فكرت أن يكون العنوان «وهم مليون مصرى ضد السيسى»، لكنى تراجعت، ففى الوهم جزء من الحقيقة، يعتقد أحدهم واهمًا أنه يمكن أن يحقق شيئا يراه الجميع مستحيلا، ويراه هو أمرا سهلا فى متناول يده، وهنا يمكن أن تتركه يتوهم كما يريد، فهو لن يضر أحدا بوهمه، بقدر ما سيضر نفسه، ثم إن الأوهام يمكن فى لحظة قدرية أن تتحول إلى واقع.. فضلت أن أستعين بالكلمة الأقرب إلى الصواب، وهى «لعبة» فى توصيف «هاشتاج» دشنه شباب باسم «مليون مصرى ضد السيسى».
وأقول لعبة، لأن من يدعون إلى الحشد على اسم هذا الهاشتاج لا يدركون الواقع على الأرض، ولا أقصد أنه لا يوجد مليون مصرى ضد السيسى، فهناك ملايين، وهذه طبيعة الأشياء، ولكن لأن السؤال الذى لا بد أن يجيبونا عليه، وماذا بعد أن يحصد «الهاشتاج» العدد المطلوب؟ وما الذى يمكن أن يحدث لو أن هناك ٢٠ مليونًا ضد السيسى؟
ببساطة سيسقط النظام، والسؤال الأهم هو: وماذا بعد أن يسقط النظام؟
سيقولون يحدث ما يحدث، المهم ألا يكون موجودًا على رأس السلطة، ولديهم ما يبررون به مطلبهم.
لكن هل يملك هؤلاء الذين يتسلون بأزرار الكيبورد أى تصور لنظام يمكن أن يخرج مصر من عثرتها، ويحميها مما يُراد بها، ويقدم لأهلها الفقراء ما يسد جوعهم، ويبعث بالأمن فى نفوس من خافوا. أعتقد أن هؤلاء لا يملكون شيئا يقدمونه للناس إلا الكلام والسخرية، وتدشين المجموعات وإطلاق المسميات، ثم بعد ذلك يحتفلون بفشلهم كل مرة بنفس الطريقة.
لا أعتبر السيسى زعيما ملهما، قلت بعد أيام من ثورة ٣٠ يونيو إنه الرئيس الضرورة (والكلام مسجل تليفزيونيا وقبل أن يقوله أحد)، وبنيت رأيى على أنه كان جزءا من المشكلة التى وجدت مصر نفسها فيها بإزاحة الإخوان المسلمين، ولا بد أن يكون جزءا من الحل، ليس لأنه السيسى، اسما وشخصا، فقط، ولكن لأن هناك مؤسسة قوية تدعمه، وتقف إلى جواره وتسند ظهره، ولأن هناك ظهيرا شعبيا طاغيا يقف إلى جواره، يثق فيه ويطمئن لوجوده.
الملايين التى تشكل ظهيرا وظهرا للسيسى، لا يشغلها كثيرا ما يدور فى غرف الدردشة الإلكترونية، ولا يهمها «هاشتاج» مرتبك يسعى أصحابه إلى جمع مليون مصرى، يعلنون أنهم ضد السيسى، وبعد أن يجمعوا العدد المطلوب لن يعرفوا ما هى الخطوة التالية، ملايين الظهير تنتظر أن ينجح الرئيس، لأنه لم يعد أمامها فرصة أخرى، تعرف أن الفشل هذه المرة لن يكسر الأجيال الحالية بل سيمتد إلى الأجيال القادمة التى لن ترحمنا ولن تسامحنا أبدا.
قد تتعجب مما أفعل.. فإذا كان «الهاشتاج» الذى يقف وراءه شباب يعتقدون أنهم يفعلون ذلك من أجل مصر لا تأثير ولا أهمية له، فلماذا تهتم به؟ ولماذا تشير إليه؟ ألا يعنى هذا أنه أصبح مؤثرا، وأنه مقلق، وأنه يمكن أن يتحول إلى حركة معارضة قوية للرئيس، فـ٢٥ يناير بدأت بدعوة على صفحة «فيسبوك» لا أكثر ولا أقل؟
سأوافقك تماما، ولكن سأقول لك: أنا أريد أن تكون هناك حركة معارضة قوية للرئيس السيسى، ولأى رئيس يأتى من بعده، فالمعارضة القوية اليقظة التى تعمل لوجه الوطن تضمن تدفق الحيوية فى شرايين هذا البلد، لكن هذه المعارضة التى يتسلى بها الثوار الإلكترونيون على صفحات شبكات التواصل الاجتماعى ليست إلا مضيعة للوقت، كما أنها -ثبت هذا بالفعل- معارضة تفكيك فقط، لا أحد يمتلك رؤية لإعادة البناء، ولذلك كان طبيعيًّا أن تظهر دعوات لتكوين كيانات سرعان ما تنهدم على رءوس أصحابها.
السيسى لن يظل خالدا على عرش مصر، والشباب الذى يعارض بمراهقة لن يظل على هذه السذاجة والسطحية، وعليه فلا بد أن ننتبه إلى ما سيبقى، وهو وجه هذا الوطن فقط، الذى لا يتحمل ألعابا بهلوانية وأفكارا طائشة، مَن يريد أن يعمل فى صف النظام فليعمل، ومن أراد أن يعارض فليعمل، ستقول إنه لا أحد يستطيع أن يفتح «بقه»، ومَن يتكلم يجد نفسه فى السجن، سأقول لك حتى لو كان ما تقوله صحيحا، فلماذا لا تتحمل ثمن كلمتك حتى النهاية، لماذا لا تقدم دليلًا على أنك حقيقى وصادق، أم أنك تريد فقط أن تستمتع بعائد أن تكون معارضا، دون أن تدفع الثمن.
الحق أقول لكم.. بطلوا لعب أرجوكم.