إن موقف المستشار عبدالمجيد محمود، جاء دفاعًا عن الحصانة القضائية التى يقررها الدستور والإعلانات الدستورية الصادرة فى أوقات لاحقة، وقانون السلطة القضائية، لكافة رجال القضاء، ضمانًا للحقوق والحريات، ومنعًا لتدخل السلطة التنفيذية فى شئون القضاء والقضاة، وحرصًا منه، بوصفه رمزًا من رموز السلطة القضائية، على العدالة وشرف السلطة القضائية برمتها، وانتصارًا لقانون السلطة القضائية، الذى ينص على عدم جواز عزل النائب العام أو نقله من وظيفته إلا بناءً على طلبه، وأن خدمته لا تنتهى إلا ببلوغ سن التقاعد.
وفى 13 أكتوبر استجاب المستشار عبدالمجيد محمود للدعوة التى وجهت له للقاء مرسى ونائبه المستشار محمود مكي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، للتفاهم حول نزع فتيل الأزمة، والتوسط للخروج من المأزق القانونى حول قرار إقالته، وجاءت تلك الاستجابة منه حرصًا على الصالح العام، ولكى لا يأتى تأزم الأمور من جانب القضاء، وحرصًا منه على استقرار البلاد، خاصة بعد أن لمس بنفسه تأييد القضاة وأعضاء النيابة العامة والمواطنين والرأى العام له.
وفى موقف شديد القوة والثبات، أكد النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود فى اجتماع بممثلى الهيئات القضائية ووسائل الإعلام، فى قاعة عبدالعزيز باشا فهمى بدار القضاء العالى تمسكه بمنصبه، وأنه يسعى إلى حل الأزمة مع الرئاسة، وأنه لن يترك منصبه إلا إذا تم اغتياله، وأنه غير متمسك بالمنصب، لكنه يرسخ قيمة ضمان استقلال منصب النائب العام بعيدًا عن تدخل السلطة التنفيذية.
وإزاء كل ذلك، صدر فى المساء بيان رئاسة الجمهورية بعودته إلى منصبه، بعد أن استحالت المؤامرة وضعفت فى مواجهة القضاء والشعب المصرى العظيم. وفى 14 أكتوبر التقى مرسى بالنائب العام ومعه شيوخ المجلس الأعلى للقضاء، معترفًا مرة أخرى بهزيمته أمام قضاء مصر الشامخ.
مواجهة تأسيسية الدستور:
فى 25 مارس 2012، اختار البرلمان فى جلسة مشتركة لغرفتيه، الشعب والشورى، مائة عضو يشكلون الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع أول دستور للبلاد بعد ثورة 25 يناير 2011.
وإزاء هذا التمثيل المثير للجدل والمبنى على قوانين معيبة، أصدرت محكمة القضاء الإداري، فى 10 إبريل 2012، حكمًا بحل الجمعية التأسيسية لمخالفة تكوينها للمادة 60 من الإعلان الدستورى الصادر فى مارس 2011، ما دفع البرلمان لتشكيل جمعية تأسيسية أخرى.
وبالفعل قام البرلمان بتاريخ 13 يونيو 2012 بتشكيل جمعية تأسيسية أخرى، عقدت أولى جلساتها فى 18 يونيو 2012 واختارت المستشار حسام الغريانى رئيسا لها.
وفى 17 أكتوبر أعلن المستشار عبد الله فتحي، وكيل أول نادى القضاة، ونائب رئيس محكمة النقض، تضامن مجلس إدارة النادى مع المحكمة الدستورية العليا، التى أعلنت فى مؤتمر صحفى فى 16 أكتوبر رفضها لمسودة الدستور وما جاء بشأنها فيه، وأنها فى انعقاد دائم لحين تعديل هذه النصوص وفق ما أبدته من مقترحات، مؤكدة رفض النادى لما جاء بالمسودة الأولية بشأن القضاء، وقال: «إن فصل السلطة القضائية، بالدستور المقترح، خرج مشوهًا، وغير واضح المعالم، سواء فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية العليا، أو بالهيئات القضائية الأخرى»، وأوضح أن مجلس إدارة نادى القضاة سيجتمع لمناقشة ما جاء بمسودة الدستور بشأن السلطة القضائية، مشددًا على ضرورة تعديل الفصل الخاص بالقضاء، وإعادة النظر فيه وفقًا لمقترحات القضاة التى قدمها ناديهم، فى لقاء مع أعضاء لجنة نظام الحكم، والتى ضربت بها الجمعية التأسيسية عرض الحائط، خاصة أن بعض الهيئات القضائية فقدت العديد من مراكزها القانونية واختصاصاتها فى هذه المسودة».
الإعلان الدستورى الكارثي:
فى إصرار على مواجهة أخرى مع القضاء وعدم الاكتراث بالقانون والدستور، وفى تطور غريب، أصدر مرسى إعلانًا دستوريًا مكملًا فى 22 نوفمبر جاء فى بعض مواده:
المادة الثانية: «الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى 30 يونيو2012، وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضى جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية».
المادة الثالثة: «يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب ويشترط فيه الشروط العامة لتولى القضاء، وألا تقل سنه عن 40 سنة ميلادية ويسرى هذا النص على من يشغل المنصب الحالى بأثر فوري».
المادة الخامسة: «لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور».
وأصدر مرسى قرارا جمهوريا بتعيين المستشار طلعت إبراهيم محمد عبدالله نائبا عاما، بدلا من المستشار عبدالمجيد محمود لمدة أربع سنوات، وكان القرار ملحقا بالإعلان الدستورى الصادر فى نفس التاريخ وحصن فيه الرئيس قراراته والتأسيسية والشورى وقرار عزل النائب العام.
وهو الأمر الذى ردت عليه الجمعية العمومية لنادى القضاة فى بيان لها، مؤكدة رفضها للإعلان الدستورى الجديد الذى يشكل عدوانًا سافرًا من جانب السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ودولة القانون، وطالبت مرسى بإلغاء الإعلان الدستوري، استجابة لمطلب القضاة والقوى الوطنية؛ ليثبت أنه رئيس لكل المصريين، وحتى يجنِّب البلاد عواقب أزمة خطيرة، كما دعت الجمعية المواطنين للتضامن مع قضاة مصر الذين يدافعون عن استقلالهم، الذى يمثل الضمانة الحقيقية لإرساء العدل وإقامة دولة القانون. لقد صدر هذا الإعلان من غير المختص بإصداره، متضمنًا غصبًا للسلطة التشريعية، ومن لا يملك سلطة الإصدار لا يملك سلطة التفسير أو الإيضاح، وإنما يملك، فقط، رعاية المصلحة العليا للبلاد واحترام السلطة القضائية واستقلالها.
تعليق العمل بالمحاكم:
فى اليوم التالى، بدأت عملية توقف جزئى عن العمل فى بعض المحاكم، وبعد اجتماع المجلس الأعلى مع مرسي، رفض القضاة ما انتهى إليه الاجتماع وقررت الجمعية العمومية لنادى القضاة تعليق العمل بالمحاكم والنيابات حتى يتم إلغاء الإعلان الدستوري، وإلغاء كل ما يترتب عليه من آثار. وناشد نادى القضاة باقى المحاكم التى لم تقم بعد بتعليق العمل، أن تضع توصيات جمعيتهم العمومية موضع التنفيذ دفاعًا عن استقلال القضاء، وحماية لمقدسات الشعب المصرى العظيم، وأكد قرار الجمعية أن تعليق العمل بالمحاكم ينبغى ألا يضر بمصالح المواطنين وأن يحافظ على مصالح المتقاضين.
استمرت الجمعية التأسيسية فى عملها ضاربة عرض الحائط بالاعتراضات التى صدرت من كافة فصائل المجتمع، وناقشت خلال الأيام التالية للأزمة مواد القضاء العسكرى والشرطة وأعطت اللجنة حق التشريع لمجلس الشورى فى حال حل مجلس الشعب، ردًا على قرار المحكمة الدستورية حل مجلس الشعب، كما ناقشت المواد الخاصة بهيئة قضايا الدولة.
آراء حرة
معركة القضاة لاسترداد الوطن "2 – 4"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق