الأحد 29 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

الفن القبطي.. همزة الوصل مع التاريخ الفرعوني (4).. النسيج لازم المصري القديم منذ المهد للحد.. كسوة الكعبة صنعت لعقود من النسيج "القباطي" بأياد قبطية

الفن القبطي.. همزة
الفن القبطي.. همزة الوصل مع التاريخ الفرعوني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظلت المنسوجات ملازمة للمصري القديم في حياته من المهد إلى اللحد، فاحتاج إليها في ملابسه لتقيه حر الصيف وبرودة الشتاء، وفي المنزل صنع منها فتيل لمبات الإضاءة والمفروشات والأغطية، واستعان بها في تجارته لمقايضتها بالمنتجات الأخرى، واستخدمها لبناء أشرعة المراكب وحبالها، وظهرت في معابده لتقديمها كقرابين للآلهة وفي شعائره الجنائزية من تحنيط لجسده ولفه باللفائف الكتانية لينعم بالحياة في العالم الآخر.
وتعتبر المنسوجات القبطية من أكثر الذخائر الأثرية الباقية لدينا والمنتشرة في معظم المتاحف المصرية والعالمية، فلا يخلو متحف من الاحتفاظ بمجموعة كبيرة أو صغيرة من تلك المنسوجات القبطية.

خصائص فن النسج القبطى:
يوضح الفنان العالمى عادل نصيف أن النسيج فن له خصائصه الفنية والصناعية المميزة، حيث مارسها المصريون القدماء منذ العصور الأولى بمراحله الأولية، ثم تطور كصناعة محلية منذ العصرين اليوناني الروماني في مصر، حتى إن المؤرخين الإغريق والرومان قد أشادوا بتلك الصناعة في مصر وتفوق المصريين فيها، وهو الأمر الذي يؤكد أنها صناعة متوارثة وراسخة في المجتمع المصري.
إلا أن هذه الصناعة شهدت ازدهارًا كبيرًا منذ دخول المسيحية على مصر، ويبدو أن الاحتلال الروماني جعل المصريين يهتمون بتلك الصناعة اليدوية وزخارفها لتشهد المزيد من التطور في الصناعة المستخدمة مثل الكتان والصوف والحرير وأسلوب الزخرفة والألوان المستخدمة، وقد عُرِفَ كل هذا بالمنسوج القبطي في مصر خلال الفترة ما بين القرن الثالث الميلادي وحتى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين.
أهم مراكز النسيج في العصر القبطى والإسلامى:
تعتبر المراكز التي اشتهرت في العصر القبطى والإسلامى واحدة، ومن أهمها: ديبق، أسيوط، إهناس، إلهنسا، تنيس، شطا، الفيوم، أخميم، طما، دميرة، تونة، الأشمونين، دمياط، والإسكندرية.
وساعد على تأثير الطراز القبطى في المنسوجات وزخارفها في الفن الإسلامى أنه منذ منتصف القرن الخامس الميلادى، وقد بدأ الميل في الفنون القبطية إلى استخدام العناصر الهندسية والنباتية، والابتعاد عن تصوير الإنسان والحيوان، وقد صادف هذا هوى العرب المسلمين واتبعوه في زخارفهم، لا سيما في زخرفة المنسوجات، نظرًا لأن التجسيم كان محرمًا في الفكر الدينى آنذاك، فقد وُجِدَت قطع من القماش في بعض المتاحف الأثرية وعليها كتابة بالخط الكوفى تثبت دون شك أنها من صناعة العصر الإسلامى. 
ولكننا نرى عليها إلى جانب ذلك زخارف قبطية في طرازها وموضوعها، وكان ذلك مألوفًا في المنسوجات المصنوعة في إقليم الفيوم.
كما يشير مجدى رياض، فنان تشكيلى حر، إلى أن النسيج يعتبر من أهم النتاج المميز للفن القبطى ويطلق على فن النسيج بالنسيج القبطى للدلالة على عشرات الآلاف من قطع النسيج التي عثر عليها في مصر، والتي ترجع إلى العصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية، وكانت المقابر هي المنهل الرئيسى إلا أن الحفائر التي أجريت في القرن الماضى وأوائل هذا القرن في جبانات مواقع مهمة مثل أخميم وانتينوى لم تكن حفائر علمية منظمة، وكان الهدف منها البحث عن الكنوز.
كما أن عمليات الحفر العديدة التي تمت خلسة أدت إلى دخول آلاف قطع النسيج في تجارة الآثار، ومن ثم يصعب تاريخيا الاستناد على خصائصها الفنية، كما أنه لا يجب النظر للنسيج القبطى على أنه مجموعة من الألوان الجذابة، لأنها تعتبر مصدرا للمعلومات عن الطبقات الاجتماعية والحياة اليومية ومعتقدات وعادات نساجيها، والذين أُنْتِجَت لهم هذه الرسوم، وقد وصلت أنماط متعددة من المنسوجات الكاملة كالملابس وخصوصا التونيكا (القمصان) أو الأجزاء المزخرفة من الأثواب مثل الأشرطة المنسوجة بطريقة القباطى، والتي تتدلى من الأكتاف وحتى الخصر أو هدب الأثواب، والجامات الملونة المستديرة التي على الأكتاف وحتى الخصر، وقد صنعت غالبية المنسوجات من الصوف وألياف الكتان في حين ندر استخدام القطن، كما لعب الحرير الملون المستورد دورا مهما في صناعة النسيج.


حرفة قديمة 
تمتد جذور الصناعات الحرفية في مصر إلى عصور قديمة، فقد اشتهر الصانع والحرفي المصري منذ عهد القدماء المصريين مرورًا بالعهد الروماني ثم الإسلامي، ومن أمثلة هذه الصناعات التي برع فيها الصانع المصري؛ صناعات النسيج والتطريز والحياكة والدباغة، وكانت المرأة المصرية ماهرة في هذه الحرفة، ثم بعد ذلك النجارة والخراطة وصناعة الفخار والزجاج والحصير والسلال، وقد احتفظت هذه الصناعات بطابعها التقليدي، وقد ساعد على ذلك أسلوب التنظيم الذي كان سائدا في العصر الفاطمي وهو أسلوب نظام "الطوائف الحرفية".
لقد انتشرت الصناعات الحرفية في جميع أنحاء مصر، لأن هذه الصناعات تعتمد على المواد المتوافرة في البيئة المحلية، كالنخيل ومنتجاته والأخشاب وصناعاتها المختلفة، أما في البيئة الزراعية والصحراوية، فنجد صناعة المنتجات الحيوانية كالوبر والصوف والشعر والجلود المتوافرة من الجمال والأغنام والأبقار والأحجار والطين، أما المعادن النفيسة فتخرج من المناطق الغنية بالثروة المعدنية مثل النحاس والذهب والحديد والفضة والقصدير وغيرها، وقد تميزت هذه الصناعات بالدقة والابتكار والكفاءة والمستوى الجمالي المرتفع.

أقسام المنسوجات:
يوضح ماجد الراهب، رئيس جمعية المحافظة على التراث المصرى، أن علماء الآثار قاموا بتقسيم المنسوجات القبطية إلى ثلاثة أقسام، وأسموهم بناء على ملامحهم الفنية: 
القسم الأول: ويطلق عليه نسيج العصر الإغريقي الروماني، ويمتد من القرن الأول إلى الثالث الميلادي. 
وتمتاز منسوجات هذه الفترة من الناحية الزخرفية بكثرة استعمال الرسوم الآدمية والحيوانية، بجانب العناصر النباتية والهندسية، وتمثل هذه الرسوم الطبيعية أصدق تمثيل فهى مليئة بالحياة والحركة، كما تمتاز بحسن التأليف وبالتوزيع المنتظم والألوان الطبيعية إلى حد كبير. 
القسم الثانى: ويعرف بعصر الانتقال، ويمتد من القرن الرابع إلى نهاية الخامس الميلادي، ومنسوجات هذه الفترة هي همزة الوصل بين نسيج العصر اليوناني- الروماني ونسيج القسم الثالث وهو القبطي، فهى ما زالت تستعمل رسوم وموضوعات النسيج الإغريقي - الروماني، وإن كانت تعوزها الحياة والحركة وصدق تمثيل الطبيعة، غير أنها تمتاز بكثرة استعمال الرموز المسيحية. 
القسم الثالث: ويعرف بنسيج العصر القبطي، ويمتد من القرن السادس إلى التاسع الميلادي. 
وقد اتخذ لنفسه رسوما رمزية للأشخاص والحيوانات، والتي أصبحت فيما بعد من أهم مميزات هذا الفن.

النسيج القباطى وكسوة الكعبة:
برع الأقباط في فن النسيج حتى عرف بهم، فقد كان العرب يطلقون على المنسوجات المصرية اسم "قباطى" نسبة إلى قبط مصر، الذين أظهروا مهاراتهم الفنية في ميدان النسيج، وقد حرص الفاطميون على إرسال كسوة الكعبة كل عام وكانت بيضاء اللون، ومع الدولة المملوكية أصبحت الكسوة ترسل من القاهرة، وحاول الكثير منافسة مصر لنيل شرف كسوة الكعبة منهم اليمنيون والعراقيون والفرس، ولكن فشلت محاولاتهم أمام تمسك سلاطين المماليك بشرف كسوة الكعبة الذي كان في حقيقته يحمل أهدافا سياسية، حيث إن كسوة الكعبة دليل على القوة والنفوذ في العالم الإسلامي.
وقد ارتبطت كسوة الكعبة لفترات طويلة بمصر، وعلى مر سنين طويلة كان لمصر شرف صناعة الكسوة أو "المحمل المصري" كما كانت تشتهر، منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حيث يتم نقلها مع فوج الحجيج الخارج من مصر في احتفال رائع كبير لأرض الحرم، وظل حتى حكم جمال عبدالناصر عام 1962، ثم نُقلت الصناعة للملكة العربية السعودية.