قولوا ما تشاءون عما فعله وزير الداخلية الجديد اللواء مجدى عبدالغفار، قولوا إنه رجل حاسم وشجاع، استطاع في ساعات قليلة أن يفعل ما عجز عنه الآخرون في سنوات، قولوا إنه جاء بالفعل لينجز مهمة كانت صعبة على من سبقوه، قولوا إنه أزعج الجماعات الإرهابية التي يمثل شوكة في ظهرها، لن تستطيع أن تتخلص منها بسهولة، فهى أمام كابوس سيظل يطاردها في مناماتها ولن ترتاح بعد اليوم.
لكننى وقبل كل ذلك أتوقف عند معنى وقيمة في التغييرات التي قام بها بها عبدالغفار، وهى أنها لم تكن تغييرات انتقامية، فكل وزير يأتى مهما كانت درجة عدالته، فإنه لا يتردد في أن يقوم ببعض التغييرات الانتقامية، لكن عبدالغفار لم يفعل ذلك مطلقًا، والدليل على ذلك كان إبقاءه على اللواء سيد شفيق حيث أخرجه من الأمن العام وأبقاه كمساعد وزير لقطاع الأمن، وتصعيده للواء كمال الدالى حيث خرج من مديرية أمن الجيزة ليكون مساعدًا لوزير الداخلية للأمن العام، رغم أنهما كانا من أقرب القيادات إلى وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، فعبدالغفار لا يصفى حسابات، ولم يأت لينقلب على رجال الوزير السابق، ولكنه استعان بأكفأهم وقربه منه، بما يعنى أننا أمام وزير جاء ليبنى ولم يأت لينتقم.
كانت الفلسفة العامة التي لجأ إليها عبدالغفار في التغييرات التي اعتبرها البعض زلزالا مدويا، وتعاملنا معها نحن على أنها ثورة كاملة داخل وزارة الداخلية، هي أن من عليهم ملاحظات خلال الفترة الماضية، لا بد أن يبتعدوا عن الصورة قليلا، حتى تأتى وجوه أخرى لتحتل الصورة ولتقوم بدورها المطلوب منها في إنجاز المهمة التي ينتظرها الشعب من الشرطة.
لقد أبعد عبدالغفار اللواء خالد ثروت من رئاسة جهاز الأمن الوطنى، وأعاد إليه مرة أخرى اللواء صلاح حجازى، لأنه يعرفه جيدا، وكان مساعدا له عندما كان عبدالغفار مديرًا للأمن الوطنى قبل أن يخرج منه إلى أمن الموانئ، وبصرف النظر عن الهنات التي وقع فيها خالد ثروت إلا أننا أمام حالة نادرة من الاختيار طبقًا للكفاءة.
التغيير الذي قام به عبدالغفار في الأمن الوطنى يعطينا إشارة واضحة إلى أنه سيهتم وبدرجة كبيرة بهذا القطاع، الذي سعى الإخوان المسلمون إلى تخريبه بكل ما أوتوا من قوة، بل سعوا إلى تصفية رجاله الذين يُعرف عنهم إنتماؤهم للدولة المصرية والوقوف بكل قوة أمام محاولات الإخوان لسرقة الوطن وإخضاغه إلى مخططاتهم الخاصة.
يعرف مجدى عبدالغفار ما الذي يدور في جهاز الأمن الوطنى جيدا، فقد عاد إليه في مرحلة تأسيسه الأولى بعد ثورة ٢٥ يناير، وعندما دخله أوقف كثيرًا من قرارات أول رئيس له وهو اللواء حامد عبدالله، بل وقف أمام الكثير من قرارات وزير الداخلية وقتها منصور العيسوى، وهى قرارات كانت جميعها تصب في تعطيل عمل الجهاز.
ومن بين ما فعله عبدالغفار في الجهاز أنه ألغى فرق أمن الدولة، وذلك حتى لا تدخل عناصر إخوانية في الجهاز، لقد ألغاها طوال عهد الإخوان، وكان لديه بعد نظر في قراره، فقد كان يعرف أن الإخوان يرغبون في السيطرة على الجهاز، وأنهم سيعملون ذلك من خلال زرع عناصرهم داخله، ولذلك سد الباب أمامهم، وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة لصد هجومهم التتارى على الجهاز.
الخطوة الأولى التي قام بها مجدى عبدالغفار، وهى تعيين رئيس جديد لجهاز الأمن الوطنى تشير إلى أنه سيقوم بتغييرات عميقة في جسد الجهاز، ولن يكتفى فقط بتغيير الرأس، وهو ليس غريبا عليه، فهو سليل عمالقة الجهاز، تربى على أيديهم، تحديدا تربى على يد عملاق من عمالقة جهاز أمن الدولة، وهو اللواء رؤوف خيرت، الذي اغتالته الجماعات المتطرفة في العام ١٩٩٦، وكان يعمل في الجهاز هو واللواء أحمد رأفت، واللواء عاطف أبوشادى، ومثّل هذا الرباعى قوة كبيرة، استطاعوا من خلالها أن يقضوا على موجة الإرهاب في التسعينيات تماما.
وكما كانت لعبدالغفار كرامات كثيرة أيام الرباعى الذهبى كانت له كرامات أيضا عندما بدأ جهاز الأمن الوطنى يستعيد عافيته ويعمل بجدية ضد المخاطر التي تهدد الوطن، فبعد خروج حامد عبدالله من الجهاز استدعى عبدالغفار اللواء عادل عزب واللواء محمد حنفى، وهما بالفعل من أشهر وأهم من عمل على ملف الإخوان والجماعات المتطرفة في جهاز أمن الدولة.
إننا أمام وزير داخلية يعرف قيمة جهاز الأمن الوطنى، ولذلك بدأت الجماعات المتطرفة العمل على تشويهه ومحاولة محاصرته، لأنها تعرف أنه إذا تمكن منها فلن يفلتها أبدا.
فلسفة أخرى بدت في التغييرات التي قام بها اللواء مجدى عبدالغفار، فهو يركز وبكفاءة عالية على مفاصل الدولة، فقد عين مساعدًا للوزير لمديرتى أمن المنيا وأسيوط، ثم مساعدًا للوزير لمديرتى أمن دمياط وكفر الشيخ، ثم مساعدًا للوزير لأمن سيناء، وهو بذلك يبسط نفوذه وسيطرته على أركان الجمهورية، كما أنه وفى الوقت نفسه قام بتصعيد كمال الدالى في الأمن العام، وسيد شفيق في قطاع الأمن، لأنه يعرف جيدًا إمكانياتهما كضابطى مباحث، فطبقًا لخبرة كبيرة بالملفات الأمنية أستطيع أن أقول إن الدالى وشفيق هما أهم ضابطى مباحث في تاريخ وزارة الداخلية.
هل بقى شىء يمكن أن نذكره في محاسن هذا الرجل، يمكن أن أشير إلى نقطة مهمة جدا، فخلال الفترة التي قضاها عبدالغفار في بيته بعيدا عن الوزارة، تمكن ومن خلال تأمل تجربته ومراجعتها أن يتعرف على أطراف الصورة جميعها، وهو ما يجعله متمكنا تماما من أن يعمل في الوزارة، ولديه كل التفاصيل فمثل مجدى عبدالغفار لا يمكن أبدا أن يبتعد عن العمل الأمنى، ولذلك فأنا أثق تماما في لياقته الأمنية والحيوية التي سيحاول أن يبعث بها في كل شرايين الوزارة.
■ ■ ■
الآن لابد أن أضع نقطة لأبدأ من أول السطر
فكل ما تقدم عظيم جدا، وما فعله عبدالغفار هو إنجاز هائل، لكن هل تغيير الأشخاص وحده كاف لإنقاذ منظومة الأمن في مصر؟
أقول إن هذا لا يكفى أبدا، فالمنظومة لا بد أن تتغير، لقد دخل عبدالغفار الوزارة وهناك أكثر من عطب، أولها في عدم توفر المعلومات، وهى أزمة لابد أن يواجهها بحسم وسرعة، فبدون المعلومات لا يمكن أبدا أن ننجز شيئا، هناك عطب آخر في التدريب، ولا بد أن يبدأ الوزير الجديد من الآن في إعادة الروح للتدريب، حتى يكون أمامنا ضابط شرطة قوى من أدواته ولا تنقصه المهارة ولا اللياقة لإنجاز ما يتم تكليفه به، والعطب الثالث في التسليح، إذًا ما الذي يمكن أن يفعله وزير داخلية نشيط ومتحمس لعساكر ليست معهم معدات حديثة.
عزائى أن الوزير الجديد يدرك ما الذي تحتاجه وزارته، وأعتقد أنه سيعمل جاهدا على تنفيذه، فالمهمة صعبة لكنها ممكنة، ثم إننا أنجزنا جزءا كبيرا من الطريق، لقد طالبنا طويلا بهيكلة الداخلية، وهو ما يفعله عبدالغفار بالضبط، لكن بشكل علمى وبلا استعراض، يفعله في صمت ومن أجل الصالح العام، وهذا يكفيه جدا.