الثلاثاء 02 يوليو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

جُبران خليل جُبران.. "أنا حيٌ مثلك"

جُبران خليل جُبران
جُبران خليل جُبران
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"ليست حقيقة الإنسان بما يُظهره لك، بل بما لا يستطيع أن يُظهره، لذلك إذا أردت أن تعرفه فلا تُصغ إلى ما يُقال"..
هكذا كانت رؤية الفيلسوف والشاعر والرسام اللبناني الأصل جُبران خليل جُبران، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة، وحصل على جنسيتها، ليُصبح واحدًا من أهم شُعراء المهجر في تاريخ الأدب العربي.
ولد جُبران في السادس من يناير عام 1883 في بلدة بشري شمال لبنان، والتي كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية، لعائلة مارونية فقيرة، كانت أمه كاميليا رحمة في الثلاثين من عُمرها عندما أنجبته من زواجها الثالث بـ"خليل جُبران"، الذي تزوجته بعد وفاة زوجها الأول والحكم ببُطلان زواجها الثاني، كان والده سكيرًا ومقامرًا، ولم يهتم بأبناءه جُبران وماريانا وسلطانه أو ابن زوجته بطرس، فلم يستطع جُبران الذهاب للمدرسة، ولكن كان كاهن القرية، الأب جرمانوس، يأتي للمنزل ويُعلمه الإنجيل واللغتين العربية والسريانية، وجاءت الفرصة للطفل البائس أن يتعلم مبادئ القراءة والكتابة من الطبيب الشاعر سليم الضاعر، ما فتح أمامه مجال المُطالعة، والتعرف إلى التاريخ والعلوم والآداب.
في الثامنة من عمره سُجن والده بتهمة الاختلاس، وفي 1895 قررت والدته الهجرة مع أولادها وأخيها إلى أمريكا، وتحديدًا إلى ولاية نيويورك، ولكن العائلة سكنت في بوسطن، دخل المدرسة، والتحق بفصل خاص للمُهاجرين لتعلم الإنجليزية، وعملت أمه خياطة متجولة، وفتح أخوه بطرس متجرًا صغيرًا، والتحق جبران أيضًا بمدرسة فنون قريبة من منزلهم، ولاحظت مُعلمة الرسم فلورنس بيرس موهبته فساعدته على تنميتها، وكان من حظه أن من ضمن أعضاء هذه المدرسة دجيسي بيل التي كتبت إلى صديقها المثقف الغني فريد هولاند داي، وهو الذي شجع جبران ودعمه لما رأى محاولاته الإبداعية، كان يُعيره الكتب التي أثّرت في توجيهه الفكري والفني، وقد استخدم فريد بعض رسومات جُبران لأغلفة الكتب التي نشرتها دار "كويلا أند داي".
ولكن في الخامسة عشرة عاد جبران مع عائلته إلى بيروت، ودرس في مدرسة إعدادية مارونية ومعهد تعليم عالٍ يُدعى الحكمة، هُناك بدأ مجلة أدبية طُلابية مع زميل دراسة، ثم انتُخب شاعر الكلية، وكان يقضي العطلة الصيفية في بلدته بشرّي ولكن بعيدًا عن والده الذي تجاهل مواهبه، فأقام مع ابن عمه، واستعاض عن تجاهل أبيه بعلاقته مع سليم الضاهر، وخاض علاقة الحب مع حلا الضاهر، التي استوحى منها قصته "الأجنحة المتكسرة"، وبقى في بيروت سنوات عدة قبل أن يُقرر العودة إلى بوسطن في مايو 1902، قبل عودته بأسبوعين توفيت أخته سلطانة بالسُلّ، وبعد عام توفي أخيه بنفس المرض، وتوفيت أمه بسبب السرطان، وتبقت أخته مارياناالتي اضطرت للعمل في محل خياطة.
كان جُبران سريع البديهة، وكان انغلاقه على نفسه طيلة سنوات الطفولة والمُراهقة قد جعله متواضعًا وطموحًا، ولكنه في الوقت نفسه كان أنانيًا فتجاهل الآم الفقد لدى أخته، وتابع حياته الاجتماعية وكأن شيئًا لم يكن، وكان شديد الرغبة بالشهرة ولو عن طريق الانتقاد، وفرح كثيرًا باتنقاد المنفلوطي لقصته "وردة الهاني"، وبعد أن تجاوز وفاة أمه كانت الكاتبة جوزفين بيبادي إلى جانبه، وقامت بتقديمه إلى مجتمع بوسطن، أحبها جُبران ولكن علاقتهما لم تنجح، ولكنها ألهمته كتابه "النبي" الذي اشتهر في العالم كله، وكان
آخر حب في حياته الشاعرة مي زيادة، وقد بقي يُراسلها دون أن يرى أحدهما الآخر، حتى بعثت له بصورتها ورسمها في إحدى لوحاته، ولم يفكر بالارتباط بها لتباعُد عالميهما، وانقطعت عنه لفترة بعد شعورها بالندم لتسرعها في مصارحته بمشاعرها.
تفاعل جُبران مع قضايا عصره، وكان من أهمها تبعية العرب للدولة العثمانية، والتي حاربها في كتبه ورسائله، وكان حريصًا على توضيح موقفه وأنه ليس ضِد الإسلام، بل ضد تسييس الدين سواء الإسلامي أو المسيحي، فكان في كتاباته اتجاهان، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على العقائد، والآخر يُحب الاستمتاع بالحياة النقية، وكان جو الحرية في أمريكا الذي نشأ فيه ساهم في إذكاء ثورته على التقاليد والنظم البالية في المجتمع الشرقي، وذلك عندما أحس بالتناقض بين جو الحرية الفكرية الاجتماعية السياسية في بوسطن وبيئته الشرقية، وكان واسع الثقافة فقرأ لشكسبير وبليك كيتس، وشلي، ونيتشه، وكانت في قصائده النثرية مُحاكاة لقصائد الشاعر الأمريكي والت ويتمان، وأثّر الانجيل في جُبران بشكل قوي، فخصّ المسيح بكتابه "يسوع ابن الإنسان" كما تأثر بالتصوف الشرقي الهندي، والمسيحي والإسلامي، وزادت قراءته في الأساطير اليونانية والكلدانية والمصرية، وأسس جُبران الرابطة القلمية مع ميخائيل نعيمة، وعبد المسيح حداد، ونسيب عريضة، وكانت فكرة الرابطة تجديد الأدب العربي، وإخراجه من المستنقع الآسن.
توفي جُبران خليل جُبران في نيويورك في العاشر من أبريل عام 1931، وهو في الثامنة والأربعين من عمره، وكان سبب الوفاة هو تليف الكبد والسُلّ، وأوصى بدفنه في لبنان، فانتقلت رفاته بعد عام إلى صومعته القديمة في لبنان، فيما عُرف لاحقًا باسم متحف جبران، وقد أوصى كذلك بكتابة هذه العبارة على قبره..
"أنا حيٌ مثلك، وأنا واقفٌ الآن إلى جانبك.. فاغمض عينيك والتفت.. تراني أمامك.. جُبران خليل جُبران"..