سوهاج التى لم يزرها محلب
فرحت جدًّا مثلما فرح أهلى فى سوهاج بزيارة دولة رئيس وزراء مصر لهذه البلاد التى لا يتذكرها المسئولون أبدًا إلا فى الكوارث.. تابعت بشغف تفاصيل الزيارة.. وفرحت أكثر بأن المهندس محلب غيّر من مسار موكبه أكثر من مرة؛ ليخدع مرافقيه؛ حتى يتمكن من زيارة أماكن لم تحدد سلفًا.. كما هو معتاد فى مثل هذه الزيارات.. وحينما شدّ الرجل رحاله عائدًا.. حاولت أن أقرأ ماذا جرى فى هذه الزيارة، فاكتشفت أن الرجل تعب.. وتعب.. وتعب.. لكن الحمل الثقيل اللى شايلينه السوهاجية أكبر بكثير مما جرى قبل وأثناء وبعد هذه الزيارة.
سامحنى يا دولة رئيس الوزراء أن أخبرك بأن سوهاج التى زرتها.. ليست سوهاج.. أنت رحت ضيف كريم معزز للبلاد التى تعودت أن «تطبطب» على كل خلق الله اللى بيخشوها حتى ولو كانت بتموت من الوجع!!
سوهاج يا سيدى الآن.. بلد فقير.. هكذا قالت كل تقارير التنمية البشرية لسنوات عشر متتالية.. هى الأفقر فى مصر.. أهلها ينتجون ثلاثة محاصيل رئيسية.. البصل.. والطماطم.. والبطاطس.. أفضل طماطم وبصل وبطاطس فى العالم.. وتخيل معاليك لا يوجد مصنع واحد يتعامل مع هذا الإنتاج.. فماذا تفعل وزارة التخطيط؟.. وماذا يفعل معالى وزير الاستثمار؟.. وماذا يفعل معالى وزير الزراعة وزميله وزير الرى؟.. لقد ذهبت منذ سنوات وفى يدى عرض من مستثمر كبير يرغب فى إنشاء مصنع بصل.. وبعد ٣ ساعات من المماطلة والمراوغة، اكتشفنا أن المحافظ والسكرتير العام لا يستطيعان تحديد نوع الاستثمار الذى تريده المحافظة.. ويناسب طبيعتها.. وأن الأمر يحدده من هم بالقاهرة.. فماذا فعلوا؟! لا شىء.. بالمناسبة لدينا من يريد أن يفعل ذلك مجددًا من أبناء المحافظة ولا يعرفون الطريق إلى مكتب سيادتكم.. فهل تعثرت بهم فى زيارتك.. بالقطع لا؟!
دعا الرئيس إلى زراعة ٤ ملايين فدان.. وفلاحو سوهاج من أيام مينا موحد القطرين الذى مررت بمسقط رأسه دون أن يخبرك أحد.. وهم مغروسون فى الأرض.. لكن أحدًا من وزرائك لا يريد لهم ذلك.. السادة فى وزارة الزراعة طلعوا عين اللى استصلح وزرع وأنتج ومستعد يدفع فى الفدان ٥٠ ألف جنيه مش ٥٠ جنيه زى المليونيرات إياهم.. لكن لا أحد يستجيب.. موظفو الزراعة يلقفونهم من وزارة إلى أخرى.. من مركز استخدامات أراضى الدول.. للآثار.. للرى.. وفى كل وزارة موظف عارف إمتى تقف المراكب السايرة.. وإمتى يمشى الورق لو جاى عن طريق سمسار، لماذا لم تحدد لهم شباكًا واحدًا يرحمهم من «السادة المرتشين»؟!.. ولماذا يطلب المسئولون عن الرى من مزارعى سوهاج الذهاب إلى قنا لطلب تصاريح حفر الآبار.. وبتوع قنا يقولولهم روحوا مصر.. وبتوع مصر يقولولهم روحوا الزراعة.. وبتوع الزراعة يقولولهم روحوا التعدين.. وفى الآخر.. كل واحد منهم بياخد توبه فى سنانه ويرجع غيطه وهوه بيسب ويلعن.. ويقول آخر مرة هتعامل مع الحكومة.
سوهاج يا سيادة معالى رئيس الوزراء.. يعنى أخميم التى ترقد على آلاف من القطع الأثرية.. وتحتاج إلى قرار جريء منكم لنقل الجبانات بدلاً من دفن كنوزنا تحتها وتركها نهبًا للهبيشة وتجار «الحضارات».. سوهاج يا باشمهندس بنايين وصنايعية.. ولا يجدون قطعة أرض واحدة لبناء مسكن عليها.. لأن المسئولين فى بلدنا «كمّروا» على كردونات وأحوزة القرى ومش عايزين يطلعوها!!.. فالناس خالفت القانون وبنت فى الزراعة.
سيدى الرئيس.. لدى واقعة لك.. أهديها إليك نموذجًا لما يحدث فى هذا البلد.. تقدم مواطن مصرى سوهاجى شريف بطلب تبرع عن قطعة أرض يملكها لبناء مدرسة عليها.. وأعلن استعداده لبنائها أيضًا بالمشاركة مع الأهالى فقط يحتاج إلى التراخيص ونماذج هيئة الأبنية التعليمية، ومرت ٥ سنوات كاملة ولم يرد عليه أحد.. ومازال ينتظر!! هذه بعض الحقيقة.. فهل تفكر فى زيارة سوهاج التى لا يعرفها المسئولون مجددًا.. بعد أن تسأل من يعرفونها.. نحن ننتظر.. وإن ماشالتكش الأرض نشيلك فى عينينا؟!