تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
نتمنى ألا تكون الجهود الدولية لمواجهة عصابات الإرهاب الديني المنظمة قد جاءت متأخرة وبما يجعل احتمالات جدواها محدودة.
وأتابع – في ذلك الصدد – المجهود الأمني البريطاني باعتبار أن بريطانيا هي معقل كبير لعناصر التطرف، ومراكز اتصالاتهم، وأوعيتهم التنظيمية، لا بل وهي – تاريخيا – المحرضة على ظهور تلك المنظمات التي تعددت استخداماتها من جانب الغرب، سواء في ضرب الفكرة القومية العربية والأنظمة الوطنية، أو في حماية وصون إسرائيل عبر تدمير منطق الحفاظ على (الدولة) في العالم العربي، أو في التفريط الممنهج للثوابت الوطنية وركائز الأمن القومي وتسويق فقه التخلي عن التراب الوطني (الذي يعد في نظر تلك التنظيمات حفنة من تراب عفن)، فضلاً عن سحب الصراع العربي الإسرائيلي إلى أرضية دينية وليست سياسية، وبما سيؤدي إلى تأبيد ذلك الصراع، واستدعاء كل الاستحالات التاريخية إلى ساحته على نحو يجعل من المستبعد تحقيق اختراق حقيقي في إشكالية المواجهة مع إسرائيل.
ومؤخرًا لفتني منهجان تتحرك عليهما الإدارة البريطانية بعد أن استشعرت خطرًا حقيقيًا من عودة بعض مواطنيها الذين انضموا منذ سنوات إلى (داعش) والتنظيمات المتطرفة ثم عادوا أو عزموا على العودة إلى بريطانيا محملين بأفكار تكفيرية تبغي إطاحة المنظومة الثقافية والدينية والسياسية والحضارية الغربية، وهم مدربون على القتال الشاق وجاهزون لأعمال شديدة الوحشية من شأنها ترويع النظام والأهالي في تلك البلدان والأصقاع البعيدة، وقد سبقتها مشاهد قطع الرءوس التي تضمنت قتل بعض البريطانيين في الشام أمثال آلان هينينج، ودافيد هينز.
وأول المنهجين البريطانيين هو الملاحقات الأمنية لبعض العناصر الإرهابية المتطرفة في الداخل البريطاني، وهو ما زادت وتيرته بعد انفجارات 7 يوليو 2005 في لندن، حتى أن تيريز ماي وزيرة الداخلية البريطانية تقدر مشروعات الإرهاب التي أحبطتها الشرطة البريطانية بأربعين مشروعًا منذ تفجيرات 7/7، وهي تواصل رفع درجة الاستنفار الأمني في الشهور الثلاثة الأخيرة، وتلقي القبض في كل يوم تقريبا على بعض المتطرفين خلال مداهمات البوليس ضد أوكارهم ومقارهم.
ولكن المشكلة أن بريطانيا حين تقرر مواجهة الإرهاب فإنها تعمد إلى الصدام مع مجموعات فردية وليس تنظيمات بأكملها، فلم نسمع عن وصم بريطاني لجماعة الإخوان على أنها (إرهابية)، على الرغم من التقارير التي كلف رئيس الوزراء دافيد كاميرون كل من مستشار الأمن القومي نايجل كيم دارش، ورئيس جهاز MI6 للمخابرات الخارجية جون سويرز ورئيس جهاز MI5 للمخابرات الداخلية أندروكير، عن الجذور التاريخية لجماعة الإخوان وعلاقتها بالإرهاب، وهو ما أشرت إليه في مقال نشرته – هنا – تحت عنوان (بريطانيون كاذبون) مؤكدًا أن بريطانيا تتظاهر أمام الرأي العام الداخلي بأنها تواجه الإرهاب الإسلامي عبر تشكيل لجان وإعداد تقارير، فيما هي تعرف الإخوان أكثر من أي طرف آخر لأنها التي مولتهم وبدأت الصلة بهم من خلال صيغة (حسن البنا / مايلز لامبسون) ثم من خلال صيغة (حسن الهضيبي / وتريفور إيفانز) .. وإذا لم تواجه بريطانيا جماعة الإخوان – بالذات – مواجهة حقيقية فلن تفلح في مواجهة الإرهاب، إذ إن البريطانيين المنضمين إلى داعش والتنظيمات المتطرفة في الشرق الأوسط (خمسمائة عنصر) لا يمثلون شيئا في رقعة التطرف في أوروبا والغرب وبريطانيا بالذات، إذ إن آلافا منهم يعملون من خلال أوعية تنظيمية تتمدد خرج جسم الإخوان الموجودين في لندن وعلى نحو سرطاني أشبه بفطر الماشروم (عش الغراب)، ولكن لا أحد يتصدى لهم، حتى إن لندن لم تعلن – حتى الآن – شيئًا عن نتيجة التحقيق الذي طلبه رئيس الوزراء عن علاقة الإخوان بالإرهاب، فيما كان مفترضًا أن تظهر نتائج التحقيق منذ ثلاثة شهور، ولكن التحرك الضاغط الذي مارسته عناصر الإخوان حال دون ذلك، وبالذات جلسة الاستماع التي عقدت في مجلس العموم بوستمنستر وحضرها المدعي العام السابق جون ماكدونالدز ومحامي الإخوان رودني ديكسون، وإبراهيم منير أمين التنظيم الدولي للإخوان بلندن وأمين جمعة القيادي الإخواني في العاصمة البريطانية، ومنى القزاز القيادية بالحزب، ومنى عزام منسق (مصريون من أجل الديمقراطية) وقد تدعم ذلك الضغط بتحركات الإخوان في الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى فعندي من الأسباب التاريخية الكثير الذي يشير إلى عدم جدية بريطانيا في مواجهة الإخوان ومن ثم ستقتصر مواجهاتها على حالات فردية غير مجدية.
أما النسق الثاني للمواجهات البريطانية فهو مواجهة أفراد (أيضًا) في الخارج من طراز كثرة الإلحاح الإعلامي الإنجليزي على خطورة عمر بكري فستق زعيم حزب (التحرير) السابق، وزعيم جماعة (المهاجرون) في لندن الذي طردته السلطات لأنه أفصح عن عزمه عدم الإبلاغ عن أية عمليات إرهابية ولو علم بها (كان ذلك بعد انفجارات 7/7)، وعمر بكري الآن معتقل في سجن الرومية في جنوب لبنان ومؤخرًا ثارت ضجة كبرى حوله لأنه استخدم (تويتر) و(فيس بوك) في تبرير قتل الإرهابيين للنساء والأطفال (إن كان ذلك في إطار الحرب على كفار) وقد أرعب ذلك النزوع السلطات البريطانية التي خشيت أن يكون مقدمة لهجمات ضد مدارس ومستشفيات بريطانية، وبخاصة أن عمر فستق راكم ذلك بفتوى أخرى بتكفير من يقتل متطرفي داعش والنصرة وغيرها، وبما يجعل مواطن دول التحالف الدولي ضد الإرهاب في خطر.
ما زالت بريطانيا تحصر مواجهتها – إذن – في أفراد، دون حظر وحل منظمات بأكملها وبالذات تنظيم الإخوان (الأم بالنسبة للتنظيمات الإرهابية).
وفي ذلك الإطار فإن بريطانيا تمارس (انتقائية)غريبة في مواجهة الإرهاب لا تحقق فعالية حقيقية لكل جهودها الأمنية الحالية، وعلى سبيل المثال فهي – قطعيا – ستلتزم بملاحقة يوسف القرضاوي ووجدي غنيم وأربعين من قيادات الإخوان الموجودين في قطر بحكم ورود أسمائهم على القائمة الحمراء للإنتربول بعد أن أقنعت مصر تلك المنظمة بقيام المذكورين بالتحريض على العنف والقتل والمساعدة – كذلك في مصر وغيرها من الدول العربية - علي إثارة النعرات الطائفية والدعوة إلى سلوكيات من شأنها اضطهاد الأقباط.
ولكن بريطانيا وهي مضطرة – إجرائيا – للانصياع لإلزامات الإنتربول لم يكن لديها مانع في استضافة بعض العناصر التي أبعدتها قطر تحت ضغط دول مجلس التعاون الخليجي وذلك منذ شهور قبل قرار الإنتربول.
يعني لندن توافق على مطاردة الإنتربول لبعض الإرهابيين ولا تمنع البعض الآخر من الحصول على ملاذ آمن فيها.
لكل هذه الأسباب فإن ثقتي محدودة جدا في نجاعة الإجراءات البريطانية رغم ما يبدو من زخم أمني بريطاني هذه الأيام، إذ تهرب بريطانيا من المواجهة الشاملة التي تبدأ بجماعة الإخوان الإجرامية، وتكتفي بإجراءات خائبة توقف أعمال سفارتها في القاهرة بحجة توقع هجمات، فيما لا تلتزم بإجراءات حقيقية في لندن تؤدي إلى حماية الناس هناك من هجمات تنظيمات أنشأتها بريطانيا ويبدو أنها فقدت السيطرة عليها.