلاثة تخصصات هي النقد السينمائى، والبحث الاجتماعى والمرجعية التاريخية، ولأن الكتاب صعب بالنسبة للقارئ العادى، فسوف أبسط بعض أفكاره في السطور التالية:
المقصود بالعبارة السابقة أن الباحثة تقرأ الأفلام موضع البحث، وهى تلك الأفلام التي تصور الحياة داخل الحارة المصرية، بعيون الناقدة السينمائية، مدعومة بنظريات علم الاجتماع عن المدينة والريف والحى الشعبى وغيرها من الأماكن باعتبارها دلالات ثقافية وقومية تميز الشعوب والمجتمعات عن بعضها.
وتقسم المؤلفة الأفلام المعروضة إلى ثلاث مراحل تاريخية وفقًا للمراحل السياسية الأساسية في مصر: المرحلة الأولى من ١٩٣٩ إلى ١٩٥٢، من فيلم «العزيمة» إخراج كمال سليم وحتى ثورة يوليو. المرحلة الثانية تبدأ من ١٩٥٤ حتى ١٩٨٠، سنة اغتيال السادات، وهذه الفترة تضم أسماء مخرجين مثل صلاح أبو سيف الذي اشتهر بأفلامه «الواقعية»، ومنها ثلاثية نجيب محفوظ التي أخرجها حسن الإمام، مرورًا بأفلام السبعينيات مثل «السقا مات» و«حمام الملاطيلى» وغيرها. أما المرحلة الثالثة فتمتد من ١٩٨١ وبداية فترة تاريخية جديدة ومدرسة سينمائية مختلفة أطلق عليها الواقعية الجديدة حتى ٢٠٠١ عام الانتهاء من الدراسة.
الحارة في السينما المصرية، كما ترى مى التلمسانى، «تكتسب صيتها من أثر عام تأخذ اسمه وشهرته، ثم يأتى الفيلم ليستعير اسم الأثر واسم الحى». هذا الأثر غالبًا ما يكون مسجدًا، أو مبنى أثريًا، وأحيانًا حمامًا شعبيًا، كما نجد في ثلاثية محفوظ أو «حمام الملاطيلى» و«الأقمر» و«بيت القاضى».
«تمثل الحارة وحدة مكانية ذات بعد مجازى، فالحارة تمثل الوحدة الصغرى التي تلخص الحى، كما أنها تعتبر تكثيفًا لمتاهة المدينة المتشعبة. في السينما تتوارى الخصوصية المعمارية للحارة بوصفها مكانًا، وتتراجع في خلفية الصورة بفعل الوجود الضرورى دراميًا، والطاغى فعليًا للممثلين والمجاميع، عندئذ تنحصر وظيفة المكان في تحديد السياق السردى للنص الفيلمى».
من الأمثلة التي تضربها مى التلمسانى هنا فيلم «خللى بالك من زوزو» الذي يحتوى على بعض اللقطات العامة لحى محمد على، قبل أن ينتقل إلى المشاهد الداخلية في ديكور بيت زوزو.
لا تنتبه مؤلفة الكتاب إلى أن الاعتماد على الديكورات بدلًا من الأماكن الشعبية الأصلية يعود غالبًا لأسباب إنتاجية وصعوبة التصوير في الشوارع والحارات الحقيقية، ولذلك تخلو معظم أفلام السينما المصرية التي تصور الأحياء الشعبية من التفاصيل، حيث تكتفى بمعلم واحد أو اثنين، مثل المسجد أو المقهى أو محل الجزارة أو نافذة مشربية.
ولكنها تنتبه بقوة إلى شكل الحارة المتخيل، الديكور المصمم داخل الاستديو، باعتباره تعبيرًا عن وجهة نظر صُناع الفيلم في الحارة، أو عالم الشعبيين. مثل بارز على ذلك فيلم «ليه يابنفسج» إخراج رضوان الكاشف ١٩٩٤، الذي بنى فيه ديكور الحارة بحيث يعطى الإحساس بالسجن والعزلة والانفصال الشديد بين الحى الشعبى والمدينة الكبيرة المحيطة به، كما أنه يضع ضريح الولى وسط الحارة بالضبط، كما لو كان يعوق حركة السير والمرور ومستقبل أهل الحارة.
مثل آخر نجده في فيلم «للحب قصة أخيرة»، رأفت الميهى ١٩٨٤، الذي يستخدم ضريح الولى المزيف بكثرة باعتباره المعلم الأساسى للمكان.
تقارن المؤلفة بين صور الحارة في السينما المصرية ومثيلتها في سينمات وأفلام أخرى من الهند وإيران والبرازيل والمغرب، وتميز بين النزعة الميلودرامية الساذجة التي تهدف إلى استدرار العطف والشفقة وبين الأفلام الواقعية التي تقدم عنف وسلبيات الحى الشعبى بدون أوهام ميلودرامية. أكبر مثل على ذلك فيلم «جنة الشياطين»، أسامة فوزى، ١٩٩٩، الذي تقدم فيه الحارة كمتاهة تؤكد على عبثية المكان والنفس البشرية، بدون أية تصورات أخلاقية مصطنعة.
بجانب هذه الاستثناءت فإن السينمائيين وظفوا المكان الشعبى من أجل التغنى بالوطن وتحفيز الجماهير وتقديمهم بصورة تتعارض وتلك التي شاعت عن الطبقة الأرستقراطية على الشاشة. فالمكان الشعبى يتميز أخلاقيًا عن الحى الراقى، ويعكس ثنائية أولاد البلد الطيبين في مقابل أبناء الذوات الأشرار، كما نجد في فيلم «العزيمة» مثلًا.
من النسخة الورقية