الجمعة 25 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

الخلافة.. حلم داعش المزعوم

أبوبكر البغدادي
أبوبكر البغدادي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوافق اليوم الثلاثاء، الثالث من مارس ذكرى سقوط الخلافة العُثمانية، وتحويل تركيا إلى دولة علمانية عام 1924، على يد مصطفى كمال أتاتورك، الرجل الذي حاول إحياء رجل أوروبا المريض، فقام بالإطاحة بالخليفة الأخير، السلطان عبدالحميد الثاني، وإنهاء عصر الخلافة الإسلامية إلى الأبد.
وتأتي هذه الذكرى في الوقت الذي يحتشد فيه خوارج العصر الجُدد للحديث عن خلافة مزعومة ينوون إحياءها بالدم، مُتغافلين أن سفك الدماء وغياب العدل هو ما أدى لسقوط أكثر من خلافة مُتتالية، حتى انتهى الجميع إلى شكل جديد للدولة يتناسب والعصر، وهو ما لا يتعارض ونصوص القرآن الكريم التي تُناسب كل العصور ولا تُحدد شكلاً مُعيّنًا للدولة، فكما قال الرسول الكريم "أنتم أعلم بشئون دُنياكم".
وإذا استعرضنا سريعًا تاريخ الخلافة منذ انتهاء عصر الخلفاء الراشدين الأربعة، سنجد أن انهيار الدولة الأُمويّة بسبب الفساد هو ما أتى بالعباسيين إلى مقعد الخلافة على جُثة العدالة الغائبة لدى بنو أُميّة، ومن المُفيد كذلك إلقاء نظرة أكثر قُربًا على نهاية الخلافة العباسية هي الأُخرى، فما فعله المغول لإسقاط خلافة بغداد هو نفس ما يفعله تنظيم "داعش" الذي يدّعي سعيه لإقامة الخلافة عبر بحور من الدم وتدمير للثقافة والتراث الإنساني، كلاهما دمّر ما وجد في طريقه من التاريخ والثقافة التي ظلّت الإنسانية تنهل منها عقودًا.
فعندما سار هولاكو قائد جيوش المغول على رأس جيش ضخم بأمر من إمبراطور المغول منكو خان الذي أمر أن يخرج معه كل ذكر قادر على حمل السلاح في الإمبراطورية، وضم لجيشه قبائل أرمنية وجورجية وتركية وفارسية، يُشير الكثير من المؤرخين إلى أن من أسباب نجاح الهجوم المغولي حالة جيش الخلافة الضعيفة، وتسريح عدد كبير من الجُند -تمامًا كما حدث بالجيش العراقي عقب الغزو الأمريكي- وهذا فضلًا عن ضعف استحكامات المدينة وعدم تقوية أسوارها.
قسّم هولاكو جيشه إلى قسمين، وضرب حصارًا حول بغداد، وأثناء الحصار دمّر المغول السدود وقنوات الري، ثُم قاموا بقصف استحكامات المدينة بالمقالع والمناجيق، ما سهّل سقوطها واحدة تلو الأخرى، حتى أحاط المغول بالمدينة من كل جانب، وفيما حاول المستعصم أن يفاوض المحاصرين رفض هولاكو واقتحم بغداد يوم 10 فبراير 1258، ليرتكب المغول مذابح بحق أبنائها، وبلغ عدد القتلى من الجند والمدنيين مليوني شخص، حتى من حاول من الأهالي الفرار عمد المغول إلى قتله -وهو ما فعله داعش مع أهالي الموصل- ويذكر أن هولاكو أمر بنقل مقر المُخيّم الذي كان فيه بسبب روائح الموت المُنبعثة؛ وبدأت عمليات السلب والنهب ثم الحرق، فتلفت المكتبات وما تحويها، وقيل إن مياه نهر دجلة تحولت إلى اللون الأسود لكثرة ما رُميَّ فيها من أوراق محترقة، وكذلك تم تدمير المساجد والقصور والجامعات -ورغم ذلك بقيت آثار دمرت بعضها اليوم داعش وتسعى نحو البقية- لتزول بذلك الخلافة العباسية في بغداد، والتي عادت فيما بعد بشكل صوري من القاهرة بعد أن تصدت مصر للمغول وأنقذت العالم من زحفهم.
أما العثمانيون، فهم من ورثوا الخلافة على أنقاض دولة المماليك في القاهرة، فألغوا الوضع الصوري للخليفة العباسي وتُصبح القُسطنطينية عاصمة الخلافة، واستمرت خلافتهم ما يقرب من ستُمائة عام، وبلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وخضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا، وشمالي أفريقيا، وكذلك كانت لها السيادة على بضعة دول بعيدة، بحكم كونها إسلامية تتبع -شرعًا- سلطان آل عثمان الذي يحمل لقب "أمير المؤمنين"، و"خليفة المسلمين"، لتُصبح القسطنطينية همزة الوصل بين العالمين الأوروبي المسيحي والشرقي الإسلامي، وأصيبت الدولة بعد ذلك تدريجيًا بالضعف والتفسخ، وأخذت تفقد ممتلكاتها، ورغم أنها عرفت فترات من الانتعاش والإصلاح، إلا أنها لم تكن كافية لإعادتها إلى وضعها السابق.
وكان مصطفى كمال الملقب بأتاتورك، والذي خلع عليه المجلس الوطني الكبير رتبة "غازي"، ومعناه "الظافر في حرب مقدسة"، وهو لقب كان ينفرد به سلاطين آل عثمان، قد حشد مؤيديه وأرهب مُعارضيه لإلغاء الخلافة، وطرد الخليفة وأسرته من البلاد، وألغى وزارتي الأوقاف والمحاكم الشرعية، وحوّل المدارس الدينية إلى مدنية، وأعلن أن تركيا دولة علمانية، وأغلق كثيرًا من المساجد، وحوّل مسجد آيا صوفيا الشهير إلى كنيسة، وجعل الأذان باللغة التركية، واستخدم الأبجدية اللاتينية في كتابة اللغة التركية بدلًا من الأبجدية العربية، ليُحاول "حسين بن على" حاكم الحجاز تنصيب نفسه خليفة للمسلمين، لكن إنجلترا، والتي خرجت ظافرة من الحرب العالمية الأولى رفضت وقام الإنجليز بسجنه في قبرص، في الوقت نفسه تم فض مؤتمر الخلافة بالقاهرة، وإلغاء جمعية الخلافة بالهند.