منذ ما أسموه بالانفلات الأمني، والغياب التام لوزارة الداخلية، شهد الشارع المصري تسارعا مرعبا في مشاهد البلطجة والابتزاز وفرض النفوذ والتثبيت والسرقة وكل ما يستطيع قلمك كتابته عن أسوأ ما في البشر من تصرفات، لم تتوقف تلك المشاهد بعودة الداخلية لعملها ولكن أضيف إلى تلك المشاهد صورا جديدة من عنف الإرهاب والتطرف فصارت المشكلة مزدوجة يدفع ثمنها المواطن، ويتابعها العالم كله ما بين شامت فينا وما بين داعم ومتعاطف معنا.
اكتب هنا عن البلطجة المرتبطة بالجريمة ولنترك بلطجة التطرف مؤقتاً، فقد انتشر على اليوتيوب مؤخراً أكثر من فيديو صادم يكشف إلى أي مدى انحدر الأمن وخارت قواه في مواجهة مجموعات البرشام والسنجة، الفيديو الأول سحل شاب بمنطقة العاشر من رمضان بعد ربطه عارياً في سيارة نصف نقل، وعرفنا من حديث المتحلقين حوله أنه تحرش بواحدة من بنات الحي، طبعاً المتحرش يستحق الإعدام، ولكن هذا بقوة القانون وبأمر المحكمة، أما أن ينصب الناس محاكمهم في الشارع فهنا هو الخطر بعينه.
أما الفيديو الثاني فهو يصور مجموعة من البلطجية يحتجزون شابين بعد ربط أيديهما وتجريدهم من سراويلهم، ويضم ذلك الفيديو ومدته 14 دقيقة نموذجاً للعنف والذل والقسوة والإرهاب الحقيقي حيث تبادل البلطجية ضرب الشابين ببطن سيوفهم وكعب مطاويهم، ومؤكدا أن وزير الداخلية قد شاهد هذا الفيديو وسمع بأذنه محل تلك الجريمة حيث قال البلطجية بوضوح: إنهم من محافظة الشرقية مركز فاقوس قرية الصوالح، بعد مشاهدتي لهذه الجريمة المصورة تابعت بدقة الأخبار الصادرة عن وزارة الداخلية لتقول لنا عن رد فعل واحد لها وللأسف الوزارة لم ترد، وكأن الجريمة حدثت في جمهورية الموز.
وإذا كانت تلك الجريمتين هما ما وصلا إلينا عن طريق الصدفة فإنني على ثقة أن هناك مئات الجرائم الجنائية ترتكب يومياً دون رادع مساو لحجم تلك المآسي، فترويع المجتمع لا يبدأ بالعنف المباشر، ولكنه صار منهجا ويكفيك أن تقرأ ما كتبه البعض على ظهور التكاتك وعلى جدران البيوت، يقولون بوضوح "البيت اللى فيه صايع .. معندوش حق ضايع" بالضبط هذا ما يحدث يوميا وفي كل لحظة، منهج الصياعة ينتشر ويتوغل في تلافيف دماغ الناس ويفرض وجوده على الأرض، وهو ما يمثل أرضاً خصبة لاشتعال الأمور في لحظة، فكل ما ينقصها فقط مجموعة من التوابل الفكرية لتقوم الدنيا ولا تقعد.
إن أمن وأمان الناس وتخليص الحقوق بالعدالة السريعة الناجزة صار حلما مصريا خالصا لا يقل عن حلم العيش والعمل والصحة، وفي تقديري إذا لم تتضافر جهود التشريع مع تطوير أدوات المحاكم والقضاء مع الكفاءة المهنية لرجال الشرطة فإن كل خطط التنمية المنشودة وكل الأحلام العريضة في المشاريع الكبرى سوف تتهاوى تحت سيف البلطجة والغباء والعنف.
إذن هي منظومة متكاملة لا تسبق خطوة فيها الأخرى، حققوا العدل والأمان وبعدها سيروا إلى مشاريعكم الكبرى وأنتم مطمئنون.