إن جماعة الإخوان المسلمين أدركت الآن حجم الخطأ الذي وقعت فيه عندما قررت خوض الانتخابات الرئاسية، وتوليها سدة الحكم، حيث استنفدت خلال هذه الفترة الوجيزة ليس فقط قواعدها، ولكن قدراتها ومقدراتها المالية، ورصيدها لدى عموم الشعب، الذي استيقظ على حقيقة الجماعة، التي لا تمتلك المؤهلات اللازمة لحكم مصر. كما انكشفت الجماعة أمام نفسها وقواعدها، والعالم عمومًا، بأنها ليست لديها الكفاءة والخبرات كما كانت تدّعي طوال الفترة السابقة.
وفي الوقت الذي غيّرت فيه ثورة 25 يناير خريطة التوازنات السياسية في مصر، لتتصاعد قوى وتيارات على حساب قوى أخرى، فإن ثورة 30 يونيو 2013 فتحت الباب على مصراعيه لمشاركة جميع القوى، وبحق، ولكن هذه المرة بفرص متساوية للجميع، دون استخدام الدين من قبل أي فصيل للحصول على الدعم أو أصوات الناخبين. وفي هذا السياق نحاول رصد مجموعة من العوامل التي سيتوقف عليها مستقبل جماعة الإخوان المسلمين في فترة ما بعد الثورة.
أولًا، الاعتراف بثورة 30 يونيو ونبذ العنف، ليس على مستوى التصريحات والقول، بل على مستوى الممارسة. فللوهلة الأولى يبدو أن ثورة 25 يناير حققت مكاسب ضخمة للجماعة من كسب غطاء من الشرعية والعلانية مع افتتاح مقر جديد لها، وإنشاء حزب سياسي، وخلق مناخ يعطي للإخوان والتيارات الإسلامية بصفة عامة حرية الحركة والدعوة بعيدًا عن الملاحقات الأمنية. أما ثورة 30 يونيو فقد قامت ضد الجماعة وممارستها الاستبدادية. والسؤال: هل ستحاول الجماعة الحفاظ على مكتسباتها التي تحققت عقب ثورة 25 يناير أم سوف تناطح إرادة الشعب المصري وجيشه، كما هو حادث الآن، بخلق موجة جديدة من العنف تحت غطاء البحث عن الشرعية -المسلوبة من وجهة نظرهم- وعودة الرئيس مرسي مرة أخرى لسدة الحكم؟ أم ستحاول استثمار مناداة الجميع بدمج الجماعة وعدم إقصائها؟ وتعتبر القوات المسلحة أول مَن طالب بذلك في بياناتها المختلفة الموجهة إلى كل الأطياف.
ثانيًا،مدى قوة التماسك داخل قمة الهرم التنظيمي للجماعة، فقد اشتهرت جماعة الإخوان بكونها الفصيل الأكثر تنظيمًا، ولكن باتت هذه المقولة موضع شك، فقد ظهر العديد من المؤشرات التي توحي بظهور بوادر التفكك والانقسام داخل صفوف الجماعة، فأعضاء الجماعة يمكن تصنيفهم إلى فصائل متنوعة، من تيار محافظ، وتيار برجماتي محافظ، وتيار إصلاحي، والذى ضعف داخل الجماعة بعد استقالة كل من: د.عبد المنعم أبو الفتوح، ود.محمد حبيب، ود.كمال الهلباوي، وإبراهيم الزعفراني.. إلخ، بينما ترفض الجماعة هذه التصنيفات، والتي تبدو نتيجة طبيعية لتألُّف الجماعة من أفراد لديهم أفكار ورؤى متنوعة، فهي ليست كتلة صماء -كما يعتقد البعض- على الرغم من تربية كوادرها على مبدأ السمع والطاعة.
ثالثًا، شباب الجماعة، أزمة الجماعة مركبة ومزدوجة، فالتفكك ليس قاصرًا على قمة الهرم التنظيمي للجماعة -كما سبق ذكره- ولكن بدأت بوادر الانشقاق تتسرب إلى القاع، خصوصًا مع اتساع الهوة بين شباب الجماعة وقياداتها، ففي فترة ثورة 25 يناير، تعالت أصوات شباب الجماعة المطالِبة بالتغيير داخل الجماعة، فلقد استغلت هذه الأصوات المناخ الحر الإعلامي للتعبير عن آرائهم بحرية، وبمتابعة مدونات هؤلاء الشباب يتجلّى لنا حجم الهوة بين شباب الجماعة وقياداتها.
رابعًا، موقف مؤسسات الدولة من التعايش مع الجماعة، فقد عاشت جماعة الإخوان وسط خناق وتضييق إعلامي قوي من قبل نظام مبارك، ومع الثورة تنفّس الجميع الصعداء، وبدأت الجماعة في التمدد إعلاميًّا عبر عقد العديد من المؤتمرات الصحفية، ودعوة وسائل الإعلام لتغطية فاعليات الجماعة المتنوعة وأول انتخابات علنية تشهدها الجماعة، بالإضافة إلى مشاركة العديد من أعضاء الجماعة في برامج التوك شو. وعلى الجانب الآخر، أسهم الإعلام في إبراز الخلافات والصراعات داخل الجماعة على السطح، لتصبح الجماعة محل تركيز وسائل الإعلام، مما أسهم في اختلاط مواقف الجماعة الرسمية مع الآراء الشخصية لأعضائها، ليخرج العديد من التصريحات المتضاربة، وأحيانًا المثيرة للجدل، ولهذا أضرار واسعة على صورة الجماعة، خصوصًا مع عدم تمرّس الجماعة في التعامل مع وسائل الإعلام، مما تسبب في العديد من الأخطاء الجسيمة.