لم أعتبر حسنى مبارك هو السجين الأول لثورة يناير أبدا.. لم أتعامل معه على أنه الرجل الذى انتفضت ضده ملايين المصريين تطالب بإسقاطه، وترفع الحذاء فى وجهه ووجه نظامه.. رغم أنه كان المسئول عن كل ما جرى لمصر من تخريب وتجريف لثرواتها ومقدراتها.. إلا أن من خرجوا كانوا يتحركون بدافع منع جمال من الوصول إلى الحكم.. بعد أن تأكدوا أن عملية التوريث ماضية فى طريقها دون أن يعطلها أحد.
لم يكن جمال مبارك ناجحا لأنه يمتلك قدرات خاصة تميزه عن بقية رفاقه من السياسيين، ولكنه فقط كان ابن ناظر المدرسة الذى يجامله الجميع من أجل التقرب لوالده والحصول على رضاه.. كان الوزراء يرافقونه فى جولاته رغم أن وضعه القانونى والدستورى لا يسمح بذلك، وكان كل من حوله ينادونه بالريس.. وبعد أن يسمعها ينتشى وينتفخ.. كان يعتبر الأمر مجرد تحصيل حاصل.
بعد البراءة التى صدرت لصالح مبارك وولديه ورجاله، حاول البعض ربما من باب الفراغ السياسى أن يتحدثوا عن حق جمال فى الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية فى 2018، هل يمكن أن نعتبر ما جرى نوعا من المراهقة السياسية والصحفية فى آن واحد؟ هى كذلك بالفعل.. فلم تنه الثورات المتعاقبة دور جمال مبارك السياسى فقط، ولكنها أنهت صلاحيته السياسية لأن يتولى أى منصب سياسى.
لا أريد من أحد أن يهتم بالبحث عن ظهير شعبى لجمال مبارك.. فلو كان له أو لأبيه ظهير شعبى لما سقطوا هذا السقوط، ولا أريد أن يفتش أحد عن رجال الأعمال والإعلام الذين يساندونه ويدعمونه، فهؤلاء فى الغالب يسددون فواتير قديمة مستحقة لا يستطيعون الهروب منها (أحد رجال الأعمال الذى يعمل بقلب وإخلاص، صرح أثناء تسجيل برنامج رمضانى منذ عامين أنه مستعد للتنازل عن نصف ثروته مقابل أن يخرج مبارك من سجنه.. وفى اليوم التالى طلب من فريق البرنامج أن يحذفوا هذه الجملة لأنه لا يريد مشاكل).. ولا أرغب فى البحث وراء مواهب وقدرات السيد جمال مبارك.. فقدراته تخصه (يقولون إنه كان موهوبا فى الاقتصاد وبليدا فى السياسة).
كل ما أريده أن نتوقف قليلا أمام ما جرى لجمال فى السنوات الماضية، أن نمسك بملامح وجهه فى اللحظة التى دخل فيها السجن.. لقد أتوا به من شرم الشيخ بحجة إجراء تحقيق معه، نزل من الطائرة فى مهبط مستشفى المعادى العسكرى، أركبوه مدرعة، خرج منها ليجد نفسه فى سجن طره، وأمام زنزانة باردة وجها لوجه.
هذه اللحظة تحتاج إلى طبيب نفسى يقول لنا ما الذى جرى للغلام الصغير، ما الذى تغير فى شخصيته، كيف أصبحت نظرته للشعب الذى أطاح بأحلامه مرة واحدة، وحوله من ملك متوج على عرش الحزب وينتظر التتويج على عرش الوطن، إلى مجرد سجين بلا حول ولا قوة.. هل كره الشعب كله، هل قرر أن ينتقم فى الوقت المناسب إذا جاءته الفرصة؟
هناك من يعتقد أن جمال مبارك يمكن أن يكون رئيسا لمصر بالفعل؟ وهناك من يتصور أن سنوات سجنه القصيرة كانت فرصة لإعداده ليكون سياسيا عظيما.. فالسياسيون الكبار دخلوا السجون، دون أن يلاحظ هؤلاء أن جمال دخل السجن بعد ثورة قامت على فساد أبيه وضد طموحه بوراثة البلد.. لم يكن مناضلا ولا صاحب قضية، ويفوت على هؤلاء أن السجن صنع من جمال مسخا سياسيا مشوها، كما صنع من محمد مرسى وكل من كانوا معه فى الحكم، بعد أن تمكنوا من كل شىء قرروا أن ينتقموا.. أن يذلوا الشعب الذى لم يقف معهم عندما كان يتم التنيكل بهم، وهو الأمر نفسه الذى سيفعله جمال، هذا على فرضية أنه يمكن أن يرفع رأسه أساسا بعد الخروج من السجن، فالشعب أهانه وأذله وأخرجه من جنته.. فهل ينتظر أحد منه خيرا؟.
لقد أنهى السجن أى صلاحية سياسية لجمال مبارك.. فلا تصدعوا رؤوسنا بهراء سياسى وفراع صحفى بالحديث عن المدعو جمال مبارك.