لا أستطيع إنكار أن فئة عريضة من المصريين صارت ترى في جو الفوضي والاضطراب السياسي مبرر وجود أو حياة لها، وبخاصة مع ما يرتبط به من عمليات تمويل واسعة النطاق، وفضاءات مضيئة تسمح لهم بالظهور العام والنجومية، والتنفيس عن ميول استعراضية عارمة، أو رغبات في إطلاق طاقات من التوتر المكبوت على مستويات شخصية قبل أن تكون وطنية.
ولقد مثلت عملية يناير 2011 ، وكل ما لحقها من عمليات هدم المؤسسات، وتلطيخ سمعة البارزين من قادة المجتمع ونجومه، وعمليات إقصاء مروعه لكل من كان يمثل عقبة تعترض طريق البعض في الصعود غير المبرر أو الترقي بدون معايير، وسائل للإبعاد والحصار والخنق والإطاحة _ تحت غطاءات تبدو ثورية أو سياسية _ وطريقاً لحسم المنافسات البينية أو التخلص من (أهل القمة) في كل مجال .
وإذا كان الاتهام الموجه إلي عصر الرئيس حسني مبارك بإطاحة المعايير وتجريف الكفاءات (والتي تضمن حكم محكمة القرن برئاسة المستشار الجليل محمود كامل الرشيدي إشارة له) هو اتهام صحيح بالفعل، فإن ذات التهمة انطبقت _ بنطاق أوسع وهيستيرية أشد _ في سنوات ما بعد عملية يناير 2011، وأخشي أنها خلقت ثقافة إجتماعية وسياسية ونفسية سيستمر تأثيرها لعقود قادته .
صار الإقصاء وترويع الخصوم السياسيين منهجاً يتواصل تطبيقه في الحياة العامة بمصر، وإذا صدقنا عشر معشار ما يدعيه نجوم عملية يناير وما بعدها عن حرصهم علي الصالح الوطني، فإننا نحتاج إلي دليل أو إثبات تمثل في جهد (مرئي بالعين المجردة) لتصالح القوى (المدنية) بما يؤسس للجمهورية الجديدة بمصر علي نحو صحيح .
وبيقين فإن السطور السابقة هي مدخل مناسب لبحث الجدل الذي ثار في مصر من جديد حول حكم دائرة المستشار محمود كامل الرشيدي علي الرئيس حسني مبارك ونجليه، ووزير الداخلية حبيب العادلي وستة من مساعديه، ورجل الأعمال حسين سالم .
وإذا كان الجدل بمثابة إعادة إنتاج لأجواء استبقت ولحقت عملية يناير، وصار من ألزم اللزومات تبديد سحبها لتتحرك مصر الجديدة إلي الأمام .. نحن أمام محاولة مستميتة من طبقة " الينايريين" لإستمرار أجواء الصدام والفوضي والكراهية البينية التي نجحوا عبرها في الوجود على الساحة العامة، واحتلوا مقاعد التحكم والسيطرة في عدد كبير من المؤسسات .
ونحن أمام فلول الإخوان الإرهابيين الذين تقطعت خيوط الربط بين خلاياهم وتنظيماتهم، وأعيقت مصادر تمويلهم، وضُربت ميليشياتهم العسكرية في أكثر من موقع وعلى نحو مؤثر للغاية، وصارت عملية استعادة مناخ الفوضي والتوتر هي فرصتهم الوحيدة لمعاودة إختراقهم الدولة ، والسعي إلي إسقاط مؤسساتها، وبناء دولة (دينية) مكانها، وبما يخالف ما توافقت عليه القوي المدنية باعتباره هدف ثورة 30يونيو الأساسي : ( بناء دولة مدنية عصرية حديثة) .. وبالإضافة إلي هؤلاء وأولئك فإن هناك بعضًا من مرتدي الأقنعة في (البال ماسكيه) أو الحفلة التنكرية السياسية التي تتري وقائعها في صالة الوطن ، والتي تضم بعضًا ممن يدعون الطهارة الوطنية، ومعاداة الإخوان فيما عقد أحدهم اجتماعًا صاخبًا لمدة اثنتي عشرة ساعة (علي يومين) مع خيرت الشاطر لبحث قيامه بإدارة (إعلام الإخوان) أثناء إطلاقهم لدولتهم، على أن يقوم خيرت بتولي جانب الإجراءات والماليات، في حين يقوم لابس القناع التنكري بإدارة الجانب الفني .
وهناك متنكر آخر _ لطالما هاجمني عندما أطلقت حلقات برنامجي التليفزيوني (حالة حوار) عام 2005 _ كاشفاً عنف جماعة الإخوان الإجرامية، وتاريخها الأسود في التآمر علي (الدولة) المصرية .. وقد سارع ذلك المتنكر مهرولاً متكفئاً _ حين وصل الإخوان إلي سُدة الحكم، واتصل بعصام العريان الكادر القيادي في تلك الجماعة ليعرض عليه أن يقوم وجريدته التي يرأس تحريرها، فيما يملكها أحد رجال الأعمال بدور (السيطرة علي المجتمع وتوجيهه لصالح الإخوان) .. ولما تجاهل الإخوان محاولته اللحوح والمتكررة، ظل يتحين فرصة أخري ليبيع نفسه في سوق النخاسة الصحفية لتلك الجماعة التي كانت كل التنبؤات تشير إلي بقائها طويلاً جداً في الحكم .
ولكن 30 يونيو عاجل ذلك المتنكر بإطاحة الإخوان وإنهاء حكمهم المتأزم المعتم العنكبوتي، فاندفع ذلك الصحفي المدهش يعدو سابقاً ظله، مقدماً نفسه إلي كل مسئولي النظام الجديد، ومهاجماً الإخوان بكل ما أوتي من سلاطة ووجه مكشوف .
........
كل أولئك ليس لديهم فرص للبقاء إلا في ظل إستمرار الفوضي وعدم الإستقرار، وقد ساءهم _ كثيراً _ أن ينجح السيسي بشعبيته الجارفة في استعادة بعض هدوء الشارع، وبعض دور إقليمي أو دولي محوري للبلد، فضلاً عن تحركه شديد الثقة والفهم نحو تنمية تتحدي سنوات التخلف .
ومن _ هنا _ تواصلت محاولات أولئك جميعاً في اهتبال أية فرصة لإثارة الارتباك، وتثوير المجتمع لإعاقة نهوض مصر مجدداً .
منذ أيام وجد أولئك فرصة لتجديد مساعيهم من أجل الفوضى، تمثلت في صدور أحكام القضاء في محاكمة القرن، والسعي من أجل تحويل تلك الأحكام إلي مواجهة جديدة تشق صف القوي المدنية، وتهلهل التماسك الوطني .. والموضوع كله شديد الافتعال .. إذ أن الجميع يعلمون أن المحكمة نظرت أوراقاً تتعلق باتهامات جنائية موجهة للمتهمين، وأن ناتج تلك الأوراق أسفر عن البراءة أو عدم جواز الإحالة، أو انقضاء المدة .
كما أن الجميع يدركون عدم وجود شيء اسمه : (المحاكمة السياسية) وكذلك فإن منطق اختراع تهم أو بلاغات يتم تقديمها بالتتابع، كلما حصل المتهم علي البراءة، هو أمر ليس فيه شيء من نصوص القانون أو روحه، وإنما هو تعبير عن ترصد وقصد وتدبر يستهدف إدانة المتهم وعقابه والسلام، فإذا لم تفلح محاولة، لا بأس من الشروع في محاولة أخري للإدانة .
ومع ذلك فقد احتوت حيثيات حكم القضاء في الموضوع المطروح أمام الهيئة الموقرة توصيفاً (سياسياً) هو الأدق في شأن العوار الذي أصاب حكم الرئيس حسني مبارك في سنواته الأخيرة.
كل ما جري _ بعد الحكم _ من محاولات تهييج الشارع، وإعادة البلد _ مرة أخري _ إلى المربع رقم واحد الذي قادتنا إليه عملية يناير 2011، كان هادفاً إلي ضرب محاولة السيسي بناء مصر الجديدة، ولم يك متعلقاً بموضوع القضية محل الحكم .. لا بل كانت محاولات ضرب الإستقرار هادفة إلى استمرار المناخ السياسي الذي يتيح للمستفيدين من طقس يناير السياسي استمرار تربحهم المعنوي والمادي والسياسي الذي جاءهم من الداخل وعبر البحار على نحو لم يتخيله أحدهم .
حكم البراءة ينبغي أن يكون صفحة نغلقها بحشمة تتناسب مع سيرة أحد أبطال الحرب، أخطأ وأصاب في حكمه كأي بشر .. وعلينا _ بعد ذلك _ أن ننصرف إلي بناء مصر الجديدة والتطلع إلى الأمام والتصدي لمحاولات التخريب والإثارة ومواصلة التآمر .
ولقد مثلت عملية يناير 2011 ، وكل ما لحقها من عمليات هدم المؤسسات، وتلطيخ سمعة البارزين من قادة المجتمع ونجومه، وعمليات إقصاء مروعه لكل من كان يمثل عقبة تعترض طريق البعض في الصعود غير المبرر أو الترقي بدون معايير، وسائل للإبعاد والحصار والخنق والإطاحة _ تحت غطاءات تبدو ثورية أو سياسية _ وطريقاً لحسم المنافسات البينية أو التخلص من (أهل القمة) في كل مجال .
وإذا كان الاتهام الموجه إلي عصر الرئيس حسني مبارك بإطاحة المعايير وتجريف الكفاءات (والتي تضمن حكم محكمة القرن برئاسة المستشار الجليل محمود كامل الرشيدي إشارة له) هو اتهام صحيح بالفعل، فإن ذات التهمة انطبقت _ بنطاق أوسع وهيستيرية أشد _ في سنوات ما بعد عملية يناير 2011، وأخشي أنها خلقت ثقافة إجتماعية وسياسية ونفسية سيستمر تأثيرها لعقود قادته .
صار الإقصاء وترويع الخصوم السياسيين منهجاً يتواصل تطبيقه في الحياة العامة بمصر، وإذا صدقنا عشر معشار ما يدعيه نجوم عملية يناير وما بعدها عن حرصهم علي الصالح الوطني، فإننا نحتاج إلي دليل أو إثبات تمثل في جهد (مرئي بالعين المجردة) لتصالح القوى (المدنية) بما يؤسس للجمهورية الجديدة بمصر علي نحو صحيح .
وبيقين فإن السطور السابقة هي مدخل مناسب لبحث الجدل الذي ثار في مصر من جديد حول حكم دائرة المستشار محمود كامل الرشيدي علي الرئيس حسني مبارك ونجليه، ووزير الداخلية حبيب العادلي وستة من مساعديه، ورجل الأعمال حسين سالم .
وإذا كان الجدل بمثابة إعادة إنتاج لأجواء استبقت ولحقت عملية يناير، وصار من ألزم اللزومات تبديد سحبها لتتحرك مصر الجديدة إلي الأمام .. نحن أمام محاولة مستميتة من طبقة " الينايريين" لإستمرار أجواء الصدام والفوضي والكراهية البينية التي نجحوا عبرها في الوجود على الساحة العامة، واحتلوا مقاعد التحكم والسيطرة في عدد كبير من المؤسسات .
ونحن أمام فلول الإخوان الإرهابيين الذين تقطعت خيوط الربط بين خلاياهم وتنظيماتهم، وأعيقت مصادر تمويلهم، وضُربت ميليشياتهم العسكرية في أكثر من موقع وعلى نحو مؤثر للغاية، وصارت عملية استعادة مناخ الفوضي والتوتر هي فرصتهم الوحيدة لمعاودة إختراقهم الدولة ، والسعي إلي إسقاط مؤسساتها، وبناء دولة (دينية) مكانها، وبما يخالف ما توافقت عليه القوي المدنية باعتباره هدف ثورة 30يونيو الأساسي : ( بناء دولة مدنية عصرية حديثة) .. وبالإضافة إلي هؤلاء وأولئك فإن هناك بعضًا من مرتدي الأقنعة في (البال ماسكيه) أو الحفلة التنكرية السياسية التي تتري وقائعها في صالة الوطن ، والتي تضم بعضًا ممن يدعون الطهارة الوطنية، ومعاداة الإخوان فيما عقد أحدهم اجتماعًا صاخبًا لمدة اثنتي عشرة ساعة (علي يومين) مع خيرت الشاطر لبحث قيامه بإدارة (إعلام الإخوان) أثناء إطلاقهم لدولتهم، على أن يقوم خيرت بتولي جانب الإجراءات والماليات، في حين يقوم لابس القناع التنكري بإدارة الجانب الفني .
وهناك متنكر آخر _ لطالما هاجمني عندما أطلقت حلقات برنامجي التليفزيوني (حالة حوار) عام 2005 _ كاشفاً عنف جماعة الإخوان الإجرامية، وتاريخها الأسود في التآمر علي (الدولة) المصرية .. وقد سارع ذلك المتنكر مهرولاً متكفئاً _ حين وصل الإخوان إلي سُدة الحكم، واتصل بعصام العريان الكادر القيادي في تلك الجماعة ليعرض عليه أن يقوم وجريدته التي يرأس تحريرها، فيما يملكها أحد رجال الأعمال بدور (السيطرة علي المجتمع وتوجيهه لصالح الإخوان) .. ولما تجاهل الإخوان محاولته اللحوح والمتكررة، ظل يتحين فرصة أخري ليبيع نفسه في سوق النخاسة الصحفية لتلك الجماعة التي كانت كل التنبؤات تشير إلي بقائها طويلاً جداً في الحكم .
ولكن 30 يونيو عاجل ذلك المتنكر بإطاحة الإخوان وإنهاء حكمهم المتأزم المعتم العنكبوتي، فاندفع ذلك الصحفي المدهش يعدو سابقاً ظله، مقدماً نفسه إلي كل مسئولي النظام الجديد، ومهاجماً الإخوان بكل ما أوتي من سلاطة ووجه مكشوف .
........
كل أولئك ليس لديهم فرص للبقاء إلا في ظل إستمرار الفوضي وعدم الإستقرار، وقد ساءهم _ كثيراً _ أن ينجح السيسي بشعبيته الجارفة في استعادة بعض هدوء الشارع، وبعض دور إقليمي أو دولي محوري للبلد، فضلاً عن تحركه شديد الثقة والفهم نحو تنمية تتحدي سنوات التخلف .
ومن _ هنا _ تواصلت محاولات أولئك جميعاً في اهتبال أية فرصة لإثارة الارتباك، وتثوير المجتمع لإعاقة نهوض مصر مجدداً .
منذ أيام وجد أولئك فرصة لتجديد مساعيهم من أجل الفوضى، تمثلت في صدور أحكام القضاء في محاكمة القرن، والسعي من أجل تحويل تلك الأحكام إلي مواجهة جديدة تشق صف القوي المدنية، وتهلهل التماسك الوطني .. والموضوع كله شديد الافتعال .. إذ أن الجميع يعلمون أن المحكمة نظرت أوراقاً تتعلق باتهامات جنائية موجهة للمتهمين، وأن ناتج تلك الأوراق أسفر عن البراءة أو عدم جواز الإحالة، أو انقضاء المدة .
كما أن الجميع يدركون عدم وجود شيء اسمه : (المحاكمة السياسية) وكذلك فإن منطق اختراع تهم أو بلاغات يتم تقديمها بالتتابع، كلما حصل المتهم علي البراءة، هو أمر ليس فيه شيء من نصوص القانون أو روحه، وإنما هو تعبير عن ترصد وقصد وتدبر يستهدف إدانة المتهم وعقابه والسلام، فإذا لم تفلح محاولة، لا بأس من الشروع في محاولة أخري للإدانة .
ومع ذلك فقد احتوت حيثيات حكم القضاء في الموضوع المطروح أمام الهيئة الموقرة توصيفاً (سياسياً) هو الأدق في شأن العوار الذي أصاب حكم الرئيس حسني مبارك في سنواته الأخيرة.
كل ما جري _ بعد الحكم _ من محاولات تهييج الشارع، وإعادة البلد _ مرة أخري _ إلى المربع رقم واحد الذي قادتنا إليه عملية يناير 2011، كان هادفاً إلي ضرب محاولة السيسي بناء مصر الجديدة، ولم يك متعلقاً بموضوع القضية محل الحكم .. لا بل كانت محاولات ضرب الإستقرار هادفة إلى استمرار المناخ السياسي الذي يتيح للمستفيدين من طقس يناير السياسي استمرار تربحهم المعنوي والمادي والسياسي الذي جاءهم من الداخل وعبر البحار على نحو لم يتخيله أحدهم .
حكم البراءة ينبغي أن يكون صفحة نغلقها بحشمة تتناسب مع سيرة أحد أبطال الحرب، أخطأ وأصاب في حكمه كأي بشر .. وعلينا _ بعد ذلك _ أن ننصرف إلي بناء مصر الجديدة والتطلع إلى الأمام والتصدي لمحاولات التخريب والإثارة ومواصلة التآمر .