يتهمنى البعض من متابعى ما أكتب أو أشارك فى منتديات الحوار واشتباكات العالم الافتراضى، أننى متفائل بزيادة، وأقر بأن هذا صحيح، لكنه تفاؤل يستند إلى إيمان بإمكانات وطن متفرد رغم الأنواء، اكتشفته عندما استغرقنى تاريخه على امتداده، وأدركت فيه ومنه مدلول "عبقرية المكان"، وفى يقينى أن لحظة اكتشاف إمكاناتنا اقتربت من أبوابنا، لنجدنا بعدها نسير فى مسارات الدول التى سبقتنا إلى التنمية والتطور، واستردت قيمة الإنسان فاستردت قيمة أوطانها، وهى لا تملك ما نملكه من حضارة ومعطيات جغرافية وتاريخية وخبرات تشكلت رقائقها عبر الزمن، وإن تعرضت لأنواء عديدة بفعل المغامرات السياسية لمن تعاقبوا على قيادة وطننا لقرن من الزمان.
ما زالت ذاكرتى تحتفظ بحكاية سمعتها وأنا بعد طفل صغير؛ كانت تحكى عن مدينة صغيرة أصابها الجفاف لامتناع المطر، فاجتمع أهلها على اختلاف أديانهم ومواقعهم الاجتماعية ليتضرعوا إلى الله أن يمن عليهم بالمطر، وفى الطريق إلى موقع الصلاة كان رجلاً يصطحب طفله الصغير، فإذا بالطفل يسأل أباه، لماذا لم نأخذ معنا المظلة "الشمسية"، فرد الأب فى استغراب وما حاجتنا لها؟، فجاءت كلمات الصغير ألسنا ذاهبون لطلب المطر من الله، ونثق فى قدرته واستجابته، فكيف سنعود وسط الأمطار؟.
نحن نثق فى وطننا ونثق فى قدراتنا ونثق فى اجتماع إراداتنا على استعادة ما كان لنا من تفرد وتميز، ونثق أننا قادرون على الخروج من نفق طال، فماذا أعددنا؟، جزء من معوقات الخروج أننا نتحدث عن المستقبل بينما تخايلنا إحباطات تجاربنا الغاربة، وتسرى بين كثيرين روح فشل وإحباط، بعضها لطول إخفاقات الأنظمة التى توالت علينا، وجزء بفعل المتربصين بنا والساعين لتوقيف كل محاولات الخروج إلى النهار، فى مشهد عبر عنه سليمان الحكيم فى أمثاله التوراتية "قال الكسلان الأسد في الطريق الشبل في الشوارع، الباب يدور على صائره والكسلان على فراشه، الكسلان يخفي يده في الصحفة ويشق عليه أن يردها إلى فمه"، الخطر الحقيقى أن تسيطر هذه الروح على الشباب، الذى هو "أكثر من نصف الحاضر وكل المستقبل" بحسب توصيف الكاتب المبدع الراحل أحمد بهاء الدين. فماذا نحن فاعلون؟.
ظنى أن الأمر يحتاج بداية إلى مصالحة جيلية، بين شباب تحاصره إخفاقات وضغوط وتكوين ملتبس بفعل تعليم فاسد وإعلام فقد فى كثيره بوصلته، وثقافة انقلبت إلى أدوات تجريف لمنظومة قيمه، ومعرفة غابت عن عقله الجمعى، وبين جيل الكبار الذين تملكتهم حالة من عدم الثقة فى الشباب، دعمها التسارع الذى أربك معطيات جيل الكبار وانتقل به بغتة من رتابة علاقات الثورة الصناعية إلى قفزات ثورة الاتصالات والمعلومات، مثالها فى الحياة اليومية، الانتقال المفاجئ من أغنيات الطرب التى تمتد إلى الساعة ويزيد إلى أغنيات الراب والإيقاع السريع الذى يختزل الإغنية إلى دقائق لا تكاد تتخطى حاجز الخمس دقائق، ومن الكتاب الورقى التقليدى إلى صفحات الإنترنت، ومن دفتر اليومية الممتد بطول المكتب إلى التوقيع الإلكترونى، والمؤتمرات الدولية عابرة القارات عبر أجهزة الكمبيوتر، والتواصل الإلكترونى.
باتت المصالحة الجيلية مطلبا ملحاً يتجاوز دائرة الينبغيات المحصورة فى إطارها الأخلاقى وحسب، وهو ما انتبهت إليه البلاد التى سبقتنا، وكانت تماثلنا فى أزماتها وإشكالياتها، ليس فى الغرب البعيد لكن فى الشرق القريب، الصين والهند وسنغافورة وكوريا وغيرها، وعلينا أن نقرأ تجاربها بعناية وانتباه، وسنكتشف فيها كلمة السر التى فتحت لها أبواب التقدم والانطلاق "التسامح والتعايش" رغم أنها تعج بالعرقيات والأجناس والأديان والمعتقدات، وبعضها لا يتمتع بوفرة المواد الخام أو الموارد الطبيعية التى يمكن أن تقوم عليها صناعة تؤسس لاقتصاد قوى، لكنها اكتشفت قدرات الإنسان فانطقلت به ومنه إلى التحقق ومزاحمة اقتصادات الدول الكبرى.
ولكن لا يتصور انطلاقاً فى ظل منظومة قوانين متشابكة وفى بعضها متناقضة، صارت تشكل حالة أخطوبوطية، جعلت الخوف من العقاب هو عنوان الدولاب الحكومى والمجال الاقتصادى، فكدنا نتوقف ونتجمد، وصار من المحتم أن نقتحم هذا الصندوق المسحور نفككه ونثوره ونؤسس عليه لنهضة حقيقية، ولدينا جيل من الفقهاء الدستوريين من شباب القضاة والمستشارين قدر لى أن أقترب من بعضهم لديهم رؤى موضوعية وأبحاث أكاديمية تحتاج لاهتمام من دائرة اتخاذ القرار لتفعيل دراساتهم التى تمتد من العدالة الانتقالية التى أقصيت بعيدا عن المشهد رغم أنها مطلب اللحظة، ووصولاً إلى دائرة المناخات الاقتصادية والاجتماعية، فالقانون هو عنوان ضبط حركة المجتمع ورسم خارطة مستقبله.
ويبقى فى تكلفة البناء إعادة قراءة واقعنا التعليمى والإعلامى والثقافى كل وفق قواعده الصحيحة بحسب خبرات وتجارب البلاد التى سبقتنا فيها، وهى التى تشكل العقل العام وتستطيع أن تعيد رسم التوجه الشعبى وترسخ فيه منطلقات التقدم، العمل والإنتاج والمهنية والجودة، وتعيد الاعتبار لقيمة الزمن، الذى نهدره فى غير عمل حقيقى وفى بطالة مقنّعة.
تكلفة البناء نوجزها فى المصالحة الجيلية واقتحام شبكة القوانين المفارقة لمتطلبات التنمية والتقدم والعاجزة عن تحقيق سلام اجتماعى يقوم على التسامح والتعايش، وإعادة هيكلة وبناء منظومات التعليم والإعلام والثقافة لحساب معرفة متصالحة مع العصر، لبناء دولة مدنية علمانية لا تحتمل المواربة أو الالتفاف على مطالبها ومحاورها.
ما زالت ذاكرتى تحتفظ بحكاية سمعتها وأنا بعد طفل صغير؛ كانت تحكى عن مدينة صغيرة أصابها الجفاف لامتناع المطر، فاجتمع أهلها على اختلاف أديانهم ومواقعهم الاجتماعية ليتضرعوا إلى الله أن يمن عليهم بالمطر، وفى الطريق إلى موقع الصلاة كان رجلاً يصطحب طفله الصغير، فإذا بالطفل يسأل أباه، لماذا لم نأخذ معنا المظلة "الشمسية"، فرد الأب فى استغراب وما حاجتنا لها؟، فجاءت كلمات الصغير ألسنا ذاهبون لطلب المطر من الله، ونثق فى قدرته واستجابته، فكيف سنعود وسط الأمطار؟.
نحن نثق فى وطننا ونثق فى قدراتنا ونثق فى اجتماع إراداتنا على استعادة ما كان لنا من تفرد وتميز، ونثق أننا قادرون على الخروج من نفق طال، فماذا أعددنا؟، جزء من معوقات الخروج أننا نتحدث عن المستقبل بينما تخايلنا إحباطات تجاربنا الغاربة، وتسرى بين كثيرين روح فشل وإحباط، بعضها لطول إخفاقات الأنظمة التى توالت علينا، وجزء بفعل المتربصين بنا والساعين لتوقيف كل محاولات الخروج إلى النهار، فى مشهد عبر عنه سليمان الحكيم فى أمثاله التوراتية "قال الكسلان الأسد في الطريق الشبل في الشوارع، الباب يدور على صائره والكسلان على فراشه، الكسلان يخفي يده في الصحفة ويشق عليه أن يردها إلى فمه"، الخطر الحقيقى أن تسيطر هذه الروح على الشباب، الذى هو "أكثر من نصف الحاضر وكل المستقبل" بحسب توصيف الكاتب المبدع الراحل أحمد بهاء الدين. فماذا نحن فاعلون؟.
ظنى أن الأمر يحتاج بداية إلى مصالحة جيلية، بين شباب تحاصره إخفاقات وضغوط وتكوين ملتبس بفعل تعليم فاسد وإعلام فقد فى كثيره بوصلته، وثقافة انقلبت إلى أدوات تجريف لمنظومة قيمه، ومعرفة غابت عن عقله الجمعى، وبين جيل الكبار الذين تملكتهم حالة من عدم الثقة فى الشباب، دعمها التسارع الذى أربك معطيات جيل الكبار وانتقل به بغتة من رتابة علاقات الثورة الصناعية إلى قفزات ثورة الاتصالات والمعلومات، مثالها فى الحياة اليومية، الانتقال المفاجئ من أغنيات الطرب التى تمتد إلى الساعة ويزيد إلى أغنيات الراب والإيقاع السريع الذى يختزل الإغنية إلى دقائق لا تكاد تتخطى حاجز الخمس دقائق، ومن الكتاب الورقى التقليدى إلى صفحات الإنترنت، ومن دفتر اليومية الممتد بطول المكتب إلى التوقيع الإلكترونى، والمؤتمرات الدولية عابرة القارات عبر أجهزة الكمبيوتر، والتواصل الإلكترونى.
باتت المصالحة الجيلية مطلبا ملحاً يتجاوز دائرة الينبغيات المحصورة فى إطارها الأخلاقى وحسب، وهو ما انتبهت إليه البلاد التى سبقتنا، وكانت تماثلنا فى أزماتها وإشكالياتها، ليس فى الغرب البعيد لكن فى الشرق القريب، الصين والهند وسنغافورة وكوريا وغيرها، وعلينا أن نقرأ تجاربها بعناية وانتباه، وسنكتشف فيها كلمة السر التى فتحت لها أبواب التقدم والانطلاق "التسامح والتعايش" رغم أنها تعج بالعرقيات والأجناس والأديان والمعتقدات، وبعضها لا يتمتع بوفرة المواد الخام أو الموارد الطبيعية التى يمكن أن تقوم عليها صناعة تؤسس لاقتصاد قوى، لكنها اكتشفت قدرات الإنسان فانطقلت به ومنه إلى التحقق ومزاحمة اقتصادات الدول الكبرى.
ولكن لا يتصور انطلاقاً فى ظل منظومة قوانين متشابكة وفى بعضها متناقضة، صارت تشكل حالة أخطوبوطية، جعلت الخوف من العقاب هو عنوان الدولاب الحكومى والمجال الاقتصادى، فكدنا نتوقف ونتجمد، وصار من المحتم أن نقتحم هذا الصندوق المسحور نفككه ونثوره ونؤسس عليه لنهضة حقيقية، ولدينا جيل من الفقهاء الدستوريين من شباب القضاة والمستشارين قدر لى أن أقترب من بعضهم لديهم رؤى موضوعية وأبحاث أكاديمية تحتاج لاهتمام من دائرة اتخاذ القرار لتفعيل دراساتهم التى تمتد من العدالة الانتقالية التى أقصيت بعيدا عن المشهد رغم أنها مطلب اللحظة، ووصولاً إلى دائرة المناخات الاقتصادية والاجتماعية، فالقانون هو عنوان ضبط حركة المجتمع ورسم خارطة مستقبله.
ويبقى فى تكلفة البناء إعادة قراءة واقعنا التعليمى والإعلامى والثقافى كل وفق قواعده الصحيحة بحسب خبرات وتجارب البلاد التى سبقتنا فيها، وهى التى تشكل العقل العام وتستطيع أن تعيد رسم التوجه الشعبى وترسخ فيه منطلقات التقدم، العمل والإنتاج والمهنية والجودة، وتعيد الاعتبار لقيمة الزمن، الذى نهدره فى غير عمل حقيقى وفى بطالة مقنّعة.
تكلفة البناء نوجزها فى المصالحة الجيلية واقتحام شبكة القوانين المفارقة لمتطلبات التنمية والتقدم والعاجزة عن تحقيق سلام اجتماعى يقوم على التسامح والتعايش، وإعادة هيكلة وبناء منظومات التعليم والإعلام والثقافة لحساب معرفة متصالحة مع العصر، لبناء دولة مدنية علمانية لا تحتمل المواربة أو الالتفاف على مطالبها ومحاورها.