شهدت مدينة بورسعيد الباسلة أحداثًا دامية بعد النطق بالحكم فى قضية “,”مذبحة بور سعيد“,”، فبعد لحظات من نطق القاضى بالحكم تحولت المدينة العظيمة إلى ساحة لحرب شوارع لا يعلم أحد أطرافها، وهو ما لم يحدث إبان العدوان الثلاثى أو حتى نكسة 1967، مما جعلنا نشعر، ولأول، بأن الثورة تنحرف عن مسارها الطبيعى وتركع إلى أمد غير معلوم.
وعلى الرغم من أن الثورة المصرية بدأت، ومازالت، شبابية مدنية سلمية ملتزمة ومتزنة فى فعلها الثورى، إلا أن ما حدث فاق كل توقعات المحللين السياسيين، وفاق تقدير السلطات الرسمية فى البلاد. وبالرغم أيضًا من أننا نفرق بين المظاهرات السلمية وبين العنف المدفوع من قبل البعض للاستفادة ليس فقط بركوع مصر، بيد أبنائها، للأسف الشديد؟ وهو ما يجعل العين والقلب تدمع، واللسان يتساءل ماذا يحدث؟ وماذا حدث للمصريين الذين أبهروا العام بثورة، مما جعل زعماء بعض الدول يطالبون بتدريس الثورة المصرية فى مناهجهم التعليمية، ومن يتحمل المسئولية الجنائية والأخلاقية عن هذه الأحداث؟
وفى وجهة نظرى المتواضعة، فإن المسئولية تقع على عاتق السلطة والمعارضة، وإن كانت على السلطة بشكل أكبر، والتى تعاملت بنفس طريقة النظام السابق بدءًا من البطء الشديد وعدم الإحساس بأهمية عنصر الوقت، ومحاولة التقليل من الأحداث، ثانيًا، عدم وجود آلية واضحة لعملية صنع القرار، - فليس بين أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة - وإن كان كذلك فإنه يكون أمرًا طبيعيًا، ولكن المقصود هنا، هو التداخل الشديد بين مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد وحزب الحرية والعدالة، ثالثا: غياب الكفاءة وإدارة الأزمة، وهذه المشكلة واضحة منذ الساعات الأولى لتشكيل الفريق الرئاسى، على الرغم من تأكد الدكتور مرسى بأن اختياره للفريق المعاون له سيكون مبنيًا على عنصر الكفاءة، ومعبرًا عن جميع الفئات والحركات الشبابية والحزبية، وهو ما لم يحدث.
أما المعارضة، وخصوصًا “,”جبهة الإنقاذ“,”، فعلى الرغم من مناداتها بسلمية المظاهرات، إلا أن جميعهم اختفوا من الشارع، بعد السير على الأقدام لبعض الوقت واختفوا، فى مسيرات عدة من مختلف مساجد القاهرة المحروسة، وأصبح الشارع هو الذى يقود نفسه، ويقود المعارضة والسلطة معه. وقد خرجت علينا جبهة الإنقاذ مهددة بمقاطعة الانتخابات البرلمانية، وتشكيل لجنة قانونية لتعديل الدستور، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإزالة العدوان على السلطة القضائية، وإقالة النائب العام الحالي، وإخضاع جماعة الإخوان المسلمين للقانون. وفى الحقيقة هذه المطالب مشروعة فى مجملها إلا أن بعضها لا معقول أو مقبول سياسيًا، خاصة مقاطعة الانتخابات.
وأعتقد إذا نجحت الجبهة فى الضغط على النظام الحالى لتعديل قانون الانتخابات والدوائر، وإذا نجحت أيضًا فى تشكيل “,”قائمة واحدة“,” تخوض بها العملية الانتخابية فإنها ستجنى ما لم تحققه خلال المراحل السابقة. وعلى الجبهة أن تستغل اللحظة الثورية التى تعيشها مصر الآن لتعظيم تواجدها فى ربوع مصر، حتى تكون بالفعل بديلا حقيقيًا عن جماعة الإخوان، خاصة وأن فكرة المقاطعة فى كل الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية لم تثبت جدواها، بل على العكس ساعدت فى أحكام النظم الحاكمة من بسط يدها على مفاصل الدول ولأكبر فترة ممكن.
إن المطلوب الآن تصحيح وتعديل مسار الثورة المصرية بالاستجابة الفورية إلى أغلب المطالب السياسية، لأنها لن تكلف خزينة الدولة شيئًا، والقضائية، مع التعقل والتدبر فى المطالب الاقتصادية، وتعديل الهرم الاجتماعى والاقتصادى المقلوب فى أغلب مؤسسات الدولة، مع إعادة تشكيل الفريق الرئاسى على عنصر الكفاءة بغض النظر على المكونات الحزبية والسياسية.
ومجمل القول، إن المتابع والمدقق لمؤشرات التحول الديمقراطى فى مصر - وهو ما سنتناوله فى مقال آخر - لم يتحقق منها شيء سوى رئيس مدنى منتخب بفارق بسيط مما جعل شرعيته على المحك دائمًا. أما المطالب التى رفعت فى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير هى بذاتها التى رفعت منذ اندلاع الثورة فى 25 يناير 2011، وتعهد بها الدكتور مرسى، ومر على توليه سبعة أشهر، بدون إنجاز ملموس لدى المواطن البسيط الذى يئن من سوء الحالة الاقتصادية فى مصر الثورة.