لولادة الأم وهي أسيرة، بعيدًا عن أهلها، وحرمانها حتى من تواجد زوجها بجوارها، له أثر نفسي سيئ عليها وعلى مولودها، الذي يتربى عامين كاملين داخل السجون.
"البوابة نيوز" التقت مع الدكتور رأفت حمدونة مدير مركز الأسرى للدراسات ضمن ملف تحت عنوان: "محل الميلاد.. زنزانة" عن ولادة الأسيرات داخل السجون ليجيب على عدة أسئلة تتعلق بنفسية الأسيرة وطفلها.
وإلى نص الحوار..
• في البداية كيف يتم التعامل مع الأسيرة الحامل داخل للسجون؟
تنتهك دولة الاحتلال وإدارة مصلحة السجون حق المرأة الفلسطينية الأسيرة، فيما تعد ممارستهم ضد كل الاتفاقيات الدولية التي تؤكد على حقوق المرأة واحترام خصوصيتها، إلا أن الاحتلال الإسرائيلى الذى اعتقل آلاف النساء والقاصرات في سجون سيئة تفتقر للشروط الحياتية وقتلت المئات من بينهما إعدامات ميدانية على مرأى الجميع بمبررات أمنية واهية، دون تحريك ساكن من العالم والمؤسسات المعنية لإنقاذها والدفاع عنها.
• وما هي صور تعنت الاحتلال ضد الأسيرات؟
إدارة السجون تنتهك الحقوق الإنسانية للمعتقلات كافة، وتقوم بإجراءات عقابية مشددة بحقهن، كالغرامات والعقابات ومنع الزيارات وإدخال الكتب، بالإضافة للتفتيشات المستمرة والأحكام الردعية، والاكتظاظ فى الغرف وقلة مواد التنظيف، ومنعهن من تقديم امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) والجامعات، والحرمان من زيارة الأهل وإدخال الملابس والاحتياجات الخاصة، فضلًا عن تقديم الطعام السيئ من حيث الوجبات التى لا تراعي وضعهن الصحى.
• هل تراعي أجهزة الأمن الإسرائيلية حالات الأسيرات؟
أجهزة الأمن الإسرائيلية لا تفرق في تعاملها بين رجل، وامرأة، وطفل، وكبير في السن، فيتم اعتقال المرأة الفلسطينية بظروف غير إنسانية، ويمارس بحقها الضرب والتنكيل والضغط النفسى والجسدى والتعذيب والتفتيش المهين والإهانة، وأحيانًا الإعدامات الميدانية كما حدث في انتفاضة القدس.
• ولماذا لا يتم اللجوء للمحاكم لرصد تلك الانتهاكات؟
المحاكم الإسرائيلية العسكرية تفتقر للشروط القانونية، وتعانى الأسيرات من الاكتظاظ الشديد ونقص الأسرّة، والغرف الضيقة غير الصحية المليئة بالحشرات، برطوبة عالية وقليلة التهوية، والمؤثرة على النظر والرؤية، ويتم نقل المعتقلات المريضات والجريحات عبر عربة "البوسطة" والتي تزيد من أوجاعهن، ويمارس بحقهن سياسة الاستهتار الطبى، وأحيانًا يتم وضعهن في أقسام قريبة من أقسام السجينات الجنائيات الإسرائيليات اللواتي يقمن بالاعتداء والتضييق عليهن.
• وكيف ترى الواقع النفسي لهذه الأسيرة خصوصًا في لحظات الولادة وسط التقيد والضرب والإهانة؟
كل الأسيرات المحررات تحدثن عن وضع نفسى صعب لحظة الولادة، فالأسيرة المحررة فاطمة الزق خاضت خلال الشهور الماضية "معركة الحفاظ على جنينها" الذي كانت قلقة عليه وبشدة، فقد أصيبت بنزيف خلال وجودها في زنزانة التحقيق، وحينما طلبت تحويلها للمستشفى قوبلت بالاستهزاء والسخرية من السجانين!
وقالت فاطمة: "لقد جاءت إلى إحدى السجانات ذات مرة بحبوب وقالت بإنها "مقدمة لي من عيادة السجن"، مع العلم أنني لم أطلب شيئًا ولا أعاني من شيء، ولما تأملت هذه الحبوب طبيبة من الأسيرات، أخبرتني بألا أتناولها لأنها مجهولة".
في مرة أخرى فوجئت باستدعائها على غير العادة إلى "فحص طبي" لم يكن "مبرمجًا" ضمن جدول "كشوفاتها الطبية"، ولتجد طبيبًا في العيادة يخبرها بأنه سيجري لها "فحص ماء الرأس للجنين" باستخدام "إبرة معدنية" تدخل من عنق الرحم".
ورفضت الفحص مبررةً ذلك بالقول: "لقد أنجبت ثمانية أطفال قبل طفلي الأخير، ولم أسمع عن هذا النوع من "الفحوصات"! كما أنني سألته عن نسبة نجاح الفحص فأجاب "1% فقط"!!، فوجئت بعدها بقوة من الحراس والسجانات تقتحم زنزانتي، وتطلب مني التوقيع على ورقة تفيد بأنني "أرفض التوجه إلى المستشفى في حال حدوث أي مضاعفات لي".
وتابعت فاطمة: "كان واضحًا أن التعهد "فخ لي" الهدف منه تبرئة الإسرائيليين من "أمر ما" يحضرونه، فقلت إنني أرفض فقط هذا الفحص"، وطلبت حضور ممثلة الأسرى التي تأكدت من نص ورقة تثبت هذا الأمر بالعربية والعبرية"، و"أبلغوا إدارة السجن بأن هناك حالة ولادة في الزنزانة رقم 14، ونريد سيارة إسعاف لنقلها إلى المستشفى".
وفي 17 يناير 2008: جاء أوان المخاض أخيرًا، فانطلقت زميلات فاطمة ينادين السجانات لاتخاذ الإجراءات اللازمة، ورفضت إدارة السجن حضور أمها للولادة أو أيًّا من أهلها، ولم يكن حاضرا معها سوى عدد قليل من السجانات والمسئولين بالسجن.
ووصلت سيارة الإسعاف أخيرًا أمام مستشفى مائير بمدينة كفار سابا، لتبدأ "جلسة تعذيب جديدة".
وتابعت "الزق" تتذكر لحظاتها: "وصلت إلى المستشفى الساعة الواحدة تقريبًا، لتتركني الطبيبة الإسرائيلية دون أية عناية حقيقية، كانت نظرات الحقد واضحة في عينيها، ولم يزد دورها عن الصراخ على بلغة عربية مكسرة: "خلصي، أنجبي هذا "الإرهابي" وأريحينا".
ثم تتابع بالقول: "ظلت صرخاتي تتعالى باستمرار على مدى أربع ساعات في المستشفى، وأنا أتمزق من الألم حقنت ذراعي بأحد المحاليل إضافة إلى إبرة مخدرة كنت في أشد الحاجة إليها، وبدأت تسهل الأمور عليّ، إذ أنجبت ولدي يوسف"، وتم تقييدها بقسوة بعد الولادة مباشرة، وظلت دون تدفئة كافية رغم حاجتها الشديدة لها".
أما الأسيرة المحررة سمر صبيح فقالت: "نعم ولدت طفلي براء في ظلال السجن، وتحت مقصلة السجان، ومن دون حضور أي من أهلي أو أقارب زوجي، بسبب تجاهل مصلحة السجون الإسرائيلية تنفيذ قرارًا قضائيًا سمحت فيه المحكمة لشقيقتي وزوجها الأسير في سجن النقب بحضور عملية الولادة للاطمئنان عليّ.
وأضافت سمر: "قبل ولادة براء رفعت دعوى قضائية ضد إدارة مصلحة السجون، كي يتم السماح لي بالولادة من غير قيود، وذلك بعدما حدد الأطباء موعد الولادة، وكالعادة فإن إدارة السجن لا تسمح للحامل بالولادة من دون قيد.. لقد كبلوني بالقيود أثناء فحص ما قبل الولادة بلحظات، ولم تحل إلا بعد أن تقرر إجراء عملية قيصرية لي، غير أنهم بمجرد ولادتي لبراء مباشرة، وضعوا القيد في قدميّ من جديد".
• هل هناك مراكز تأهيل نفسي للأطفال المولودين داخل السجن؟
هنالك عناية ورعاية من قبل المؤسسات من الناحية الإنسانية، ولكن لا يوجد عناية بالمعنى المهنى في تلك المؤسسات، كوجود قسم خاص لمتابعة المولودين في سجون الاحتلال أو اللذين تم تهريب نطفهم من داخل السجون كسفراء حرية وهم أكثر عددًا الآن من الأسرى المولودين في داخل السجون ونتمنى الاهتمام بهم.
كما أنه لا يوجد برنامج تأهيل واضح لعناية المولودين في داخل السجون وأطفال النطف المهربة، ولكن يوجد اهتمام إنسانى من قبل المؤسسات بهم بشكل تطوعى وأحيانًا بشكل رسمى بدون قوانين وحقوق دائمة تحميهم، ونتمنى بأن يشمل قانون الأسرى والمحررين برنامجًا واضحًا باتجاههم.
•وماذا عن القوانين الدولية والحقوقية الرادعة في التعامل مع الأسيرة الحامل وهل تمتثل لها إسرائيل؟
القانون الدولى الإنسانى، والاتفاقيات الدولية تؤكد على حقوق المرأة من خلال الاعتراف بمكانتها وإنجازاتها ومشاركتها الفاعلة والمنتجة في المجتمع، بلا تقسيمات قومية واثنية وغير ذلك من اختلافات اللغة والثقافة والبيئة الاقتصادية والسياسية، وتمكين المرأة والعمل على تحقيق التنمية المستدامة والسلام الأمن واحترام حقوق الإنسان.
وعلى الرغم من نقاء تلك الأهداف والمعايير النظرية، فهناك ازدواجية في التعامل مع المرأة الفلسطينية وخاصة الأسيرة على أرض الواقع من قبل المؤسسات الدولية الحقوقية والإنسانية، لحرمانها من أبسط الحقوق الإنسانية المشروعة في ظل الاحتلال الإسرائيلى الذى مارس القتل والأبعاد والسجن بحقها.
وأتساءل: ما مدى جدوى بتلك الاتفاقيات التى من المفترض أن لا تضع حدود وسدود دينية وجغرافية وثقافية، في ظل مئات الانتهاكات الجسدية والنفسية والقانونية بحق المرأة والأسيرة الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلى الذى اعتقل آلاف النساء والحوامل والقاصرات في سجون سيئة تفتقر للشروط الحياتية الدنيا، وقتل المئات من بينها إعدامات ميدانية على مرأى الجميع بمبررات أمنية واهية، دون تحريك ساكن من العالم والمؤسسات المعنية لإنقاذها والدفاع عنها.
• هل تم رفع أي قضية من قبلكم أو قبل أسيرة حامل ضد الاحتلال وممارساته العنيفة؟
لم يتم رفع قضايا من قبلنا لقلة الإمكانيات في هذا المجال، ونتمنى في ظل التوقيع على الاتفاقيات الدولية ومحكمة الجنايات أن يتم رفع قضايا من قبل السلطة الفلسطينية ونقابة المحامين الفلسطينيين والعرب واتحاد المنظمات العربية تجرم الاحتلال على ممارسته بحق الأسيرات والحوامل على وجه الخصوص، وأتمنى على المؤسسات الدولية والحقوقية والإنسانية، بالنظر للمرأة الفلسطينية والأسيرة خاصة، وحمايتها ورعايتها ومساندتها ودعمها، والضغط على الاحتلال لوقف نزيف الدم المتكرر على الحواجز وجوانب الطرقات، وتحقيق حريتها من ضنك وضيق السجون، ومحاكمة مرتكبيها من زعامات الاحتلال وإدارات المعتقلات.
للعودة لباقى الملف من هنا