تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في إسقاط صدام حسين ونظامه وتسريح جيشه، وتركت العراق للمجهول، والفوضى، والتفتيت، والحروب العشائرية والصراعات العرقية والمذهبية، وألقت القبض على صدام وأخرجته– أمام تليفزيونات العالم– من حفرة قبو تحت الأرض وهم يفحصون أسنانه، وبدا الرجل أشعث أغبر طاعنًا في السن بلحية بيضاء، في مشهد مهين يغلب عليه الذل والانكسار، ليكون الرئيس العراقي عبرة لمن عاصروه من الرؤساء بل ولكل رئيس عربي قادم.
لا يختلف المشهد كثيرًا مع معمر القذافي الذي لاحقت موكبه طائرات الناتو "فرنسا وبريطانيا" ولم يكن مطروحًا القبض على القذافي ومحاكمته ولو صوريا كما حدث مع صدام، بل كان مطلوبًا التخلص منه وإذلاله قبل أن يسكت للأبد، ولم يكتف "الثوار" بذلك بل عرضوا جثته في متحف خروجًا على الأعراف الإنسانية ودون مراعاة لحرمة الموت، ليشاهد جثته الآلآف وكأنهم يستمتعون بزيارة لمتحف اللوفر!
لم يكن الهدف إذن إسقاط نظام يغتال حقوق الإنسان كما قال الإعلامي "الفرنسي الصهيوني" برنار ليفي، بل التخلص من القذافي نفسه ذلك الشخص الذي يملك خزائن أسرار قادة ورؤساء أوربيين ليس آخرهم ساركوزي- الذي كان يتقاضى راتبا شهريا وهو وزير داخلية من النظام الليبي- فهو بالنسبة للقذافي مجرد وزير مرتشٍ، رجل يمكن شراؤه والحصول على ولائه حتى بعد أن يكون رئيسا.
ويكشف الكاتب الفرنسي "جون كريستيف نوتا" في كتابه "الحقيقة حول حربنا على ليبيا" حجم الغارات التي نفذها حلف الأطلنطي بقوله "نفذ 26 ألف طلعة أي 122 طلعة جوية باليوم الواحد و9500 غارة، ودمر 6000 هدف بينها 600 مدرعة ودبابة، ووفقا لرئاسة الأركان الفرنسية فقد نفذت فرنسا 5316 طلعة جوية و1210 غارات وأطلقت ألف قنبلة و600 صاروخ و1500 قذيفة، وتشير التقديرات العسكرية أن فرنسا منذ نصف قرن لم تستخدم هذا الحجم من الذخائر.
ويعترف وزير الخارجية الفرنسي السابق آلان جوبيه: نحن أي فرنسا وبريطانيا من قام بكل العمل في ليبيا، وتنقل صحيفة "المساء" الفرنسية عن جوبيه: بدون نيكولا ساركوزي وبرنار هنري ليفي الفيلسوف الفرنسي المتعاطف مع إسرائيل كان نظام القذافي لا يزال موجودا.
واعترف أيضًا بأن المستشارين العسكريين هم من ساعدوا في تأطير وتأهيل أعضاء المجلس الوطني الانتقالي.
ليس هناك أسهل من الهدم، من إسقاط الأنظمة، من إزاحة رئيس ومحاكمته أو اغتياله على مرأى ومسمع ليكون لمن خلفه آية، سهل أن تصم النظام بالاستبداد والقهر لتنال منه معنويا وأخلاقيا فتنهار شرعيته السياسية.. العراق وليبيا نموذجان لإسقاط الأنظمة وهدم الدولة، ولكن مسألة البناء أمر مختلف تماما، الدول الكبرى لا تتبرع بالبناء لكنها تستدعي نفسها وتفرض نفسها لمحاسبة الأنظمة في المنطقة وتغييرها.
العراق يحاول أن يلملم شتات أبنائه الآن، وليبيا تنعم بفوضى ليس لها مثيل، وأصبحت أشبه بأفغانستان جديدة، قندهار أخرى تهدد مصر على مدار أربع سنوات مضت، تهدد مصالحنا حتى الآن ومشروعنا القادم، مصر تتبنى سياسة عدم التدخل في شئون الآخرين، ولكن الحظر يدق بقوة على أبوابنا مباشرة.. فماذا نحن فاعلون؟