هل كتب على إخواننا من الأقباط أن يكونوا دائما وقود المعركة مع الإرهاب، هل كتب على المسيح أن يصلب كل يوم، على أجساد الأطهار من أبنائنا في بلاد الغربة، أو داخل الوطن، هل لهذه المأساة من نهاية؟ كل تلك الأسئلة مرت بذهنى وأنا أطالع نبأ قتل إرهابيي داعش لنحو 21 قبطياً مصريا يعملون في ليبيا.
عشرات الآلاف من المصريين، أعيتهم الحيلة في الرزق، فهربوا من جحيم الأوضاع الاجتماعية المتردية، التي نتجت عن الأربع سنوات الأخيرة والتي أعقبت ٢٥ يناير، للعمل في بلاد تموج بالفوضى، من أجل لقمة العيش. لكن التنظيم الملعون «داعش» لم يختر منهم سوى الأقباط، دم جديد يسال على مذبح المسيح، عليه السلام، كل يوم.
الغريب أنه رغم كل تلك الضغوط التي يتعرض لها الأقباط إلا أن مصريتهم كانت ولم تزل أقوى من كل تلك الضغوط، جرب معهم إرهابيو الجماعة الإسلامية طوال نصف قرن منذ بداية السبعينيات وحتى منتصف الألفية الثالثة، مئات الحوادث التي طالتهم في بيوتهم، ودور عبادتهم، وقراهم، في محاولة للضغط على حكومات مبارك المتعاقبة، منذ حادث الخانكة عام ١٩٧٢ وحتى حوادث ما بعد ٢٥ يناير ٢٠١١.
لقد بدأت مأساة الأقباط الحقيقية -من وجهة نظرى- مع بداية حكم الرئيس الراحل أنور السادات، الذي استهله بالتصالح الشهير مع جماعة الإخوان المسلمين، والقطيعة الكبرى مع رجال ورموز واستراتيجيات وأفكار الحقبة الناصرية، لم يختلف الأمر كثيرا في عصر الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، عندما ارتفعت موجة العنف لتطالهم على كل شبر في أرض مصر، واتخذتهم الجماعة الإسلامية رهينة لإجبار النظام على الرضوخ لطلباتهم، حتى وصل الأمر إلى حد تطبيق الحدود من جلد وقتل عليهم في مساجد الجماعة بصعيد مصر، على مرأى ومسمع من أجهزة الدولة المختلفة.
وشهدت تلك الفترة، مقتل أكثر من مائة قبطى في حوادث متفرقة في المنيا وأسيوط وبنى سويف وسوهاج وقنا والإسكندرية، واكتفى النظام، إبانها بحفلات تقبيل الرءوس بين الشيوخ والقساوسة دون اتخاذ أي تحرك يعيد لهؤلاء المواطنين المصريين حقوقهم المسلوبة داخل وطنهم.
دير المحرق ودميانة وعزبة الأقباط وعزبة داود والتمساحية، كل هذه الأسماء السابق الإشارة إليها قرى وأديرة شهدت مذابح بشعة ضد الأقباط بين عامى ١٩٩٤ و١٩٩٧، راح ضحيتها العشرات ما بين قتيل وجريح ومهجر، وفى الوقت الذي انتصر فيه قانون الغاب، لم يقدم متهم واحد إلى العدالة، بدعوى عدم تأجيج الصراع، والاكتفاء بإجراءات الصلح العرفية.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تركت فتياتهم القاصرات لراغبى المتعة من كوادر الجماعات الملعونة، لكى تنهش في عرضهم، دون رادع، بدعوى الزواج، ولم يتوقف أحد ليسأل: كيف يسمح لقاصر أن تتزوج دون وليها، لمجرد أنها مسيحية؟ وكيف يسمح القانون في مصر، بتعيين وصى على تلك القاصر بخلاف أهلها للسماح لها بتغيير الديانة، وماذا لو تم هذا مع فتاة مسلمة؟ إنه قتل للروح، قبل الجسد، وتدمير للنفس قبل البدن، وإذلال للذات قبل الفرد، فماذا فعل الأقباط؟ لقد ضربوا المثل في التمسك بثوابت الوطنية المصرية، لم يسمحوا لأحد بالتدخل لتحريف المشكلة عن مسارها الطبيعى، والحديث عن اضطهاد منظم من قبل الدولة لفئة من مواطنيها، يمكن أن يشكل جريمة دولية.
في العديسات بالأقصر والعياط بالجيزة ومنقطين بسمالوط ومدن أخرى عديدة في ربوع مصر المحروسة راح مسلمون عاديون، لم يكونوا يوما أعضاء في أي جماعة إرهابية أو متطرفة، يحرقون كنائس يتعبد فيها الأقباط لسنوات، لا لشيء إلا لورود شائعة بأن الأقباط في طريقهم إلى ترميمها أو بناء جدرانها التي تهدمت دون إذن أو تصريح من الدولة، وللمرة المليون لم يقف أحد ليسأل، كيف تحول هؤلاء البسطاء من المسلمين إلى متطرفين، خاصة أن تلك الأفعال كانت، ولحقب عديدة مقصورة على فئة من الإرهابيين لهم مطالب سياسية معينة.. فماذا حدث؟
عندما حاولت بعض التنظيمات المشبوهة في أمريكا والغرب استغلال تلك الأحداث، وقف لها الوطنيون من أبناء مصر الأقباط في الداخل، مؤكدين أن مشكلاتهم تخصهم وحدهم، ومناقشتها يجب أن تأتى على أرضية الداخل أيضا.
وبعيدا عن كل تلك الأسئلة، فما يحير الناس في بلادى، لماذا الأقباط بالذات، وأظن أنهم يفهمون أكثر من غيرهم، خاصة قادة الكنيسة الوطنية السبب وراء ذلك، وبوضوح أقول إن هناك جهات مشبوهة من أطراف المؤامرة على مصر، يسعون للضغط على الحكومة لكى ترسل جيشنا إلى ليبيا، هي محاولة مفضوحة لجرنا لحرب برية مع تنظيمات تجيد حرب الشوارع والتفجيرات، لكى يتم تقطيع أوصال جنودنا، بعيدا عن أرض المعركة الرئيسية، وهى حماية الأمن القومى للبلاد وحدود الدولة المصرية. تحاول أطراف تلك المؤامرة، أن تحقق ما عجزت عن تحقيقه طوال السنوات السابقة، ولكن بطريقة مختلفة.
طوبى للغرباء إذن وطوبى للمضطهدين وطوبى للصابرين، وطوبى لكم يا إخوتى، ولا تحسبن أبناءكم الذين قتلوا في الداخل أو الخارج أمواتا، بل أحياء في قلوبنا إلى يوم يبعثون، وإلى أن نسترد عافيتنا ونأخذ بثأرهم وثأرنا، أقولها لكم أيها الأمهات والآباء والزوجات: أناديكم أشد على أياديكم أبوس الأرض تحت نعالكم، وأقول أفديكم.
إن هناك جهات مشبوهة من أطراف المؤامرة على مصر، يسعون للضغط على الحكومة لكى ترسل جيشنا إلى ليبيا، هي محاولة مفضوحة لجرنا لحرب برية مع تنظيمات تجيد حرب الشوارع والتفجيرات، لكى يتم تقطيع أوصال جنودنا، بعيدا عن أرض المعركة الرئيسية.