الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

25 يناير.. أزمة فروق التوقيت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما زال الوقت مبكرًا للوقوف على سر اللحظة الفارقة في حياة مصر، التي عرفت شعبيًّا بثورة 25 يناير، ولا يمكننا القول بأن ما نراه في الذكرى الثانية للثورة منقطع الصلة بالحدث الأم؛ فنحن أمام إعادة إنتاج مكثف لسيناريو 25 يناير/ 11 فبراير، وكان الملاحظ أن تحول المظاهرات والاعتصامات إلى ثورة يومها كان بسبب فروق التوقيت بين حركة الشارع وحركة السلطة الحاكمة..
وقد شبه البعض هذا بالمقارنة بالفرق الجيلي بين طرف يكتب بالقلم “,”الكوبيا“,” العتيد بما يمثله من بطء ورتابة، وآخر يكتب على الـ “,”الكي بورد“,”، ففي نفس الحيز الزمني يكاد جيل “,”الكوبيا“,” أن ينتهي من كتابة سطر على الأكثر، بينما يكون الجيل الشاب قد انتهى من كتابة فصل في كتاب.. فرق التوقيت هو الذي فجر الثورة وعجل بسقوط النظام العتيق..
واللافت أن الحال لم يبرح مكانه.. الشارع يغلي بما يتجاوز بدايات يناير الأولى كثافة واتساعًا، والقيادات السياسية تلتحف بالصمت وتُصدِّر الأمن لإدارة الأزمة، في إغفال لحقيقة أنه إذا تكررت نفس المقدمات فلا تتوقع أن تكون النتائج مختلفة عن التجربة الأولى.
وفي الحالين نحن أمام حزمة من الأسئلة المفتوحة غير المجابة، متكررة ومضافة ومخيفة؛ فوتيرة العنف والعنف المقابل تتصدر المشهد، ولا مجال للحديث عن مخربين أو طرف ثالث أو مؤامرة، ولا يمكن وصم الحراك المياديني بالخروج على الشرعية تأسيسًا على مقولة أن الرئيس قد جاء إلى موقعه عبر الصناديق، وأن على المعترضين الاحتكام لآلية الصناديق، وكأن أحدًا لا يتابع ما يحدث في أمهات الدول الديمقراطية، وما تعج به من مظاهرات ومصادمات تنقلها لحظيًّا وفي التوّ شبكات التواصل والفضائيات، ربما كان الأجدر الوقوف على التفاعل الصحيح معها هناك، وكيف يتم الاستجابة لها طالما كانت في اتجاه تصحيح المسار، بلا مكابرة أو استعلاء، الأزمة عندنا أننا اختزلنا الديمقراطية في التصويت، وهو حق يراد به باطل؛ فالتصويت منتج نهائي لمنظومة حياة، وممارسة متكاملة ليس لها وجود بيننا.
من يتابع المشهد يكتشف أن حالة الاختطاف التي تتبناها فصائل تيار الإسلام السياسي تقف وراء الغضب الهادر في الشارع، والتي تجاوزت طبيعية الصراع السياسي بين القوى السياسية المختلفة، ولعل ما حدث في تمرير الدستور خير مثال، منذ لحظة انسحاب العديد من القوى السياسية من جلسات الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور، والتي تصاعدت بانسحاب الكنائس المصرية، والتي قوبلت باستخفاف وخفة، لتستمر الجمعية في عملها وتصارع الزمن؛ حتى لا تسبقها المحكمة الدستورية فتبطل عملها وتشكيلها، وتجتمع الجمعية في جلستها الأخيرة في واقعة غير مسبوقة لتقطع الليل بطوله وتخرج علينا بدستور مختطف ومشوه غير عابئة بكل الرؤى الوطنية المخالفة، وتتسارع الخطوات لتختزل الإجراءات الطبيعية وتُسقط منها طرح المشروع للحوار المجتمعي، وتدور تروس الدولاب العتيق لتجري عملية الاستفتاء بنفس السياقات التي اعتدناها عبر ستة عقود، بلا زيادة أو نقصان.
كانت الوعود تتلاحق بالالتزام بالتوافقات، وكانت الأرض تشهد تكريسًا للاستحواذ.. يقطع الرئيس على نفسه وعودًا بإدارة حوار وطني لتجميع المختلف عليه في الدستور الوليد، وتقدم القوى الوطنية رؤيتها الموثقة، ويأتي مجلس الشورى في أول اختبار حقيقي -وهو يناقش مشروع قانون الانتخابات- ليطيح بهذا ويلقي به بعيدًا، ويصدر مشروعًا مشوهًا لا يلتفت لكل ما جاء به الحوار.
ثمة عامل استجد على الساحة استنفر الشارع تخوفًا على طبيعة الروح المصرية، ولوح بإمكانية لبننة أو أفغنة أو سودنة أو صوملة مصر بدرجات متفاوتة، عندما بدأ الترويج لتسليح كوادر من شباب الإخوان، ثم في مراوغات -لها سوابقها- يتداول الكلام بين مؤكد ومكذب، لنتفاجأ بترجمة عملية بحصار مدينة الإنتاج، وحديث عن تقديم “,”شهداء“,” بالملايين دفاعًا عن الاتحادية، وبفعل قانون التداعيات يخرج علينا من يبشرنا بتشكيل “,”الحرس الثوري“,”.. الصدمة تأتي من أن يحدث هذا في دولة مركزية عرفت الانضباط والأمن وقوة الدولة منذ أن عرفت كيف تضبط النيل وتوزيعات مياه الري عبر قرون..
والمثير أن هذا الكلام سبقه إصرار على انزواء قوات الأمن النظامية وتنحيتها بعد تلويثها وإفقادها احترامها في الشارع، وبعد دعم تحويل العاصمة إلى كيان عشوائي كبير، وسيطرة البلطجية على مفاصلها، وتحويل شوارعها إلى سوق مفتوح يقتحم أرصفتها وأرقى أحيائها. وبين ثنايا هذا تخرج علينا أصوات من داخل المنظومة الأمنية تطالب بحقها في إظهار هويتها الدينية بإطلاق اللحى وغيرها من مظاهر التدين، غير عابئة بحيادية منظومة الأمن، والتزامها المهني تجاه كل المواطنين على اختلاف انتماءاتهم، ولعل هذا يلقي بشيء من الإضاءة لفهم حدة التصدي الأمني على غير المتوقع للمتظاهرين في الموجة الثانية لثورة يناير أول أمس، وهو ما يخفي توجهًا ما لاختزال الأمن في المربع السياسي، وهي خطيئة النظام السابق التي عجلت بسقوطه.
على أن اللافت أن غياب الدولة خلق بدائل شعبوية ترتد بنا إلى ما قبل الدولة، ويتسيد العرف على القانون، والبلطجة على الأمن، والحلول الفردية على الالتزام الجماعي، وهو أمر يأتي في سياق إقليمي ودولي مختلف، وبالضرورة سينعكس على التقييم الاقتصادي لها، فلا نمو اقتصاديًّا في غياب الأمن ومن ثم الاستقرار، ولا استثمارات قائمة أو قادمة والفوضي هى سيدة الموقف، وهكذا تدور عجلة الانهيار بلا توقف.
ظني أن الأمر يحتاج إلى شجاعة مواجهة النفس والاعتراف بخلل إدارة الأزمة والدولة، ولا مخرج إلا بتجميد التصعيد من قبل أصحاب القرار، وتوفر الإرادة السياسية لديهم بإجراء تصحيح فوري للموقف وإجراء مصالحات وطنية حقيقية تتجاوز سيل الوعود والدعوة لحوار وطني لا يرتكن لفرضية الإذعان، فالمؤشرات تقول بأن البديل كارثي.
يا جميع أولي الأمر.. إما الحوار أو الانتحار!