تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لو درسنا النظم السياسية المختلفة، شمولية كانت أو سلطوية أو ليبرالية، لاكتشفنا ظاهرة بارزة تظهر فيها بدرجات متفاوتة من الشدة، هي ما أطلقنا عليه في إحدى مقالاتنا ظاهرة “,”الانحراف السياسى“,”.
ونقصد بالانحراف السياسي جنوح النخبة السياسية الحاكمة واعتداؤها الواضح على القيم الأساسية التي قام عليها النظام السياسي.
وينطبق ذلك حتى على النظم الشمولية التي تتسم عادة بمنع التعددية ومحو المجتمع المدني وممارسة القهر السياسي، وذلك لأن بعض هذه النظم، ومن أبرزها كان النظام الشيوعي السوفيتي وذلك قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، كان يقوم على قيمة أساسية هي ضمان الحرية الكاملة للشعب، وإشباع الحاجات الأساسية للمواطنين في الأمن والتعليم والصحة والعمل، هذا على المستوى النظري على الأقل.
ولذلك حين تجنح النخبة السياسية الشمولية الحاكمة – كما حدث في عهد “,”جوزيف ستالين“,” - إلى عقد محاكمات صورية لخصوم النظام من القادة العسكريين والمثقفين وتصدر عليهم الأحكام بالإعدام، فهذا يعد انحرافًا سياسيًّا شديدًا إذا ما أردنا أن نحاكم النظام الشمولي على قيمه الأساسية المعلنة.
ونفس الوضع بالنسبة للنظم السلطوية التي قامت في بلادنا لتدافع عن حقوق الشعب وتعمل على الارتقاء بنوعية حياة الجماهير، كما كان الحال في النظام الناصرى، فإن الانحراف السياسي الذي يتمثل في تحوله في سنواته الأخيرة قبيل هزيمة 1967 بحيث بدت الدولة في ممارساتها كما لو كانت دولة بوليسية بحكم ظهور مراكز القوى وسيطرة المؤسسات الأمنية، فإن ذلك يعد انحرافًا سياسيًّا.
وحين نصل في تحليلنا إلى مصر بعد ثورة 25 يناير، والتي أعلنت بكل وضوح في شعاراتها عن قيم الثورة الأساسية وهي الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية، سنجد أن هذه الثورة المجيدة نجحت جماعة “,”الإخوان المسلمون“,” في اختطافها بالكامل من خلال التطبيقات الشكلية للديمقراطية التمثيلية أو باللجوء إلى ما أطلقنا عليه من قبل “,”خديعة الصندوق“,”!
وها هو مجلس الشورى يمارس الانحراف السياسي في أقبح صوره بعد أن منحه الدستور المزيف السلطة التشريعية، ولذلك عكف على صياغة القوانين على “,”مقاس“,” الجماعة ولخدمة أهدافها السياسية في السيطرة الكاملة على الدولة وعلى المجتمع. وأبرز هذه القوانين قانون الانتخاب الذي يراد من وراء نصوصه المعيبة السيطرة الكاملة على مجلس النواب القادم، حتى تستكمل الجماعة هيمنتها الكاملة على النظام السياسي المصري.
والانحراف السياسي لا يمارسه مجلس الشورى فحسب، بل إن حكومة “,”هشام قنديل“,” في اتجاهها لفرض ما أطلقت عليه زورًا وبهتانًا الصكوك الإسلامية، بكل ما تتضمنه من مخاطر شديدة على السيادة المصرية وعلى أصول الثروة في بلادنا تمارس أبشع أنواع الانحراف السياسي.
ومما يدل على ذلك تصريح لأحد قادة جماعة الإخوان يقول فيه “,”إن الأهرامات ونهر النيل وقناة السويس مستثناة من الأصول التي يمكن للصكوك أن تتعامل فيها“,”.!
نحن أمام كارثة كبرى يمكن أن تهدد سيادة الدولة والأصول الراسخة للشعب المصري.