الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قطر.. وكر الأفاعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


 

الدوحة رأس الحربة فى الحرب على مصر، ليس فقط ضد مشروعنا الوطنى، ولكن ضد مشروع العرب فى الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية التى تريد أن تدمى جسد الأمة عبر تمزيقه إلى دويلات صغيرة مجزأة لصالح واشنطن. 
لقد رأت الدوحة فى الإخوان منظمة يزيد مؤيدوها أضعافاً مضاعفة على الصعيدين الإقليمى والعالمى، وبالتالى فإنها أرادت أن تستغلهم من أجل أوهام الزعامة الإقليمية فى المنطقة، وأصبح من الواضح وجود استراتيجية قوية على المديين المتوسط والطويل لتفكيك كل من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات، بعد أن تأكدت أنها غير قادرة على ملء الفراغ المصرى على الصعيدين الإقليمى والدولى.
التزام قطر الثابت بدعم جماعة الإخوان أصبح مفهومًا إلى درجة أنها من أجل تحقيق طموحاتها فى المنطقة عرّضت علاقتها للخطر مع دول الخليج، باعتبارها تحتضن وترعى جماعة تُجمع دول الخليج الأخرى على كونها خطراً على أمنها، بل وحتى أنها ترتبط بعلاقات شخصية مع أبرز الشخصيات المنتمية إلى التنظيم الدولى، ولعلّ أهمها يوسف القرضاوى، الذى كشف غيظه مرة على شاشة الجزيرة القطرية المملوكة للإمارة قائلا: «إن الإمارات ستواجه (غضب الله) بسبب خلافها مع إخوان مصر».
ورغم مواقف قطر الفاضحة لتمويلها تيارات الإسلام السياسى، والمجموعات المتشددة، والإرهابيين من كل حدب وصوب، والانتقادات الدولية لها، فهى تستمر فى مواصلة الدعم والتمويل من جهة، ومن جهة أخرى تظهر بمظهر الراعى للديمقراطية وحق الشعوب فى تقرير مصيرها.
وقد كشفت تقارير استخباراتية نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال أن خطة قطر هى دعم الإخوان من أجل نقل نشاطهم إلى الجامعات المصرية، ونقل الأموال إليهم عبر طلاب قطريين يدرسون فى القاهرة، فاستخدمتهم لتمرير أموال الدعم بشكل لا يلفت الانتباه، خاصة بعد أن أطاح بهم الشعب المصرى من السلطة فى 30 يونيو 2013.
وفى نفس التقرير ذكرت أن الأجهزة تتبعت مبالغ كبيرة من تمويلات خاصة بمؤسسات خيرية ومواقع للتواصل الاجتماعى فى قطر، لدعم متطرفين فى مصر والعراق وسوريا وليبيا.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن ديفيد كوهين، المسؤول البارز بوحدة مكافحة الإرهاب فى وزارة الخزانة الأمريكية، قوله: إن هذا التمويل القطرى خاص بالجماعات الجهادية التى هى على صلة بتنظيم القاعدة.
كذلك فإن برنار سكاوارسينى الذى كان على رأس الإدارة المركزية للاستخبارات الفرنسية الداخلية، قال «قطر الشريك التجارى والسياسى الكبير لفرنسا متهمة بتمويل إذا لم نقل بتسليح الجماعات المقاتلة فى إفريقيا، ضد الجيش الفرنسي»، مضيفاً أن قطر تستخدم الجمعيات غير الحكومية، لإخفاء وتمرير الدعم اللوجستى وتجنيد وتدريب الجماعات التكفيرية.
وبموجب قرار دولى أدرج كل من عبدالرحمن بن عمير النعيمى وعبدالوهاب محمد عبدالرحمن الحميقانى ضمن القائمة السوداء لداعمى الإرهاب، فى مصر والعالم، لكن قطر لا تزال تصر على دعمها للإرهابيين من أجل تخريب مصر والمنطقة.
قطر والقاعدة
هاجمت القاعدة كل دول المنطقة دون هذه الدويلة «قطر».. مع أن بها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية.. وتتحالف مع إسرائيل ولا تطبق الشريعة بمفهوم قادة هذا التنظيم المتطرف.
من هذه المنطلقات لا يمكن أن يخفى على المتابعين أن العلاقة بين قطر و«القاعدة»، المنظمة الإرهابية، كبيرة ومتشابكة، فـ«الجزيرة» تبث كل أشرطة الفيديو السمعية والبصرية لرموز «القاعدة»، من أفغانستان، إلى العراق، إلى الجزائر، بما يعنى أن هناك تعاوناً وثيقاً بين المنظمة الإرهابية والمنظمة الإعلامية، بناء على هذا الأساس فقناة «الجزيرة» تُعتبر منظمة إرهابية أخطر من «القاعدة»، بحكم أنها الذراع الإعلامية لها، فهى التى ساهمت بالتعريف بـ«القاعدة» وروّجت لأفكارها ولعنفها وهى التى ساعدتها على القيام بعملياتها وهى التى بتناولها لمواضيع تخص «القاعدة» تنقل لها ما يدور من خطط واستراتيجيات، وبالتالى أصبحت «الجزيرة» تشتغل كعميل مزدوج.
إذن، لسائل أن يتساءل: كيف للتنظيم أن يضرب أو يحاول أن يضرب فى بلدان ليست بها قواعد أمريكية فى حين يتغافل عن بلد يحوى أكبر قاعدة بالمنطقة، وهو المتهم بالعمل ليس على ضرب المسلمين وإنما كذلك على تفكيك المنطقة وتحويلها إلى كنتونات؟!
 لقد سبق للمعارض القطرى «سعد محمد النعيمى»، صاحب كتاب «أمير قطر لاعب خارج الملعب - انتهازية محسوبة أم تبعية مقيدة»، منذ سنة 2003، أن دلل على وجود علاقة سرية بين قطر و«القاعدة»، حيث ذكر «النعيمى» أن الحراس الشخصيين لأمير قطر هم من الأفغان العرب الذين استقدمهم بنفسه ليستقوى بهم ضد أعدائه، ثم ليتجسس عليهم ويعرف أخبارهم ويلتقط توجهاتهم، ولهذا السبب رأى «النعيمى» أن حمد بن خليفة كان حريصاً على توطيد علاقته ببن لادن ومساعده أيمن الظواهرى، كما كان يوعز لقناة «الجزيرة» بضرورة إجراء مقابلات صحفية حية معهما حيث يقيمان، وقد تابعنا كيف أن «الجزيرة» كانت لها الانفرادية فى مقابلة بن لادن ومساعديه عديد المرات، والحال أن المخابرات الأمريكية قد عجزت، ظاهرياً، عن تحديد مكان وجوده، الشىء الذى يدفع بنا إلى إمكانية تورط أمريكا فى صناعة الإرهاب الإسلامى وحماية بن لادن، وعندما انتهت صلاحيته وقع التخلص منه شهر مايو 2011.
لم يكن «النعيمى» وحده الذى أقر وأكد حصول هذه العلاقة وكيف أن شر البلاء فى المنطقة العربية مردُّه قطر.
ففى سنة 2005 تناولت صحيفة «صنداى تايمز» فى عددها الصادر بتاريخ 1 مايو 2005 علاقة قطر ببن لادن، حيث أكدت أن دعماً مالياً كبيراً يُقدر بعشرات الملايين من الدولارات ما زال يقدم حتى الآن من إمارة قطر، يتم عبر وسطاء من رجال أعمال محسوبين على تيارات إسلامية أو رجال دين أصوليين مقربين من «القاعدة»، وذلك لتمويل عمليات «الزرقاوى» بالعراق، وأحياناً عبر تسهيل تحويلات مالية بذريعة التبرعات أو الزكاة.
وفق نفس المسئول، الذى صرح لـ«صنداى تايمز»، فإن «القاعدة» لم تشترط الدعم المالى والإعلامى فقط، بل كذلك استعداد قطر لاستضافة متشددين من التنظيم وتوفير الحماية لهم وعدم التعرض لهم، وكان المقابل هو استثناء قطر من أى عملية إرهابية، فتحولت قطر إلى مركز لجوء ومحطة ترانزيت لجماعات إسلامية مرتبطة بـ«القاعدة»، بحيث تحولت عملياً إلى ساحة خلفية للدعم اللوجستى وإيواء المتطرفين المطلوبين، وهذا ما ظهر فى إيواء «خالد الشيخ محمد» والعديد من رفاقه الأفغان فى مزرعة تابعة للشيخ «عبدالله بن خالد»، وزير الداخلية القطرى، فى أواخر التسعينيات.
 منذ سنة 2003 أبرمت قطر اتفاقاً مع «القاعدة» بشأن استثنائها من القيام بعمليات إرهابية داخلها مقابل دفع فدية مالية، وعندما تهاونت قطر فى تجديد هذا الاتفاق قامت «القاعدة» بعملية صغيرة بالإمارة الصغيرة مثلت «قرص أذن» وتذكيراً خفيفاً، حيث قام المصرى «عمر أحمد محمد على» سنة 2005 بتفجير سيارة مفخخة أمام أحد المسارح التى يرتادها أجانب بالدوحة فقُتل فيها مخرج سينمائى بريطانى وجُرح فيها حوالى اثني عشر آخرين، كانت رسالة واضحة لقطر لضرورة تذكيرها بالدعم المالى والإعلامى وعدم النكوص عن الاتفاق وإلا فإنها على مرمى حجر، فكان أن استجابت قطر فورياً، وذلك بتجديد الاتفاق وضخ المال من جديد وتحريك الآلة الإعلامية لتصبح «الجزيرة» ناطقاً رسمياً باسم القاعدة.
الانقلابات القطرية
هبت عاصفة يونيو ساخنة وتلبدت سماء الدوحة بالغبار والرمال الصحراوية.. حزم الشيخ خليفة آل ثان حقائبه قاصدا سويسرا هاربا من حرارة الصحراء إلى أجواء أوروبا المنعشة لكن نذير شؤم جسم على صدر الرجل فى ذلك اليوم.
قبل أن يصعد إلى سلم الطائرة انحنى ولده «حمد» وطبع على يد أبيه قبلة الوداع.. كان وداعا للأبد.
 كان حمد بن خليفة قد انتهى من خطته بالتعاون مع خاله «حمد بن جاسم» للانقلاب على أبيه والإطاحة به من فوق عرش قطر.
بعد أن حلقت طائرة الأب فى السماء بعيدا قطع التليفزيون القطرى إرساله وظهر حمد الابن ليعلن البيان رقم واحد  وحوله وجهاء الإمارة.. لقد أصبح الابن الحاكم الجديد لقطر بعد الانقلاب على أبيه.
غرر حمد بالوجهاء ودعاهم ليسلموا عليه فإذا بهم يفاجئون ببيان الانقلاب فظهر وحده يتحدث على شاشة التلفاز دون أن ينبث أحد فيهم ببنت شفه.. كان انقلابا تليفزيونيا أبيض.. بعدها اعتقل الابن 36  وجيها من المقربين لوالده وزج بهم فى غياهب سجن «بوهامور».. وتعلم كيف أن التلفاز يمكن أن يقلب مصير أمم ويعصف بعروش ويدمر الجيوش.
انتفضت الإمارات من هول ما حدث، وحرك الشيخ زايد جيشا من قبائل العيديد، وعزم على دك قطر بحرا وجوا وبرا لاسترداد ملك الأب المغدور من براثن الابن الغادر.. هنا تدخلت أمريكا وإسرائيل معلنتين حماية عرش الابن الحليف..  ليس هذا فقط بل كان على الشيخ زايد تسليم كل شيوخ قطر الفارين فكان لهم ما أرادوا.. كان  الخال حمد بن جاسم قد رتب كل شيء مع أصدقائه فى إسرائيل.. ووزعت الكعكة القطرية على كل من شارك فى الانقلاب الآثم.
لم يكن ذلك آخر حلقة فى سلسلة الانقلابات القطرية ولا أولها.. فالدويلة القطرية أنشئت بعد انقلاب قام به الشيخ قاسم بن محمد آل ثان على آل خليفة مشايخ البحرين، بعد أن دخل فى صراع مع الشيخ محمد بن خليفة انتهى بتوقيع حاكم البحرين معاهدة تحت الإكراه عام 1868 مع الكولونيل لويس بيلى، المقيم البريطانى فى الخليج، بعدها حدثت سلسلة من الانقلابات فى الأسرة المالكة وانقلب الشيخ خليفة «عسكريا» على الشيخ أحمد وقام بتوطيد حكمه وسلم مقاليد الدولة لأبنائه.. لم يكن خليفه يدرى أن الضربة ستأتيه من ولده البكر «حمد».. ولم يكن حمد يدرى أنه سينجو من محاولة ولده «جاسم» الانقلاب عليه فيما بعد.
فبعد أن مرت الأيام والسنون شب «جاسم بن حمد» وهو فى أحضان شيخ ماكر يعلمه تطويع نصوص الدين بحيث تتماشى مع السياسة القطرية، فلا بأس من وجود قاعدة أمريكية فى قطر، وإقامة علاقات مع إسرائيل إذا كانت المصلحة فى ذلك، فالضرورات تبيح المحظورات.
وعندما كبر جاسم نفر من شيخه يوسف القرضاوى وتيقن من أنه يدور فى فلك السلطان ويسير فى ذيل فرس الوالى، فذهب للارتماء فى أحضان شيوخ السلفية  وذهب لأبيه ووالدته صارخا فى وجهيهما.. لقد اتبعتما سبيل الشيطان وتحالفتما مع أوليائه.
شعرت «موزة» بالخطر فقررت الإطاحة بالابن المتمرد قبل أن تقع الدويلة فى قبضة يده ويحطم كل ما بنته فى السنوات السابقة، فأسندت ولاية العهد لولدها الصغير تميم.
صدر مرسوم بأن الشيخ جاسم تنازل عن ولاية العهد لأخيه تميم.. فتساءل القطريون ولماذا تميم، والأخ الذى يلى جاسم هو «مشعل».. كان مشعل تحت الإقامة الجبرية مع أمه ابنة الشيخ محمد بن أحمد آل ثان، ولم يتنازل الشيخ جاسم عن ولاية العهد لأخيه الأكبر «فهد».. كان فهد بدوره وضع تحت حراسة المخابرات بعد أن رفض جريمة الانقلاب على جده «خليفة».
استنفرت الأجهزة الأمنية القطرية ونزل الجيش فى شوارع الدوحة، واعتقل عددًا من المسلحين المناصرين لجاسم وإلقائه تحت الإقامة الجبرية.. وتبقى تحت الرماد القطرية وميض نار يوشك قريبًا أن يكون له ضرام.
تميم ونقل السلطة
من واشنطن وباريس ولندن، بدأ الشيخ حمد بن خليفة آل الثانى أمير قطر السابق الذى انقلب على والده عام 1995، يتحسس أصداء خطته لنقل السلطة إلى ولى عهده، نجله الشيخ تميم بن حمد الثانى عام 2013، بعد أن توافق عليها مع كبرى الدول الغربية، بحجة اعتلال صحته وسعيه لتجديد دماء الحكم.
إلا أنه وبخلاف المعلن، ووفقاً لتفاصيل الخطة التى بدأت تسريباتها تنشر على صدر كبرى الصحف الغربية، كلوفيجارو ولوبان الفرنسيتين، وديلى تليجراف والإيكونوميست البريطانيتين والواشنطن بوست الأمريكية، قبل موعد التنفيذ فى يونيو 2013، فنقل السلطة جاء بالأساس لمواجهة نفوذ رئيس الوزراء القطرى السابق حمد بن جاسم، وإفشال أى مخطط للانقلاب على الأمير المريض، وتحقيق حلم السيدة الأولى أنذاك، الشيخة موزة بنت ناصر المسند، بتوريث نجلها السلطة، وهم على قيد الحياة.
فموزة، المتحكم الأول فى السياسات القطرية طوال السنوات الأخيرة الماضية، بحسب مراقبين غربيين، رأت ضرورة الإسراع فى عملية توريث نجلها وزوجها على قيد الحياة، لحمايتهم من «أجنحة أخرى للعائلة المالكة»، معترضة على حكم حمد، وهو السيناريو الذى حمل فى طياته بصمات «انقلاب قصر أبيض»، هدف تحجيم رئيس الوزراء الذى تعاظم نفوذه لدرجة ربما تهدد نقل السلطة، خاصة وأن تميم تولى منصبه فى 5 أغسطس 2003 فى ظروف غامضة، بعد أن تنازل له أخوه الأكبر جاسم ابن الزوجة الأولى لحمد، الشيخة مريم بنت محمد بن حمد آل ثان.
ولم تمر أسابيع، على توليه الحكم، وعلى ارتداء تميم الذى لم يتجاوز عمره الثالثة والأربعين، عباءته ربط عقاله فى عجالة، وسار متتبعاً السياسات نفسها، التى انتهجها والده، بدعم الإخوان والجماعات المتطرفة هنا وهناك، والسماح لذراعه الإعلامية «قناة الجزيرة» بالتدخل فى شئون دول الجوار، دون الاهتمام بما إذا كانت تلك الدولة على حق أم لا، فقط الاهتمام بحصد نفوذ أكبر للسيطرة على تلك الدول من وراء الستار.
فكانت النتيجة أن بدأت دول السعودية والإمارات والبحرين فى محاصرة الأمير الصغير، والضغط عليه فى خطوة أولى تمثلت فى سحب السفراء، وسط توقعات بمزيد من الإجراءات العقابية حال استمراره فى نشر الفتن فى الدول العربية.
موزة بنت ناصر المسند
كانت صبية يافعة عندما رأت والدها ناصر المسند يتعرض للاضطهاد والمنفى.. اكتوى قلبها باللهيب وعزمت على الثأر من الفاعل.. إنه خليفة آل ثان حاكم قطر المخلوع من قبل ولده «حمد».
كان ناصر المسند واحدا من أعيان قطر، معارضاً لحكم آل خليفة، تكبد والدها ناصر المسند، بسبب دفاعه عن حقوق أهل قطر، التضييق والسجن، واضطر إلى اختيار المنفى الاضطرارى عام 1964 متوجهاً إلى الكويت يصحبه آلاف القطريين المعارضين.
اعتقلته القوات القطرية سنة 1963 وبقى فى السجن حتى عام 1964، بعد أن توفى رفيقه «حمد العطية» فى السجن، ثم أُطلق سراحه، واختار المنفى، فهاجر نحو الكويت، ما اضطر قبيلة «المهاندة» وأهل «الخور» و«الذخيرة» إلى الهجرة مع ناصر المسند إلى الكويت عام 1964 بعد التضييقات الكبيرة التى تعرض لها.
ظل «ناصر» يناضل من الكويت، ويحث أتباعه على عدم التراجع عن مطالبهم، مما أقلق راحة النظام القطرى، أمام عدم انكسار شوكته، فبحث خليفة عن مصالحة شاملة وراديكالية فكانت  المصالحة بالمصاهرة على طريقة شيوخ العرب الأقحاح.
زفت موزة للوريث، ربما دار فى مخيلتها أنها ستكون الحاكمة بأمرها فى قطر، سترسم سياسة جديدة براجماتية، قائمة أحياناً على النفعية المباشرة وأحياناً أخرى على الانتهازية المقيتة. امرأة لا ترحم أعداءها، تعرف كيف تفتك بهم وتقتنص الفرص.
تحولت موزة، ضحية الصفقة المالية والسياسية بين أبيها والحاكم السابق «خليفة»، لجلاد ليس للقطريين فقط بل للأمة العربية بأسرها.
دقت «موزة» المسمار الأخير فى نعش عدو أبيها القديم «خليفة» وأطاحت به للأبد.. كانت المعادلة لا تمنحها أكثر من مجرد زوجة ثانية للشيخ الصغير «حمد بن خليفة» الذى ارتبط ببنات عمومته من قبل، كانت متعطشة للسلطة وللسلطان.
لم يكن الشيخ خليفة نفسه يتوقع أن تتطور المصالحة إلى درجة تصبح فيها الصفقة «موزة» هى الحاكم الفعلى فى قطر، والعقل المدبر لعملية انقلاب أطاح بالشيخ الأب «خليفة»، بل وأطاح فيما بعد بأولاد زوجها «حمد» من زوجته الأولى مريم بنت محمد آل ثان.
باتت الأقرب إلى قلب زوجها وأكثرهن فطنة وحيلة من بين زوجاته، حيث نجحت فى تأليب «حمد» الطامح بخلافة والده، وعملت على إيقاظ نار السلطة والنفوذ فيه، وأن يسبق أبناء عمومته، الذين بدأت شوكتهم فى التعاظم، فحركت فيه غرائز السلطة فهمّ بالإسراع للاستيلاء على الحكم من أبيه، خاصة أنه نما إلى علمه بأن والده يحضر لدعوة أخيه من الخارج لتسليمه مقاليد السلطة.
استطاع ناصر المسند الانتقام من الشيخ خليفة وجعله يعيش بدوره فى الشتات، لقد كانت ضربة مدوية لعبت فيها الشيخة موزة وزوجها «حمد» دوراً حاسماً، فليس أكثر جرحاً وإيلاماً من عقوق الوالدين، كعادة جل المخططين البارعين يديرون كل شىء من وراء الستائر، تمسك الشيخة موزة فقط بخيوط الماريونت توجهها أينما تشاء ووقتما تشاء.
بعد نجاح «موزة» فى تثبيت زوجها «حمد» فى الحكم، تستمر للمرحلة التالية وهى تنصيب ابنها «جاسم» ولياً للعهد، وذلك بإيغال صدر «حمد» على ابنه «مشعل» من الزوجة الأولى، لقد كان لموقع الشيخة موزة فى القصر أن مكنها من الاطلاع بالاهتمام الكبير الذى يوليه الجد «خليفة» بحفيده مشعل، وهو ابن من الزوجة الأولى لـ«حمد»، على اعتباره الحاكم القادم، خصوصاً أن زوجها «حمد» مصاب بقصور كلوى مما يقلل من فرص التوريث الذى تسعى إليه الشيخة موزة، فكان لزاماً عليها المسارعة بالتخطيط والتنفيذ قبل حصول أى مكروه لزوجها فتضيع بذلك الفرصة من يدها إلى الأبد، ولن يصير لها أن تصبح كاهنة أو حاكمة.
لكى يبعدوا «مشعل» عن ولاية العهد، وقع الاهتداء إلى نعته بالمختل حتى يثبتوا عدم أهليته للحكم، كان لزاماً على «حمد» أن يحسم الأمر فى تنصيب ابنه «جاسم»، لم يمنع إقصاء ولى العهد «مشعل» من إمكانية الحكم وتنصيب ابنها «جاسم» مكانه من أن يحد من تثبيت مركزها داخل البلاط الأميرى، فعملت «موزة» على تقوية علاقاتها فى أوساط الأسرة الحاكمة حتى تضمن المشيخة لابنها.
فتحت موزة نافذة على واشنطن لتبارك هذا الاختيار وتزكيه وتدعم ابنها الصغير فى أول زيارة قام بها إلى أمريكا بعد أن تولى ولاية العهد، قيل يومها إن الشيخة تحاول أن تقدم نفسها كشيخة خليجية متحررة تخرج دون محرم ولا تضع العباءة والنقاب، وهى مثال للمرأة التى يمكن أن تكون صديقاً وفياً للأمريكان والفرنسيين.
سريعاً ما جاء الرد الأمريكى جريئاً ومشجعاً أمام حزمة من الامتيازات التى لم يقدر الأمريكان على رفضها، قدمت وزوجها قاعدة عسكرية دائمة ومطاراً وخدمات لوجستية فى الخليج لم يكن الأمريكان ليحلموا بها.
حمد بن جاسم
لم تكن الشيخة موزة لتحكم قطر وتتخلص من خصومها دون هذا الرجل.. حمد بن جاسم بن جبر آل ثان، رئيس الوزراء، وزير الخارجية آنذاك.
ولد «حمد» سنة 1959 فى قطر، ودرس فى لبنان، ولإتقان اللغة الإنجليزية ذهب إلى بريطانيا، بدأ مسيرته المهنية فى الحكومة موظفاً إدارياً عند عمه.
كان بعيداً كل البعد عن العمل السياسى إلى سنة 1992، رغم أنه خال الأمير، وقد وجد فيه حليفاً استراتيجياً بعد انقلابه على والده سنة 1995.
يمتلك «حمد» عقارات بداخل قطر وخارجها، تمتد ممتلكاته من فندق فورسيزنز الفاخر إلى الخطوط القطرية السريعة النمو. كما يترأس مجالس إدارات شركات ومؤسسات ضخمة كـ«هيئة الاستثمار الخارجى» و«شركة الديار القطرية للاستثمار العقارى»... فكون ثروات طائلة.
 كشفت صحيفة «التايمز» اللندنية عن أنه أنفق 100 مليون جنيه إسترلينى على شراء شقة هى الأغلى من نوعها فى لندن تطل على حديقة الهايد بارك، مجهزة بجدران ونوافذ مقاومة للرصاص، كما أن المبنى مزود بممر تحت الأرض متصل بفندق «الماندرين أورينتال» القريب، حيث تم تخصيص 36 موظفاً من موظفيه لخدمة المقيمين فى الشقق الفاخرة.
يجمع حمد بن جاسم بين الدهاء السياسى والنفوذ الاقتصادى، وهو، وفق أحد المسئولين الكبار فى الدولة، المالك الاقتصادى لقطر.
يوصف حمد بأنه مدمن على حيل السياسة، متناقض فى السلوك.. يزور إسرائيل فى يوم، و«نصر الله» فى يوم آخر، ويلتقى «ليفنى» ويستقبل أعضاء «حماس». ويرى السعودية والكويت والإمارات ولايات تابعة لقطر.
فى بعض دول الخليج لا تبدو الخطوط واضحة بين ثروة الدولة وثروات العائلة الحاكمة، فالشيخ حمد يرأس ويدير الاستراتيجية الاستثمارية لـ«هيئة الاستثمار القطرية»، لكنه كثيراً ما يستثمر أمواله الخاصة فى صفقات الهيئة نفسها، فمثلاً صفقة الاستثمار فى بنك «باركليز» ثانى أكبر بنوك بريطانيا ضمت أيضاً جزءاً من أمواله الخاصة.
يسعى حمد بن جاسم إلى ضم الوزراء الفاسدين الهاربين من بلدانهم الذين استنجد بخبرتهم فى سرقة المال العام والتربح من مناصبهم، توّجها بانضمام وزير الصناعة والتجارة المصرى الهارب «رشيد محمد رشيد» إلى قائمة مستشاريه، للوزير المستشار علاقة وطيدة بالأسرة الحاكمة هناك، نظراً للشراكة التى جمعتهما فى عدة مشروعات استثمارية قبل أن يصبح  وزيراً فى حكومة «أحمد نظيف» المخلوعة.
عرف حمد بن جاسم بإدارة الصفقات المشبوهة، فكان أن تورط فى صفقات أسلحة عن طريق إحدى الشركات التى تدير ثلاثة من حساباته بجزيرة «جيرسى» وهى من جزر الأوفشر، حيث تلقت الحسابات الثلاثة ما يزيد على 200 مليون جنيه إسترلينى على هيئة رشاوى شركات أسلحة مقابل عقود سخية من قطر كمشتريات طائرة «هاوك» المقاتلة البريطانية.
أمام المحكمة ذكر حمد بن جاسم أن أمير قطر كان على علم بالعمولات، وأن الأمر لم يتعارض مع موقعه كوزير خارجية، لأنه كان يدير تجارة خاصة به كرد على اعتبار المدعى العام «ويليام بيلهاشى» تآمرَ شركة Standrd Chartred Grindlays Trust Corportion Limited التى تشرف على ثلاثة حسابات، نيابة عن الشيخ حمد لتضليل المحكمة بإخفاء معلومات مهمة عنها.
لقد سبّب اعتراف حمد بن جاسم إحراجاً كبيراً للعائلة الحاكمة، لأنه كشف بكل صفقاته ما يدور داخل العائلة الحاكمة الغارقة فى الصفقات المشبوهة والرشاوى المتعددة الجنسيات.
حاول «حمد» ممارسة ضغوط خارجية من أجل منع نشر وثائق تتعلق بهذه القضية إلا أنه خسرها، فى حين مورست ضغوط داخل قطر من أجل عدم تناول الإعلام لهذه القضية التى يعتقد أنه تورط فيها أكثر من طرف من العائلة الحاكمة بقطر، ولإيقاف التتبعات قام حمد بن جاسم بدفع قرابة 6 ملايين دولار لخزينة جزيرة «جيرسى» تعويضاً للضرر نظير «الغش والتلاعب بالنظام المالى الصارم فى البلاد».
يُجمع العديد من الملمين بالشأن القطرى الداخلى على أن حمد بن جاسم هو الرجل القوى الذى يملك مفاتيح عديدة، وهو الذى يخيف أمير البلاد لسطوته ونفوذه المالى، فـ«حمد» استفرد بوزارة الشئون الخارجية، وهو الذى يرسم السياسة الخارجية للبلاد، وهو الذى يربط العلاقات ويوطدها فى تناسق مع مصالح امبراطوريته المالية.
فى المحاولة الانقلابية سنة 2009، ألقى القبض على ثلاثين من الضباط السامين فى الجيش القطرى، الذى لا يتجاوز عدده 11 ألف جندى، كما وضع العديد من أفراد العائلة الحاكمة تحت الإقامة الجبرية، لكن العقل المدبر لهذه المحاولة، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثان، لم يكن فى حاجة إلى تقديم استقالته، فالأمير عفا عنه دون مرسوم، بعد أن تأكد له الموقع الاستراتيجى والحساس الذى يشغله المتمرد، الذى قويت امبراطوريته المالية والسياسية، فالعديد من المؤسسات القطرية تأتمر بأوامر مباشرة من حمد بن جاسم الملم بأسرار الملفات الاقتصادية وتورطه اقتصادياً ومالياً فى أسهم العديد من المشاريع والمؤسسات الاقتصادية، والتى جعلت منه أحد الأثرياء النافذين فى البلد، هذه الأسباب وغيرها هى التى حالت دون الإلقاء به فى السجن مثل بقية أكباش الفداء.
ساهم تدخله السافر فى قلب خارطة الوطن العربى، والعمل على إعادة بعث نظام عربى جديد منقسم ومجزأ تحت علّة إزاحة الديكتاتوريات ونشر الديمقراطية.
قطر وإسرائيل
لا يوجد تناقض مطلقًا بين دعم قطر للإخوان وبين مساعداتها المالية لإسرائيل، فالهدف واحد وهو تخريب المنطقة العربية.
العلاقات القطرية الإسرائيلية قديمة بدأت بعد مؤتمر مدريد وكان أول لقاء قطرى إسرائيلى مع رئيس الحكومة الإسرائيلى وقتها شمعون بيريز بعد زيارته لقطر عام 1996 وافتتاحه المكتب التجارى الإسرائيلى فى الدوحة، وتوقيع اتفاقيات بيع الغاز القطرى لإسرائيل، ثم إنشاء بورصة الغاز القطرية فى تل أبيب.
ويبدو أمام الشعوب العربية قطران‏، الأولى التى تنقل قناة الجزيرة تصريحا لوزير خارجيتها يحذر إسرائيل من أن الاستيطان يقوض عملية السلام‏،‏ والأخرى التى ترى أميرها قبل هذا التحذير بأسبوعين وهو فى زيارة لإسرائيل يتفقد سير العمل فى بناء 20 مستوطنة إسرائيلية بأموال قطرية.
 قطر الأخرى دولة الكرم المعطاءة التى تثبت للجميع وللإسلام عطاءها وتقدم 6 ملايين دولار لبناء استاد الدوحة البلدى فى إسرائيل، وتضخ استثمارات بملايين أخرى من الدولارات فى مستشفى «حداسه» داخل إسرائيل، طبقا لأخبار نقلتها تقارير صحافية.
وبينما كان المال القطرى يتدفق إلى داخل إسرائيل لتوفير السكن والعلاج والرفاهية، كان هناك من يتساءل عن بن إليعازر وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق، ومجرم الحرب، الذى قتل آلاف الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية، ماذا كان يفعل فى قطر؟ تعليقا على صورة لـبن إليعازر وهو وسط شباب ومسئولين قطريين.
والنسخة الأخرى من قطر هى التى تقول صحيفة «كالكست» الإسرائيلية بأن حمد بن جاسم رئيس وزرائها السابق هو الذى يشرف شخصيا على التعاون الإلكترونى مع إسرائيل، لأن أميرها السابق مهتم بتشجيع شركات التكنولوجيا الإسرائيلية لتصدير تقنياتها المتطورة إلى بلاده، وحريص على زيارة إسرائيل لتعزيز العلاقات الاقتصادية فى مجال صناعة التكنولوجيا.
وحكاية قطر مع إسرائيل قديمة وتفاصيلها كثيرة أولها عام 2012 حين صوتت بلا حتى لا تكون فلسطين دولة مراقب فى الأمم المتحدة، بينما أميرها كان يدفع مليارات لبناء مستوطنات جديدة فى إسرائيل.
وبينما تنقل قناة الجزيرة تحقيقا عن صحيفة إسرائيلية يقول: إن «قطر هى عدو إسرائيل اللدود». وفى نفس العام أيضا يقول رئيس وزرائها إن «اجتماعاتنا مضيعة للمال وللوقت، وإسرائيل ليست ذئبا ولكن أغلب الدول العربية أصبحت نعاجا!»، بينما الأمير القطرى هناك فى نيويورك فى صحبة أعضاء فى منظمة «إيباك»، وهى أقوى جماعات الضغط على الكونجرس الأمريكى وتلعب دورا بارزا فى تحقيق الدعم الأمريكى لإسرائيل.
وفى نفس العام ينقل مغردون عن صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن «البنتاجون تبنى محطة رادار للدفاع الصاروخى فى موقع سرى بقطر لتهدئة إسرائيل وردع إيران».
وفى أغسطس 2011 كشفت وثائق ويكيليكس أن «وزير الخارجية القطرى حمد بن جاسم أبلغ إسرائيل أن الدوحة تتبنى خطة لضرب استقرار مصر بعنف، واللعب بمشاعر المصريين لإحداث الفوضى عن طريق قناة الجزيرة باعتبارها عنصرا محوريا فى الخطة، ثم بعد ذلك بشهر واحد وبعد نهاية العدوان الإسرائيلى على غزة مباشرة، يقوم أمير قطر ووزير خارجيته بزيارة إسرائيل ويلتقيان بـ(تسييى ليفني) زعيمة حزب (كاديما) الإسرئيلى وقتها وإحدى الشخصيات المؤثرة فى القرار الإسرائيلى وفى أمور أخرى كثيرة! وفى نفس العام أيضا قطر تعتزم ضخ الغاز الطبيعى بدلا من مصر إلى إسرائيل، وبأسعار أقل»، وهذه هى قطر.. بل القطران.