أزمة حلف اليمين، إقالة النائب العام عبدالمجيد محمود، تعيين نائب عام إخواني، أخونة القضاء، قرار عودة مجلس الشعب المنحل، إصدار إعلان دستورى مكمل، محاصرة الدستورية، محاولة التخلص من ٣٥٠٠ قاضٍ، ... وغيرها كثير، محطات مظلمة فى تاريخ مصر، كادت أيادى جماعة الإخوان الإرهابية تحاول العبث بمقدرات صرح من صروح الأمة، قضاء مصر العظيم، فى محاولة لإخضاعة ومن ثم إخضاع الوطن بأكمله.
مؤسسة القضاء، ضلع مهم من مثلث الدولة المكون من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وهى ضمان وصمام الأمن والاستقرار والعدالة والرقابة فى هذا الوطن، وهو ما أدركته الجماعة الإرهابية مبكرا، فسعت للسيطرة على تلك المؤسسة العريقة، فى محاولة لتقزيم دورها أو تعديل مسارها، لولا الوقفة الشجاعة والصمود المشرف لهذة المؤسسة الشامخة.
وهذه الإطلالة، ما هى إلا ملامح من تلك المعركة، التى لا نستطيع بالطبع أن نلم بكافة تفاصيلها، فسوف يظل التاريخ، وحده، شاهدًا عليها وعلى دور القضاء المصرى العظيم وموقف قضاته الأجلاء، وفى مقدمتهم نادى قضاة مصر بقيادة المستشار الجليل أحمد الزند، فى حماية هذا الوطن.
أزمة حلف اليمين:
بعد إعلان فوز الرئيس المعزول محمد مرسى بالانتخابات الرئاسية، رغم ما نال القضاء من هجوم مروع واتهامات مجحفة قبل وأثناء العملية الانتخابية، وامتدادًا لعرف قانونى ودستورى ومجتمعى يقضى بأن يحلف الرئيس المنتخب اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، فى غياب مجلس الشعب، رفض مرسى وراوغ كثيرًا من أجل ألا يحلف اليمين أمام قضاة المحكمة الدستورية، لكنه اضطر، فى النهاية، للرضوخ بعدما رفضت قضاة مصر العظام أن يؤدى الرئيس اليمين خارج إطار المحكمة، حفاظا على الشرعية ودولة القانون.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت معركة القضاة مع الجماعة الإرهابية، ففى ٤ يوليو ٢٠١٢، تقدم محمد سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب المنحل بمذكرة تظلم لمحمد مرسى رئيس الجمهورية آنذاك، حول القرار التنفيذى لحكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، والصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى ١٤ يونيو ٢٠١٢، بدعوى أنه لا يملك الحق فى إصدار هذا القرار وفقًا للإعلان الدستوري. وفى الثامن من يوليو أصدر مرسي، قرارًا بإلغاء قرار حل مجلس الشعب، الصادر من المحكمة الدستورية العليا، على أن يعود المجلس لممارسة مهام عمله. وعقب صدور القرار، قرر المجلس العسكرى عقد اجتماع طارئ، وذلك لمناقشة قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب.
كان ذلك القرار بمثابة انهيار كامل للدولة، وانهيار لشرعية الرئيس، وكان أولى بشائر بطانة السوء وترسيخًا لفكر الجماعة العقيم فى التعامل مع دولة المؤسسات، التى أثبتت التجربة أنها غير موجودة فى قاموسهم، إزاء ذلك قام نادى القضاة بالتنسيق مع جميع الهيئات القضائية الأخرى، بدعوة قضاة مصر لاتخاذ موقف موحد من قرار الرئيس، لأن ما حدث لا يعد اعتداءً على القضاة فحسب، ولكنه اعتداء على الشرعية الدستورية، ودولة القانون، فقد كانت صياغة القرار غير مدروسة بالمرة وتدل على بداية دولة العشوائية.
وفى ردة فعل قوية عقدت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار ماهر البحيري، اجتماعا طارئا للتداول، ودراسة الموقف الدستورى من كافة جوانبه فى ظل القرار الجمهورى الذى صدر بشأن دعوة مجلس الشعب للانعقاد، وأكد أن كافة الخيارات ستكون مطروحة على طاولة الاجتماع للرد على القرار، باعتباره اعتداء صارخا، لم يسبق له مثيل، على السلطة القضائية ممثلة فى المحكمة الدستورية العليا، ومن بينها إصدار قرار بوقف العمل بالمحكمة الدستورية مؤقتًا، أو إصدار بيان معارض للقرار، أو التأكيد على ضرورة نفاذ الحكم السابق بحل مجلس الشعب.
وتستمر المعركة، وفى موقف مشابه، وتحديدًا فى ٩ يوليو، دعا مجلس إدارة نادى القضاة، ورؤساء أندية إدارة الأقاليم، وممثلو الهيئات القضائية الأخرى «النيابة الإدارية، مجلس الدولة، هيئة قضايا الدولة، ونقابة المحامين» خلال اجتماعهم مع مرسي، إلى إسقاط وسحب قرار عودة مجلس الشعب المنحل، وتم إمهاله ٣٦ ساعة لسحب القرار، وطالبوا الرئيس بتقديم اعتذار صريح وواضح للشعب المصري، والأسرة القانونية، والسلطة القضائية لما حدث من امتهان وإساءة وطعن فى أحكام المحاكم بصفة خاصة والسلطة القضائية بصفة عامة، وهددوا بأنه إذا لم يعتذر سيكون أمامهم عدة خيارات أولها تعليق العمل لمدة ساعة كمسألة رمزية لما حدث أو تعليق العمل لمدة شهر وإيقاف العمل بالمحاكم.
ولكن فى اليوم التالي، بدأ مجلس الشعب أولى جلساته بعد قرار مرسى بعودته مرة أخرى، ودعا الكتاتنى النواب لجلسة عامة لمناقشة الأزمة الموجودة بين المحكمة الدستورية والبرلمان بعد قرار الرئيس.
ولم تمهل السلطة القضائية الجماعة الإرهابية وقتا لالتقاط الأنفاس والفرح بعودة مجلسهم المنحل، فقد صدر فى نفس اليوم قرار المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار ماهر البحيري، بوقف تنفيذ القرار الجمهورى رقم ١١ لسنة ٢٠١٢، الخاص بعودة مجلس الشعب، واستمرار حكم المحكمة القاضى بحل مجلس الشعب وعدم دستوريته.
وسرعان ما أعلنت الجماعة الإرهابية هزيمتها وتراجعها أمام الزحف المقدس لقضاة مصر، وأصدرت الرئاسة فى ١١ يوليو بيانا أعلنت فيه احترام قرار المحكمة الدستورية العليا وإيقاف قرار عودة مجلس الشعب.
وزير العدل والنائب العام:
واستمرارًا لمحاولات الجماعة الإرهابية لإخضاع المؤسسة العريقة، وعدم الإنصات لصوت العقل، أو قياس اتجاهات الرأى العام داخل مؤسسة القضاء، وفى ٢ أغسطس ٢٠١٢ تم اختيار أحمد مكى وزيرا للعدل خلفًا للمستشار عادل عبد الحميد، الذى كان قد طالب نادى القضاة- على لسان رئيسه المستشار أحمد الزند -ببقائه حتى يظل وزير العدل بعيدًا عن الصراعات السياسية، ولكن مرسى أصر وعيَّن مكى بدلا منه.
وفى ١١ أكتوبر أصدر مرسى قرارًا بتعيين المستشار عبد المجيد محمود سفيرًا لمصر فى دولة الفاتيكان، وكلَّف أحد مساعديه بالقيام بعمل النائب العام لحين تعيين نائب عام جديد. وقد مثَّل ذلك اعتداءً غير مسبوق على استقلال القضاء، واحتشد مئات القضاة وأعضاء النيابة العامة بمقر نادى القضاة، احتجاجًا على القرار، وطالبوا بعقد اجتماع طارئ مع مجلس إدارة النادى لاتخاذ موقف مبدئي.
ومن جهته، أعلن المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام أنه لم يتقدم باستقالته من منصبه، وأنه مستمر فى أداء عمله طبقًا لقانون السلطة القضائية، كما أعلن نادى القضاة تضامنه الكامل معه، ودعا رئيس نادى قضاة مصر إلى عقد جمعية عمومية طارئة مطالبًا المستشار عبد المجيد محمود بالذهاب إلى مكتبه، حيث وقف جميع قضاة مصر إلى جواره. وسعيا نحو تعميم المعركة، والخروج بها الى الشارع باعتبارها قضية وطن، طالب المستشار أحمد الزند الشعب المصرى بالتضامن والوقوف إلى جوار القضاة فى أزمتهم فى مواجهة الظالمين والطغاة، الذين يحاولون النيل من استقلال المؤسسة القضائية، وقرر مجلس إدارة نادى القضاة عقد جمعية عمومية طارئة وحاشدة يوم ١٤ أكتوبر، بمقر دار القضاء العالي، للتضامن مع المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام، ورفض قرار مرسى بإقالته.
وفى اليوم التالى تجمعت أعداد كبيرة من أعضاء النيابة العامة والقضاة بدار القضاء العالي، لمساندة النائب العام، وهددوا بتعليق العمل فى حال عدم تأمين دار القضاء العالي، وتمكين النائب العام من ممارسة عمله، وتأمين مقرات النيابة العامة بكافة أنحاء البلاد. وطالب مجلس إدارة نادى القضاة، الرئيس المعزول مرسي، بوصفه رئيسًا للمجلس الأعلى للشرطة وللمجلس الأعلى للقوات المسلحة، بتكليف الجهات المختصة بحماية النائب العام عبد المجيد محمود ومعاونيه، خلال أدائهم أعمالهم داخل مكاتبهم وخارجها، وأشاروا إلى أن مجرد التهديد بالاعتداء على النائب العام باستخدام القوة، ومنعه من مزاولة عمله، هو كارثة تستوجب معاقبة الداعين لها، وتمثل جريمة مكتملة الأركان توجب مساءلة أصحابها قضائيًا فى إشارة إلى تهديدات الجماعة الإرهابية وأنصارها للمستشار الجليل عبد المجيد محمود، عبر اتصالات هاتفية حملت له تهديدات مباشرة وغير مباشرة، من جانب المستشارين، أحمد مكى وزير العدل، وحسام الغريانى رئيس محكمة النقض السابق، حيث أبلغة الأخير بوجوب ترك منصبه على الفور، مقترحا عليه أن يعود للعمل فى المحاكم لحين تدبير منصب كريم له.
آراء حرة
معركة القضاة لاسترداد الوطن "1- 4"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق