الأحد 20 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

محرر "البوابة نيوز" يكشف عن أحدث حيل الدجالين لصيد الضحايا.. يفاجئك في الشارع.. ويبهرك بسحره حتى يسيطر عليك نفسيًا وتدفع له وأنت راضٍ

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الوقت الذي تعصر فيه الظروف الاقتصادية الصعبة جيوب المصريين، وبالكاد يستطيعون تدبير احتياجاتهم الضرورية وسط أعباء لا تنتهي، أظهرت آخر دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن غالبية الشعب المصري ينفقون بكامل إرادتهم على أعمال الدجل والشعوذة ما يتجاوز 10 مليارات جنيه سنويا، وما يزيد من خطورة تلك الظاهرة أن نعلم أن هناك دجالا لكل 120 مواطنا، وهناك ما يقرب من 300 ألف دجال يدعي القدرة على العلاج من المس بالأعمال أو القرآن والإنجيل، ما شجع هؤلاء المشعوذين على ابتكار طرق حديثة للنصب على ضحاياهم بعيدا عن رقابة الأمن، من خلال البحث عن ضحاياهم في الشوارع دون انتظار لأن يطرقوا أبوابهم، فالمحصلة في كل الأحوال ثروة طائلة سواء ممارسة أعمال الدجل والشعوذة في البيت أو الشارع.

الصدفة وحدها كشفت هذه الحيلة الجديدة، حيث فوجئت أثناء انتظاري لوسيلة مواصلات في شارع السودان عند محطة "سلم الإليزيه" وكان بجواري شخص أربعيني يظهر من هيئته أنه متعلم تعليما عاليا، وفوجئنا بشخص آخر في الثلاثين من عمره يرتدي جلبابًا ويتحدث اللهجة الصعيدية ويعرف نفسه على أنه الشيخ محمد، من خدم مسجد الإمام الشافعي بسوهاج، ويتوجه بحديثه إلى الشخص الذي يقف بجواري وبدا في حديثه وكأنه يطلب صدقة "لله"؛ إذ قال له:" مد إيدك في جيبك واديني حاجة مش هتندم عليها"، وبالفعل مد جاري يده وهم بإخراج "اللي فيه النصيب لله" وما أن رأه الدجال يفعل ذلك حتى بادره بقوله: "طلع متخفش أنا مش هاخد حاجة منك، أنا هعملك الخير وهتشوف”.

وهنا سحب الشيخ محمد الدجال جاري من يده وأخذه على جنب، وكأنه أراد أن يقول له سر دون أن يسمعه أحد أو ربما خاف أن يطلع أحد على جريمته، وبالفعل ابتعدا عدة أمتار ولاحظت الكلام موصول وما زال يمسك بيده، ثم ما لبث أن أخرج جاري محفظته وأمسك بها وتبادلا الحوار، فدفعني الفضول الصحفي لمتابعة الحوار واكتشاف ما يجري، فاقتربت خطوات حثيثة دون أن يشعرا لأراقب عن قرب. 

وحاولت استراق السمع، وسمعت بعضًا مما قاله له الدجال وأوضحه لي هذا الشخص بعد ذلك والذي عرف نفسه بأن اسمه أسامة ويعمل محاسب.

قال له الشيخ محمد: "أنا مش شحات.. أنا ربنا بعتني لك علشان انت ابن حلال، وفيه خير جواك، خلي بالك فيه ناس مش بتحب لك الخير وعاوزة تقف في طريقك.. لكن ربنا بيحفظك منهم"، فهز أسامة رأسه دليل على أن هذا الكلام صحيح.

وتابع الدجال "محمد" قائلا: انت لو ربنا بعت لك الخير ووسع عليك واداك فلوس كتير هتبخل على ربنا؟”.

فرد عليه أسامة قائلا: لا طبعا.

فقال له: طيب طلع أي فلوس ورق معاك.. وعندما وجده مترددا لحقه بقوله: "ما تخفش مش هاخدها.. وهتشوف أنا مش شحات.. أنا هعملك الخير زي ما قلت لك”. فأخرج له اسامة ورقة من فئة 5 جنيهات، فقال له الدجال لا لا.. حاجة أكبر.. انا مش هاخدها صدقني.

وبالفعل أخرج الضحية أسامة ورقة عشرين جنيها، فقال له الشيخ محمد الدجال "خليها في ايدك انا مش هاخدها.. اقرأ معي"، وأخذ يردد بعض الكلمات منها بعض قصار السور القرآنية، ثم أدعية كلها بالخير وسعة الرزق والحماية من الأعداء.

ثم قال له افتح يدك دليل الخير، هينزل في ايدك دلوقتي، وفتح يده وبالفعل نزلت قطرات ماء من بين أصابع الدجال، ما أبهر أسامة بحسب ما حكاه لي بعد ذلك، لأن يده كانت جافة غير مبللة، إضافة إلى أن القطرات نزلت وكأنها من قطارة نقطة نقطة وشمها فلم يجد لها رائحة، وقال له: امسح بها على جسدك وعلى أي منطقة توجعك.

ثم أتبع الدجال هذه الحيلة؛ حيث قال له: "معاك منديل قماش؟"، فرد عليه أسامة "قطر يعني؟"، فقال له الدجال محمد: نعم، فقال أسامة لا، فأخرج الشيخ محمد منديله، وقال له متقلقش هحلها انفخ في المنديل ده.. خلي نفسك فيه، فأطاع أسامة أمره، ثم أمسك "محمد" بالمنديل، وعقده عقدتين، وقال له: "امسك المنديل وشد العقتدين كويس”.

ففعل، ثم قال له: متأكد انهم معقودين كويس، فرد عليه أسامة "أيوا متأكد”.

فامسك الشيخ محمد المنديل وكوره وعزم عليه ثم أعطاه مرة أخرى لأسامة وقال له: انفض المنديل هتلاقي العقد اتفكت وده معناه إن اللي كان في طريقك خلاص هينزاح، وهيجيك الخير ومتبخلش، وبالفعل أمسك أسامة المنديل ونفضه فلم يجد العقد.

كانت حيل الدجال تهدف إلى السيطرة نفسيًا وعقليا على الضحية، وكأنه يقوم بتنويمه مغناطيسيا، من خلال تعففه عن أخذ النقود في البداية فهو ليس بشحاذ وليس بطامع أو نصاب أو دجال، وهنا دخل الحوار إلى مرحلة الجد والابتزاز العاطفي، حيث وصل اقتناع الضحية أن الخير الوفير في الطريق، وليس له حصر وطالما ربنا سيعطيك من وسع فأنت "لازم متبخلش" واذا كان ربنا يختبرك فلابد أن تنجح في الاختبار، وهو أنه عندما يسألك أحد لله، فلا تمنع عنه شيئا حتى لو كان ما في جيبك.

وهنا بدأ الدجال يسيطر على ضحيته بالفعل، فقال له: أنت في محفظتك ورقة فلوس كبيرة انت هتقضي بيها مصلحة مهمة، فرد عليه أسامة بالإيجاب، فقال له الدجال: "هاتها ومتخافش.. مش هاخدها.. هو أنا اخدت منك حاجة.. أنا مش شحات”.

وبالفعل أخرجها وقال له: امسكها كويس، وقال له الدجال: لو ربنا رزقك هتبني بيت له "مسجد" أم تبخل على الله؟ فأجابه الضحية: لا طبعا هبني له مسجد.

فتابع الدجال: طيب لو ربنا رزقك هتبخل ومش هتخرج لله، فكان الرد المتوقع:" لا طبعا هخرج لله”.

وفي هذه اللحظة أمسك يد الضحية التي فيها النقود وكانت ورقة فئة 100 جنيه، وصافحه وقال له "متخفش مش هاهخدها.. بس قول ورايا"، وأخذ يردد بعض الأدعية والتعاويذ وراح بهدوء يقبض على مبلغ الـ100 جنيه، وعندما تنبه الضحية للحيلة، أمسك بيد الدجال، وقال له أسامة:" آه،، هو ده كله علشان دي.. لا انسى.. بص الـ100 جنيه لأ.. أنا لو هديك حاجة لله مش هتكون 100 جنيه، وأديك بمزاجي.. سيب الفلوس بدل ما هتندم على اللي هعمله فيك”.

وهنا أفاق أسامة من تأثير الدجال عليه، لكن بشكل جزئي فهو الآن في ورطة بعد كل هذا الكلام، هل يبخل على الله، وقد استحلفه الدجال أن يترك الفلوس لله، حتى لا يغضب عليه ويعاقبه، وبالفعل أعطاه أسامة، ورقة بعشرين جنيه، راضيا مرضيا سعيدا بأنه حقق نصرا على الدجال، ومنعه من أخذ 100 جنيه، فيما يشبه "النكتة”.

وعندما سألت الضحية بعد انصراف الدجال إلى "حال سبيله"، لماذا أطعته وانت تعرف أنه نصاب، فأقر اسامة أنه للحظات وقع تحت تأثيره، وانبهر بالخدع التي فعلها رغم أنه لا يقتنع بهذه الأشياء ويعلم علم اليقين أنها نصب.

وعندما عرضنا تلك القصة على ٍاستاذ علم الاجتماع السياسي د. محمد سمير عبد الفتاح، قال: بكل أسف، يقع الشعب المصري تحت تأثير الدجالين بمزاجه؛ لأن ثقافتنا متشبعة بالترويج لهذه الخرافات وتشجع النصابين والدجالين، فحتى النصوص المقدسة مثل القرآن الكريم والإنجيل تشهد بوجود السحر والمس، رغم أن تفسيره يجب أن ينظر إليها من منطق مختلف، يبعدنا عن تأثير المشعوذين.

وأضاف "عبد الفتاح": إن الحل للخروج من كل هذه الدوامة هو التعليم الحقيقي الذي ينير العقل وليس لتخريج ملايين الأميين.

واستنكر د. محمد المختار المهدي الأستاذ بجامعة الأزهر، إقبال المصريين على الدجالين والمشعوذين والتأثر بأقوالهم والاستجابة لرغباتهم، وقد رأينا وسمعنا عن الحوادث المشينة التي تحدث بين الدجالين وضحاياهم وفي أغلبها تكون الدافع لها الجنس، وهو ما يؤكد أنه في عصرنا هذا معظم من يدعي أنه يعالج بالقرآن أو يفك السحر والأعمال فهو كاذب، ولا يقدر على فعل شيء، وما هم إلا نصابين يجيدون السيطرة على ضحاياهم.

وأوضح الأستاذ بجامعة الأزهر أن السحر والمس مذكوران في القرآن، وأحاديثه ذكرت في كتب السنة والأحاديث، لكن المشكلة لم تعد في الأحاديث أو حتى فهمها، لكن أصبحت في المتاجرة بقضايا تمس أوجاع الناس، ونحن في وقت مطامع الناس تجعلهم يتعجلون الرزق فبعضهم يذهب للدجال حتى يفك السحر؛ ليكتشف له مقبرة فرعونية، فالسحر إن كان موجودا بنص القرآن ففي وقتنا هذا من يستطيع أن يسحر ومن يستطيع أن يفك السحر، هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة وينهي القضية.

وعن آخر أشكال الدجل قال "المهدي": إن النصاب أو "الدجال" لا تنضب حيله، ولا يجف منهل ألاعيبه، فهو دائم التفكير في كيفية الإيقاع بك، ويأخذ أموالك دون غصب أو إكراه؛ لذلك هو نصاب وليس لصًا أو سارقًا.