الأحد 06 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

أحمد طوغان.. المثقف العضوي المصري بامتياز

فنان الكاريكاتير
فنان الكاريكاتير المصري الراحل أحمد طوغان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"إنه المثقف العضوي المصري بامتياز" وإن تعددت الصفات التي اطلقها النقاد على فنان الكاريكاتير المصري الراحل أحمد طوغان ما بين وصفه بأنه "أحد أبرز أعمدة الكاريكاتير السياسي في مصر والعالم العربي" بقدر ماهو "فنان الحارة المصرية" وخير من يعبر عنها أو"عميد رسامي الكاريكاتير" و"شيخ الفنانين الساخرين في الصحافة المصرية".
ولقد ارتبط مصطلح "المثقف العضوي" بالمفكر الإيطالي انطونيو جرامشي الذي نحت هذا المصطلح الدال على المثقف المرتبط بالجماهير والراغب في التغيير من أجل خدمة قضايا الشعب فإن للمصطلح تجلياته المتعددة في حياة ومسيرة فنان الكاريكاتير المصري أحمد طوغان.
وبكلمات دالة على معنى "المثقف العضوي" قال أحمد طوغان: "قضيتي طوال عمري هي الناس" ومن هنا فقد تناول قضايا الفساد وسوء التعليم والبطالة وقوارب الموت كما تناول قضايا الحرية والعدل والتقدم.
ولعل من أعظم إنجازات أحمد طوغان "حماية المثقف المرتبط بالجماهير في داخله عن الترخص ومقاومة كل العوامل التي يمكن أن تفصله عن الشعب أو تعزله بعيدا عن نبض رجل الشارع".
ويعد أحمد طوغان الذي قضى عن عمر يناهز الـ88 عاما نموذجا للمثقف الوطني المنتمي بحق للضمير المصري وقد انخرط بقوة في غمار الحياة الثقافية والسياسية المصرية منذ أربعينيات القرن العشرين وارتبط بصداقة وثيقة مع الرئيس الراحل أنور السادات كما ربطته أقوى الصلات الثقافية مع كتاب وصحفيين ساخرين مثل عباس الأسواني ومحمود السعداني وزكريا الحجاوي.
ووصفه الرئيس الراحل انور السادات بأنه "فنان صنعته الآلام" وهو الوصف الذي استخدمه أحمد طوغان فيما بعد كعنوان لسيرته الذاتية غير أن بعض رفاق مسيرته الثقافية يصفونه "بعميد رسامي الكاريكاتير في مصر" والبعض الآخر يصفه بأنه "الفنان المناضل".
وعلى مدى أكثر من 6 عقود تشكل الرسوم الكاريكاتورية لأحمد طوغان بسخريتها اللاذعة والمحببة للمصريين شهادة الفنان المثقف على التحولات في المشهد المصري فيما لم يخف انحيازه الأصيل أبدا لرجل الشارع أو المواطن العادي في مواجهة كل من يريد به سوءا.
وأحمد طوغان الذي كان رئيس "الجمعية المصرية للكاريكاتير" كان فنانا تشكيليا كبيرا شأنه في ذلك شأن بعض مشاهير فن الكاريكاتير في مصر مثل الراحل مصطفى حسين الذي كان رئيسا للجمعية من قبل فيما تكشف لوحاته التشكيلية وان كانت قليلة عن اهتمام اصيل بالعادات والتقاليد الشعبية المصرية مثل "السبوع" و"دقة الزار" و"المحمل".
وكان نقيب التشكيليين المصريين حمدي أبو المعاطي قد أعلن في سياق نعيه لهذا الفنان الكبير أن أعمال طوغان "ستبقى ذخيرة للأجيال المقبلة"، لافتا إلى أنه "صاحب بصمة في الصحافة والفن التشكيلي معا".
والمعرض الأخير لطوغان الذي أقيم في شهر سبتمبر الفائت ب"قاعة بيكاسو" تحت عنوان دال هو:"حكايات من زمن فات" وضم نحو 60 عملا فنيا ليعود في هذه الأعمال التي استخدم فيها الألوان المائية والمساحات التشكيلية بالأبيض والأسود لأيام الصبا وسنوات التكوين والنضال في اربعينيات القرن العشرين وكأن الحنين قد استبد بهذا الفنان "لزمن مفعم بحلاوة الفن ومحبب لقلبه" فيما حال مرضه دون حضوره افتتاح هذا المعرض.
وطوغان الذي كان نجم الليالي الحلوة في الأيام الخوالي بمقاهي القاهرة والجيزة العامرة بالمثقفين وخاصة " مقهى عبد الله" هو أحد أبرز مؤسسي جريدة الجمهورية عندما صدرت في خمسينيات القرن الماضي كلسان حال ثورة 23 يوليو فيما كان صاحب امتياز الجريدة جمال عبد الناصر ورئيس تحريرها أنور السادات.
ولن ينسى تاريخ الصحافة والثقافة العربية الدور النبيل لأحمد طوغان ابن صعيد مصر في دعم الأشقاء الجزائريين أثناء سنوات المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، حيث أسهم بفنه ورسومه الكاريكاتورية، فضلا عن الكلمة في صحف المقاومة الجزائرية كما اسهم بدوره الثقافي التنويري في مؤازرة الأشقاء في اليمن ناهيك عن القضية الفلسطينية.
وعلى المستوى العالمي، عرف أحمد طوغان الذي ولد في ديروط بمحافظة المنيا بعض أبرز رموز الثورة والتحرر الوطني وفي مقدمتهم المناضل تشي جيفارا ولم يكن غريبا أن تمثل ثورة 25 يناير 2011 "عودة الروح" لهذا الفنان المثقف والقاريء الموهوب "لمفردات الحياة المصرية ومزاج رجل الشارع".
وتجاوزت وظيفة الكاريكاتير عند طوغان متعة الفكاهة لتشمل فضح الفساد والظلم والانحراف فيما رأى أن "المثقف يتأثر بالأحداث ولايمكن أن يعيش في برج عاجي وإذا لم يرتبط المثقف بالناس فقد دوره وصفته كمثقف ".
ولأنه "مثقف حقيقي وعضوي" فقد ناصر أحمد طوغان دوما الحريات وناهض الديكتاتورية والطغيان سواء بالكاريكاتير أو الكتب التي بلغ عددها سبعة كتب تحوي رؤيته لوطنه والعالم كما شارك مصطفى حسين إصدار ورئاسة تحرير "مجلة كاريكاتير" واهتم بالتأريخ لفن الكاريكاتير في مصر.
ولم يتردد أحمد طوغان في القول بأن "معركة مصر ثقافية في المقام الأول وأن للمثقف الدور الأول في تغيير الأوضاع للأفضل لأنه يمتلك الوعي لفهم مايجري" بل إنه توقع أن تكون الحروب القادمة "حروب ثقافية قبل أي شيء آخر".
ولعلها إشارة كاشفة لتكوينه الثقافي الثري أن يكون أحمد طوغان من أكثر فناني الكاريكاتير في مصر إصدارا للكتب ومن بينها كتاب "ايام المجد في وهران" عن المقاومة الجزائرية فيما أكد هذا الفنان المصري الموهوب دوما على أن "العروبة لن تموت لأن مصير العرب واحلامهم واحدة مهما اختلفوا".
واستقبل الكثير من المثقفين المصريين بارتياح ظاهر في صيف هذا العام نبأ منح جائزة النيل للفنون لفنان الكاريكاتير أحمد طوغان فيما جاءت هذه الجائزة التي تبلغ قيمتها 400 ألف جنيه إلى جانب ميدالية من الذهب تكريما لمسيرة مثقف وطني تمكن عبر فن الكاريكاتير من نقل نبض الشارع المصري ووضع بصمته المميزة على هذا الفن الذي بدأ في مصر بثلة من فنانين اجانب وإن تمصروا بالروح والمزاج مثل صاروخان الأرمني ورفقي التركي وسانتوس الأسباني.
واختص طوغان الفنان الراحل عبد المنعم رخا باشادة مميزة حيث وصفه بأنه "استاذه الذي اثر فيه فنيا وانسانيا"، لافتا إلى أنه "فتح ابواب الكاريكاتير امام المصريين".
وبعد فنان الكاريكاتير المصري عبد المنعم رخا جاء جيل طوغان وزهدي وعبد السميع ثم صلاح جاهين وحجازي والليثي وجورج البهجوري الذي حظت أعماله باهتمام واضح في معرض عالمي لرسامي الكاريكاتير كان قد أقيم في مدينة كاين عاصمة مقاطعة نورماندى الواقعة شمال غرب فرنسا.
ومن نافلة القول إن أحمد طوغان أحد ممثلي فن الكاريكاتير العربي على المستوى العالمي تماما مثل مصطفى حسين وصلاح جاهين وجورج البهجوري والفنان السوري على فرزات والراحل الفلسطيني ناجي العلي وهو إلى ذلك يشكل علامة دالة على العلاقة الوثيقة بين الصحافة والفن والدور الثقافي والتنويري للصحف التي عرف طريقه لها منذ أن فتحت مجلة "الساعة 12" أبوابها لهذا الفتى الموهوب في عام 1947وإن تعرض لمضايقات من منافسيه ايامئذ.
وقبل عمله المديد في جريدة الجمهورية نشر طوغان رسومه الكاريكاتورية في صحف ومجلات عديدة من بينها الاخبار وروز اليوسف وكان من بين اصدقائه مبدع القصة القصيرة الدكتور يوسف ادريس والناقد الكبير انور المعداوي فيما نوه بأن الرئيس الراحل انور السادات كان "مثقفا كبيرا ومن أفضل من يقرأ الشعر".
وإذا كان الرسام الأسبانى كاب وزميله البلجيكى كرول فضلا عن الفنان الفرنسى الكبير في عالم الكاريكاتير جان بالنتو علامات معاصرة في هذا الفن فإن أحمد طوغان أدرك أهمية الكاريكاتير كسلاح مقاوم منذ سنوات الحرب العالمية الثانية بعد أن لاحظ الدور الكبير لرسامي الكاريكاتير الانجليز في رفع الروح المعنوية لشعبهم وجنودهم في مواجهة المانيا النازية بترسانتها الحربية المتفوقة.
ورأى طوغان علاقة العمل والابداع بالفكرة والكلمة والرسم بين الراحلين أحمد رجب ومصطفى حسين "علاقة فريدة وحالة جديرة بالدراسة" فيما يحق القول إن هذا العام الذي بدأ في ترتيبات الرحيل كان "عام الحزن في عالم الكاريكاتير المصري" حيث شهد رحيل اثنين من أكبر رموزه واساطينه وهما مصطفى حسين وأحمد طوغان.
انهما معا من عباقرة فن الإمساك باللحظة المصرية والتقاط واقتناص ما يهم رجل الشارع وهو ما يدخل بالفعل في خبايا الإبداع التي لايمكن تفسيرها بالعقل أو الحديث عنها بالمنطق والاتكاء على مرجعية أو مراجع.
وشأنه شأن مصطفى حسين كان أحمد طوغان هو الفنان الحق والقادر على الإمساك باللحظة حتى لا تضيع للأبد بأعاجيبها ومدهشاتها. إنه يبدد الزهق الذي قد يعربد في جنبات النفس وبين الضلوع الصابرة.
وبالقدر ذاته يشكل منجزه الشاهق في فن الكاريكاتير دقائق الذاكرة المصرية وتفاصيل الحلم الكبير والنبيل في الخلاص من كل قبح على قاعدة الحرية والعدالة والكرامة فيما يبقى أحد الكبار الذين شكلوا ثقافيا القوة الناعمة لمصر في محيطها العربي والإنساني.
تحية لروح مثقف عضوي مصري فنان كبير ونبيل..تحية لأحمد طوغان الضمير المرئى للشارع المصرى و"الناس" وكسر المسافة الملتبسة بين القارىء والصحافة ليتحقق التواصل المنشود والوصل الذي لايعرف التكلف بين شريكين !.