بنيامين زئيف هرتسل ( تيودور ) صاحب فكرة الدولة اليهودية، ومؤسس الحركة الصهيونية السياسية، ولد في بودابست بالمجر عام 1860 لعائلة ابتعدت عن أصولها اليهودية، ولكنه تربى على روح الثقافة اليهودية - الألمانية التي سادت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره انتقل مع والديه إلى فيينا حيث أنهى دراسته في كلية الحقوق، وعندما أنهى دراسته اتضح له أنه لا تتوفر له أي فرصة لتعيينه قاضيًا، بسبب كونه يهوديًا، فعمل بالصحافة والأدب القصصي والمسرحي.
وقد بدأ انشغال هرتسل بالمشكلة اليهودية خلال عمله بالصحافة، حين ذهب إلي باريس بصفته مراسلًا صحفيًا ليغطي قضية الضابط الفرنسي اليهودي درايفوس التي تتلخص في أنه قد تبين للسلطات الفرنسية أن مجموعة من الوثائق عن المدفعية الفرنسية قد سلمها ضابط فرنسي إلي السفارة الألمانية في باريس عام 1894، و اتهم درايفوس بأنه هو ذلك الضابط الخائن، و من ثم فقد أدين وجرد من رتبته وحكم عليه بالسجن مدي الحياة، و حدث بعد ذلك أن تولي رئاسة المخابرات الفرنسية من اكتشف براءة درايفوس ، بعد أن قضي عامين في السجن.
وثارت القضية من جديد باعتبارها تجسيدًا للمشكلة اليهودية بما تعنيه من اضطهاد لليهود، وانقسم الرأي العام الفرنسي تجاه قضية درايفوس إلي أغلبية يسارية تعترض وتطالب بإعادة المحاكمة، وأقلية يمينية ومعها الجيش تطالب بإغلاق الملف واستمرار العزل والسجن حتي بعد ثبوت البراءة، وانطلقت المظاهرات اليمينية الصاخبة في شوارع باريس ترفع الشعارات المعادية لليهود، ورغم أن احتجاجات المثقفين الفرنسيين التي شكلت بداية مبكرة لما يعرف بثورات المثقفين، نجحت في النهاية في إعادة محاكمة درايفوس وفى حصوله على البراءة بالفعل، بل وعلى وسام الشرف عام 1906، إلا أن المظاهرات الصاخبة المعادية لليهود، قد تركت تأثيرها البالغ علي العديد من المثقفين اليهود، ومن بينهم هرتسل.
ومما هو جدير بالذكر أن هذا الضابط الفرنسى قد رفض استغلال اليهود الصهاينة وقتها وعلى رأسهم هرتسل للمحاكمة ورفض استقبالهم انطلاقًا من إيمانه ورفضه للمشروع الصهيونى الداعي إلي انفصال اليهود عن أوطانهم الأصلية وإقامة دولة مستقلة لهم، واعتبر أن قضيته قضية فرنسية بالأساس، لا علاقة لها بديانته.
لقد كانت وجهة نظر هرتسل كما كتبها عام 1892 قبل احتكاكه بقضية درايفوس تتمثل في أنه من الممكن حل القضية اليهودية بواسطة تعميد كل الأولاد اليهود كمسيحيين، ولكن قضية درايفوس كانت بمثابة نقطة التحول التي غيرت وجهة نظره تماما.
وفي عام 1896 – العام الذي اكتشفت فيه براءة درايفوس-، أصدر هرتسل كتابه الشهير " دولة اليهود " - وليس "الدولة اليهودية " - الذي طرح فيه بوضوح أن الحل الوحيد للمشكلة اليهودية هو حل سياسي يتمثل في إنشاء دولة لليهود • وثمة ملاحظات أربع تستوقف النظر في مضمون هذا الكتاب التاريخي.
الملاحظة الأولي:
أن الكتاب لم يتضمن تحديدًا لمكان الدولة المقترحة طارحًا علي اليهود المفاضلة بين الأرجنتين وفلسطين ويورد عادل غنيم في مقدمته لترجمة كتاب الدولة اليهودية للعربية نص رسالة بعث بها هرتسل إلي آل روتشيلد بتاريخ 14/6/1895 يقول فيها:
" حالما تتألف الجمعية اليهودية ستدعو إلي مؤتمر يشمل عددا من الجغرافيين اليهود ليقرروا، لأنه بمساعدة هؤلاء العلماء الذين يخلصون لنا بحكم يهوديتهم، يتم تقرير المكان الذي سنهاجر إليه، لأني سأخبركم الآن كل شيء عن "أرض الميعاد" إلا عن مكانها. هذه مسألة علمية صرفة، لأننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار العوامل الجيولوجية و الطقس و غيرها من العوامل الطبيعية ... لقد فكرت أولا بفلسطين, التي لها ميزة أنها مركز شعبنا و أجدادنا الذي لا ينسي, وهذه حقيقة تجتذب العامة من الناس، و لكن معظم اليهود لم يبقوا بعد شرقيين. وقد تعودوا علي مناطق مختلفة كل الاختلاف... ولكني مبدئيا لست ضد فلسطين و لا مع الأرجنتين، علينا فقط أن نجد طقسا منوعا يلائم اليهود الذين هم متعودون علي البرد، وهؤلاء المتعودون علي طقس أدفأ..."
الملاحظة الثانية:
أن هرتسل لم يستشهد في هذا الكتاب بأية نصوص توراتية ، بل انه كان حريصًا علي الإشارة إلي اليهودية باعتبارها هوية قومية • حتي أنه يقرر بوضوح " لن نسمح إذن بظهور أية نزعات ثيوقراطية لدي سلطاتنا الروحية ، وسوف نعمل علي إبقاء هذه السلطات داخل الكنيس والمعبد"
ولم يبذل هرتسل أي جهد لتعريف يهودية الدولة التي يقصرها على وجود أغلبية يهودية تعتبرها دولتها الوطنية، وهو لا يرمز حتى لمعنى يهوديتها، ولا يوجد في كتابه هذا أي تفصيل لمعنى يهودية الدولة. كل ما في الأمر أنه أراد دولة تشكل تعبيراً قومياً عن اليهود، فيها أغلبية لليهودية، وتحول اليهود إلى شعب كباقي الشعوب الأوروبية، كما يفهمها هو طبعًا.
الملاحظة الثالثة:
أن الكتاب لم يتعرض من قريب أو بعيد لقضية إحياء اللغة العبرية• ولعله مما يستوقف النظر أن هرتسل قد قضي حياته لا يعرف اللغة العبرية • ويقال إنه أراد مرة أن يترك أثرًا قويًا علي نفوس المجتمعين في المؤتمر الصهيوني الخامس الذي انعقد في بازل في ديسمبر عام 1906 ، فتلا الشعار الصهيوني حول عدم نسيان أورشليم بالعبرية بعد أن كتبت له الكلمات بالحروف اللاتينية •
الملاحظة الرابعة:
أن هرتسل قد أكد في هذا الكتاب أنه لكي يتحقق قيام تلك الدولة الصهيونية فلا بد من أن يحظى ذلك بموافقة ومساندة إحدى الدول الكبرى.
وقد بدأ انشغال هرتسل بالمشكلة اليهودية خلال عمله بالصحافة، حين ذهب إلي باريس بصفته مراسلًا صحفيًا ليغطي قضية الضابط الفرنسي اليهودي درايفوس التي تتلخص في أنه قد تبين للسلطات الفرنسية أن مجموعة من الوثائق عن المدفعية الفرنسية قد سلمها ضابط فرنسي إلي السفارة الألمانية في باريس عام 1894، و اتهم درايفوس بأنه هو ذلك الضابط الخائن، و من ثم فقد أدين وجرد من رتبته وحكم عليه بالسجن مدي الحياة، و حدث بعد ذلك أن تولي رئاسة المخابرات الفرنسية من اكتشف براءة درايفوس ، بعد أن قضي عامين في السجن.
وثارت القضية من جديد باعتبارها تجسيدًا للمشكلة اليهودية بما تعنيه من اضطهاد لليهود، وانقسم الرأي العام الفرنسي تجاه قضية درايفوس إلي أغلبية يسارية تعترض وتطالب بإعادة المحاكمة، وأقلية يمينية ومعها الجيش تطالب بإغلاق الملف واستمرار العزل والسجن حتي بعد ثبوت البراءة، وانطلقت المظاهرات اليمينية الصاخبة في شوارع باريس ترفع الشعارات المعادية لليهود، ورغم أن احتجاجات المثقفين الفرنسيين التي شكلت بداية مبكرة لما يعرف بثورات المثقفين، نجحت في النهاية في إعادة محاكمة درايفوس وفى حصوله على البراءة بالفعل، بل وعلى وسام الشرف عام 1906، إلا أن المظاهرات الصاخبة المعادية لليهود، قد تركت تأثيرها البالغ علي العديد من المثقفين اليهود، ومن بينهم هرتسل.
ومما هو جدير بالذكر أن هذا الضابط الفرنسى قد رفض استغلال اليهود الصهاينة وقتها وعلى رأسهم هرتسل للمحاكمة ورفض استقبالهم انطلاقًا من إيمانه ورفضه للمشروع الصهيونى الداعي إلي انفصال اليهود عن أوطانهم الأصلية وإقامة دولة مستقلة لهم، واعتبر أن قضيته قضية فرنسية بالأساس، لا علاقة لها بديانته.
لقد كانت وجهة نظر هرتسل كما كتبها عام 1892 قبل احتكاكه بقضية درايفوس تتمثل في أنه من الممكن حل القضية اليهودية بواسطة تعميد كل الأولاد اليهود كمسيحيين، ولكن قضية درايفوس كانت بمثابة نقطة التحول التي غيرت وجهة نظره تماما.
وفي عام 1896 – العام الذي اكتشفت فيه براءة درايفوس-، أصدر هرتسل كتابه الشهير " دولة اليهود " - وليس "الدولة اليهودية " - الذي طرح فيه بوضوح أن الحل الوحيد للمشكلة اليهودية هو حل سياسي يتمثل في إنشاء دولة لليهود • وثمة ملاحظات أربع تستوقف النظر في مضمون هذا الكتاب التاريخي.
الملاحظة الأولي:
أن الكتاب لم يتضمن تحديدًا لمكان الدولة المقترحة طارحًا علي اليهود المفاضلة بين الأرجنتين وفلسطين ويورد عادل غنيم في مقدمته لترجمة كتاب الدولة اليهودية للعربية نص رسالة بعث بها هرتسل إلي آل روتشيلد بتاريخ 14/6/1895 يقول فيها:
" حالما تتألف الجمعية اليهودية ستدعو إلي مؤتمر يشمل عددا من الجغرافيين اليهود ليقرروا، لأنه بمساعدة هؤلاء العلماء الذين يخلصون لنا بحكم يهوديتهم، يتم تقرير المكان الذي سنهاجر إليه، لأني سأخبركم الآن كل شيء عن "أرض الميعاد" إلا عن مكانها. هذه مسألة علمية صرفة، لأننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار العوامل الجيولوجية و الطقس و غيرها من العوامل الطبيعية ... لقد فكرت أولا بفلسطين, التي لها ميزة أنها مركز شعبنا و أجدادنا الذي لا ينسي, وهذه حقيقة تجتذب العامة من الناس، و لكن معظم اليهود لم يبقوا بعد شرقيين. وقد تعودوا علي مناطق مختلفة كل الاختلاف... ولكني مبدئيا لست ضد فلسطين و لا مع الأرجنتين، علينا فقط أن نجد طقسا منوعا يلائم اليهود الذين هم متعودون علي البرد، وهؤلاء المتعودون علي طقس أدفأ..."
الملاحظة الثانية:
أن هرتسل لم يستشهد في هذا الكتاب بأية نصوص توراتية ، بل انه كان حريصًا علي الإشارة إلي اليهودية باعتبارها هوية قومية • حتي أنه يقرر بوضوح " لن نسمح إذن بظهور أية نزعات ثيوقراطية لدي سلطاتنا الروحية ، وسوف نعمل علي إبقاء هذه السلطات داخل الكنيس والمعبد"
ولم يبذل هرتسل أي جهد لتعريف يهودية الدولة التي يقصرها على وجود أغلبية يهودية تعتبرها دولتها الوطنية، وهو لا يرمز حتى لمعنى يهوديتها، ولا يوجد في كتابه هذا أي تفصيل لمعنى يهودية الدولة. كل ما في الأمر أنه أراد دولة تشكل تعبيراً قومياً عن اليهود، فيها أغلبية لليهودية، وتحول اليهود إلى شعب كباقي الشعوب الأوروبية، كما يفهمها هو طبعًا.
الملاحظة الثالثة:
أن الكتاب لم يتعرض من قريب أو بعيد لقضية إحياء اللغة العبرية• ولعله مما يستوقف النظر أن هرتسل قد قضي حياته لا يعرف اللغة العبرية • ويقال إنه أراد مرة أن يترك أثرًا قويًا علي نفوس المجتمعين في المؤتمر الصهيوني الخامس الذي انعقد في بازل في ديسمبر عام 1906 ، فتلا الشعار الصهيوني حول عدم نسيان أورشليم بالعبرية بعد أن كتبت له الكلمات بالحروف اللاتينية •
الملاحظة الرابعة:
أن هرتسل قد أكد في هذا الكتاب أنه لكي يتحقق قيام تلك الدولة الصهيونية فلا بد من أن يحظى ذلك بموافقة ومساندة إحدى الدول الكبرى.