ذهبت ما أسموها بثورة الشباب المسلم إلى
مكانها اللائق، وهو بئر السخرية السحيق، الذي فاض على تلك الثورة المزعومة بكل ما
أوتي المصري من تاريخ لاذع في المقاومة عندما يواجه أمراً يفتقد المنطق، وعندما
قال دعاة 28 نوفمبر إنه يأتي للحفاظ على الهوية، فقد أثبت أن للغباء مؤسسات اسمها
تنظيمات المتأسلمين، فكانت دعوته واضحة وضوح الشمس بتكفير كل الشعب المصري واصطفى
التنظيم أنصاره فقط ليسبغ عليهم رداء الإسلام وما عداهم محض كفار يهددون الهوية.
ذهبت
ثورتهم أدراج الرياح يلاحقها خصومة حقيقية من الشعب المصري لدعاة التفرقة والتطرف
والاستبداد باسم الدين، يلاحقها دروس مستفادة ونتائج عملية شهدناها على مدار ذلك
اليوم الكئيب، ولو نظرنا لعمليات الحشد المعنوي التي سبقت 28 نوفمبر والتي مورست
من دعاة تلك الثورة داخل مصر وخارجها سنكتشف أنها بالفعل لم تكن أمرا سهلاً على
الإطلاق، وهو ما ساعد على حشد مواز للشرطة والجيش والشعب دفاعاً عن الدولة المصرية.
وتكفي
الإشارة هنا إلى تلك الملصقات التي انتشرت على جدران البيوت في غزة الأسيرة والتي
تقول ترقبوا الحدث الإسلامي الكبير يوم 28 نوفمبر، والإشارة كذلك إلى الحشد
الإعلامي من جزيرة قطر التي لم تترك لنفسها فرصة التوبة عن العبث بالشِأن المصري،
وكذلك أيضاً من المهم الإشارة إلى الحلم الأردوغاني الذي كان يرى أن 28 هو يوم
فارق على الأرض وعلى خريطة الصراع.
كل
تلك المؤشرات تذهب بنا إلى أن دعاوى 28 لم تكن فقاعات إعلامية، بل كانت أضغاث
أحلام منهم لتدمير الدولة المصرية وجرها للوراء، لذلك برز بقوة تعبئة على مستوى
عال من الشرطة والجيش، وفي مقابل تلك الاستعدادات غير المسبوقة، انسحب دعاة الفتنة
ولجأوا إلى جحورهم في انتظار فرصة أخرى تكون مواتية لهم.
انتهى
اليوم وانتشر الهدوء بعد منتصف الليل ونام الناس، وكان من المهم والضروري البحث عن
ما تبقى من رماد تلك المعركة التي لم تتم وبعيداً عن أي أوهام يمكن تصديرها فقد
تبقى من 28 نوفمبر تأكيد بتشظي تيارات الإسلام السياسي وانقسامهم واختلاف أهدافهم
وأن موجة التخوين والتكفير بين صفوفهم سوف تعلو خلال المرحلة القادمة ولعل أولها
ذلك البيان الذي صدر عن الجبهة السلفية بعد فشلهم الذريع متهمين بقية التيارات
المتأسلمة بخذلانهم والسعي خلف مصالحهم الضيقة، والمتابع لتصريحات الأخ الهارب
خالد سعيد مؤسس تلك الجبهة سيرى العجب العجاب من غرور مطلق قبل يومين وتأكيده على
أن مصر ستشهد يوم 28 موقعة قندهار الثانية إلى بكاء وولولة واتهامات للغير بعد فشل
ترتيباته.
وفي
ذات السياق عن ما تبقى من جمعة 28 سنجد أن حزب النور قد أعاد تدشين نفسه كحزب
سياسي، تجلى ذلك في خصومته المعلنة مع دعاة دعوة تلك الثورة المزعومة، ذلك التدشين
الجديد لحزب النور هو تمهيد واضح لانتخابات البرلمان وهنا تجدر الإشارة إلى أن ذلك
الحزب ما زال مخالفاً للدستور الذي يمنع قيام أحزاب على أساس ديني.
ومن
النتائج البارزة أيضاً هو ذلك الرد غير المباشر من الدولة المصرية على قطر وتركيا
ومن يدفعهم ضدنا سواء كانت أمريكا أو غيرها وتبلور مضمون الرد في عبارة واحدة تم
ترجمتها على الأرض وهي أن مصر قادرة على إفشال مخططاتكم مهما زرعتم من عملاء
متأسلمين في الجسد المصري.
أما
درة التاج في ذلك اليوم فكان استعراض القوة المتناغم للجيش والشرطة بالشارع المصري
ليطمئن الناس على أنهم يملكون درعاً وسيفاً قادرين على حمايتهم، رغم كل الصعاب
التي تواجهها الدولة في حربها ضد الإرهاب بسيناء وبؤر التخلف في القرى والمدن.
آراء حرة
ما تبقى من رماد 28 نوفمبر
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق