الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لنتصالح مع يومنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعيدًا عن صخب الجدل الطائفى الذى اخترقنا قبل عقود وصار موضوعًا على جدول أعمال كثيرين، نحتاج لأن نقترب من سعى أنسنة الدين، أى دين، ونسترد الإضاءات التى يحتشد بها باعتباره بحسب مؤمنيه قبسا من الملأ الأعلى، ومبادرة إلهية للتواصل مع الإنسان، بعد أن اتخذ الإنسان قراره، غفلة أو طموحا أو تحت تأثير إغواء، بالعصيان، ومن ثم الانفصال عن الله ومحاولة البحث عن مصادر معرفة منبتة الصلة به، ليبدأ صراعاً سيظل قائماً بين الخير والشر، تتجاذبه صراعات شتى، وفى هذا يقول القديس أغسطينوس ـ القرن الرابع كنيسة شمال افريقيا (الجزائر) ـ بعد تجربة حياتية ممتدة متقلبة بين شتى مدارس الفلسفة، ستظل نفوسنا حائرة إلي أن تجد راحتها فيك، وبحروف أخرى يؤكد جوتة ـ القرن الـ 18، الأديب والفيلسوف الألمانى صاحب مسرحية "فاوست" ـ ان كل توق بشرى هو توق الى الله .
وفى هذا السياق نؤمن أن المسيحية هى سعى المصالحة، ليس فقط بين الله جل شأنه وبين البشر بل بين البشر وبعضهم وبين البشر والطبيعة، وقبل هذا وذاك هى مصالحة بين المرء ونفسه، والسؤال الكاشف الذى يطرحه أحد أقرب تلاميذ المسيح إلى قلبه القديس يوحنا : إن قال أحد أني أُحب الله وأَبغض اخاه فهو كاذب.لأن من لا يحب اخاه الذي يبصره كيف يقدر ان يحب الله الذي لم يبصره، ويعود ليؤكد : يا اولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق.
لكن ان كنا قادرون على البعد عن صخب الجدل الطائفى فنحن لا نملك أن ننفصل عن متطلبات اللحظة المعاشة، وهى لحظة فارقة رغم ارتباكاتها، ونحن نطرق أبواب الخروج من نفق مظلم امتد طويلاً لنلحق بركب الدول المتقدمة التى تستحق مصر أن تكون من بينها، بما تملكه من مقومات حضارية وبشرية، وثقل صنعته عبقرية المكان.
ظنى أن سعينا ـ هنا والآن ـ أن نؤسس لدولة المواطنة كمدخل للخروج الحقيقى من مأزق اللحظة، وهى تقوم على اعتماد القانون اساساً لضبط العلاقات داخل المجتمع والدولة، ومن ثم العدالة والمساواة وعدم التمييز على اساس الدين أو العرق أو اللون أو الجنس أو غيرها بحسب منظومة القيم التى تقول بها مواثيق حقوق الإنسان.
ويترتب على ذلك أن نقاوم توجهات التعامل مع الأقباط باعتبارهم "آخر" بل مواطنين كاملى المواطنة، ونحن فى هذا لن ننطلق من فراغ فلدينا دستور يؤكد ويدعم هذا بل يجرم ما يخالفه فى نصوص واضحة لا لبس فيها، تتطلب فقط توفر الإرادة السياسية والقبول الشعبى لترجمتها على الارض.
وهذا الأمر لن يتحقق بمجرد توافر النوايا الحسنة، أو تبادل الكلمات الطيبة فى المحافل وعبر اثير الفضائيات، والتى تسارع اليها فى الملمات أو لإطفاء حرائق ما درجنا على تسميته الفتن الطائفية بينما تظل النار قابعة تحت سطح يومنا لتشتعل مع أقرب احتكاك غداً أو بعد غد.
ظنى أن الأمر يتطلب تشكيل "مجلس أعلى للمواطنة"، يضم حكماء مصر بجوار اصحاب القرار ومجلس النواب، حال تشكيله، ومعه مكاتب متخصصة تضم علماء اجتماع واقتصاد وسياسة، تكون مهمته رصد المحاور التى تمثل معوقات لتفعيل فكر وفعل وثقافة المواطنة، واحالتها للمختصين للبحث دراسة وتحليلاً ووضع الحلول والبرامج ومقترحات الآليات التى تترجمها الى فعل بين الناس، وحزمة مشاريع القوانين التى تحتاجها مستندة الى ظهير دستورى متوفر بوضوح فى نسخة الدستور الأخيرة، 2014، التى أقرت كخطوة أولى فى استحقاقات خارطة الطريق.
وإقرار المواطنة يلزمنا بإعادة هيكلة الأليات التى تشكل العقل الجمعى والوجدان العام، فالإصلاح يبدأ فكراً، وأخطر مانواجهه هو منتجات تجريف العقل المصرى الذى تم ببطء وإصرار عبر عقود ممتدة، عمداً أو انشغالاً بتعميق وتكريس منظومة الفساد أو لغياب الرؤى الوطنية والعلمية، وربما التحالف مع مخططات عابرة للمحلية وأجهزة تترصدنا وطناً وشعباً وحضارة وربما وجوداً.
يأتى على رأس هذه الآليات منظومات التعليم والثقافة والإعلام فى عصر المعلوماتية وثورة تقنيات الإتصال، ونقل المعرفة، وهو عين ما فعلته دول جنوب شرق آسيا وعلى رأسها الهند متعددة القوميات والديانات والأعراق واللغات، والتى يقطنها ما يزيد على المليار ونصف المليار نسمة، وتعانى من ذات الأمراض المجتمعية التى تخيم على عالمنا الثالث : الجهل والفقر والمرض، لكنها اعترفت بواقعها واتفقت إرادة شعبها على مواجهته، عبر قواعد علمية عملية، لتقفز اليوم الى صفوف الإقتصادات القوية، وتحول ما نحسبه معوقات الى ادوات ايجابية وقيمة مضافة الى استقرارها ونموها، بعيداً عن المسكنات وترحيل الأزمات.
لنعمل مادام نهاراً قبل أن يغشانا الليل ويتجاوزنا قطار التاريخ.
لنتصالح مع يومنا لغد أفضل.