أراد الرئيس السيسى أن يريح رأسه من الصداع الشديد الذى يحيطه ممن يغالون فى ثوريتهم إلى درجة الاعتقاد بأن ثورة يناير أصبحت ذاتا مقدسة، لا يجب أن يقترب منها أحد، فقرر أن يصدر قانونا يجرّم من خلاله الإساءة إلى ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.
لكن هل أنهى السيسى الأزمة بهذا القانون؟
الكارثة التى يواجهها السيسى أنه ركب السيل قبل أن يستقر إلى منتهاه، ولذلك إذا أراد أن يعالج مشكلة ظهرت مشاكل أخرى ربما أشد خطورة.
أنا أعتبر يناير ثورة شعبية هائلة، خرج الشعب المصرى يطالب فيها بحريته وكرامته ولقمة عيشه، لكن هذا لا يمنعنى أن أتحدث عنها بما أريد، وأن أتعامل معها كحدث كانت له خلفياته وصفقاته ونشطاؤه الذين تربحوا من ورائه.
كانوا يقولون إن ثورة يناير أظهرت أروع ما فى الشعب المصرى، يدللون على ذلك بحالة الانصهار الوطنى التى ظهرت خلال الـ ١٨ يوما فى ميدان التحرير، لكنها أظهرت أيضا أسوأ ما فينا ومن فينا، وهذه قصة طويلة أعتقد أننا فى حاجة إلى وقت طويل لنرويها.
من مكاسب ثورة يناير أنها منحت الشعب المصرى الحق فى أن يتحدث، أن ينتقد، أن يعارض، أن يعبر عما يريده دون خوف، ولم يكن مناسبا أن يفكر الرئيس أو الذين يحيطون به فى تحويل الحدث الذى منح المصريين الحرية إلى رمز للقمع، إذ ما معنى تجريم الإساءة لحدث سواء كان ٢٥ يناير، أو ٣٠ يونيو حتى، إلا منع الحديث، ولو بالتلميح، عن أى عيوب أو نقائص.
صيغة التوجيه بإصدار القانون يشوبها العوار، فالإساءة كلمة فضفاضة، فهل لو قلنا إن هناك من تربحوا من يناير نكون بذلك قد أسأنا إليها، وإذا قلنا إن هناك من وضعوا أيديهم فى أيدى من يريدون بمصر شرا وانقساما وتفتيتا نكون بذلك أسأنا إليها، وهل إذا قلنا إنها أفرزت مجموعة من النصابين والأفاقين صنعوا من أنفسهم رموزا لها نكون بذلك فى خانة من يهينون الثورة؟!.
كل مواطن حر فيما يقوله ويعتقده ويرى أنه صواب، وليس من حق أحد كائنا من كان، حتى ولو كان الرئيس السيسى نفسه، أن يمنع من يريد نقد الثورة أو حتى الإساءة إليها من الحديث، خاصة أن لدينا أحكاما قضائية الآن يمكن أن يبنى عليها البعض نسفا كاملا لثورة يناير، فما معنى أن يخرج المتهمون الذين دخلوا السجن على ذمة الثورة براءة، فهل أصبحت لدينا الآن ثورة من الأساس؟
أثناء حملته الانتخابية قال السيسى إنه ليس لديه فواتير لأحد كى يسددها، وما أعرفه أنه لا يقبل لىّ الذراع، فلماذا يقبل الابتزاز الآن؟ ما حدث بالفعل كان ابتزازا سياسيا، والنتيجة أن من ينتمون لثورة يناير سخروا من القانون باعتباره مجرد ورقة ألقاها الرئيس على قارعة الطريق ليتخلص من الزن على ودانه، فالقوانين فى بلدنا كثيرة، ولا أحد يطبقها أو يحترمها.
كل ما سيحدث أن القانون الذى يريد الرئيس إصداره ويعكف قانونيون الآن على إعداده سيتحول إلى قانون «اللى بالى بالك» سخرية منه، فالمصريون سيتحدثون وينتقدون ولن يمنعهم أحد من قول ما يريدون فى الثورة وفى غيرها، وعلى المتضرر أن يصمت لأنه لا أحد أقوى من الشعب.