السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لماذا يتحدث السيسى أكثر مما ينبغى؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل ثورة يونيو وتحديدًا فى الشهور التى مهدت لها، كانت الكلمات القليلة التى يخرج بها السيسى علينا مثل الترياق، دواء لداء كنا نعرف أنه يريد أن يتمكن منا جميعا، كان يمنح المحبطين طاقة من الأمل، فلدينا قائد جيش يدرك تمامًا المخاطر التى تتعرض لها مصر على يد جماعة شاذة ومنحرفة ومتطرفة.. وحتمًا سينحاز إلى الشعب إذا غضب.
وضع المصريون، الكلمات القليلة التى ألقاها السيسى يوم 3 يوليو، معلنا من خلالها عزل محمد مرسى إلى جوار قلوبهم، بل سجلوا اللحظة التى وقف فيها ناصرا ومناصرا لهم فى سجل الكلمات الخالدة، التى لم يلتفتوا لما قيل بعدها من كلمات، فالقائد تحدث، ولا حاجة بعد ذلك لأن نسمع من أحد، حتى لو ضمت قائمة المتحدثين بعده شيخ الأزهر والبابا والبرادعى وشباب تمرد.
خلال الشهور التى تلت الثورة، كانت كلمات السيسى مصدرًا للاطمئنان.. حتى وصل مع مريديه ومعجبيه إلى ذروة التلاقى، فى 24 يوليو 2013، عندما طلب من الجميع أن ينزلوا إلى الميادين يوم الجمعة 26 يوليو ليمنحوه تفويضًا ليواجه العنف والإرهاب المحتمل.. سمع منه المصريون ما جعلهم أسرى له ولما يقوله بعد ذلك، دخل لهم من زاوية خاصة جدًا، من ناحية قلوبهم، قال إنه لا يحق له أن يطلب منه شيئا، لكنه يطلب منهم أن يمنحوه تفويضًا لمواجهة تبعات ما جرى بعد الثورة.
كان صادقا فصدقه الجميع.. بل أصبح عند المصريين بعد ذلك مصدقا لا يكذب أبدًا.
قبل أن يرشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية امتنع السيسى عن الكلام، كان يعرف أن أى كلمة ستحسب عليه، كانت لديه قناعة أن المصريين هم الذين يريدون رئيسًا، كان يرفض الحديث معه على أنه مرشح للرئاسة، ويصر على أنه مستدعى من الشعب، أحد رجال الأعمال قال له فى لقاء معه، ربنا يعينك على مسئولياتك يا ريس، فاعترض طريق كلامه قائلا: تقصد تقول: ربنا يعينا على مسئولياتنا، فأنا لن أعمل وحدى، بل سنعمل جميعا، أنا لست طالب سلطة، بل طلبنى الشعب لها، وأنا جندى فى معركة ولا أملك إلا أن ألبى.
فى شهوره الأولى بقصر الاتحادية لم يكن السيسى يتحدث كثيرًا، كان يطل علينا بحساب، ويتحدث بمقدار، لكن فى الأسابيع الأخيرة بدأ يتحدث كثيرًا، للدرجة التى اعتقد فيها أنه أصبح يتحدث أكثر مما ينبغى كرئيس للجمهورية، وكقائد وزعيم يتعامل معه الكثيرون على أنه ملهم، ولا خوف طالما أنه موجود.
يأنس الكثيرون للرئيس السيسى وهو يتحدث دون ورقة معدة سلفا أمامه، يألفون ما يقوله خاصة أن طابعه الأساسى هو الطابع العاطفى الذى وصل من خلاله للمصريين، لا يشعرون بنفس الألفة عندما يقرأ من أوراق كتبت مسبقًا، يحسون أن الخطاب بارد، لا يصل إليهم ولا يلمس مشاعرهم.
يقف على عتبة خطابات السيسى كثيرون يتمنون له الغلط، يأخذون من بعض كلماته وسيلة للسخرية والتندر، صحيح أنه لا أحد يلتفت لهؤلاء من قريب أو بعيد، لكنهم يتلقفون كلماته والسلام، وهو ما يجعلنى أهمس فى أذن الرئيس أن يلتزم بخطابات مكتوبة، يقول فيها ومن خلالها ما يريد كله، دون أن يترك نفسه على سجيته؛ لأن وقت الخطابات العاطفية انتهى، ولا نريد منه إلا كلاما منطقيا ومعلومات دقيقة تقول لنا إلى أين نتجه، وهو ما لا يتوفر له عندما يتحدث بعاميته التى قد تكون محببة إلينا، لكنها تقطع الطريق على ترسيخ الصورة الكاريزمية التى كان عليها السيسى من قبل.. فكلما تحدث الرئيس بعاميته ولهجته ولزماته خسر كثيرًا، ولأنه اختيارنا فنحن لا نريد ولا نقبل له الخسارة.
صحيح أن الأحداث الأخيرة والتى تتوالى على مصر عاصفة، بداية من عملية كرم القواديس الغادرة، ونهاية بحوادث الطرق، كلها تدخل تحت بند الكوارث التى لابد أن يظهر خلالها الرئيس ليتحدث مع الشعب، لكن ليس معنى ذلك أن يسرف الرجل الأول فى الدولة فى الكلام، فكل كلمة يقولها رئيس الدولة قرار، وكل معنى يقصده يتحول إلى قانون عمل، ولا يمكن أن يتحول كلام الرئيس إلى كلام مجانى يقوله بالمناسبة التى بعد أن تنتهى يتبخر أثره.
لا يمكن لى أو لغيرى أن نفرض وصاية على عبد الفتاح السيسى، نحدد له متى يتحدث ومتى يصمت؟، لكن يمكننا أن نشير إلى ما نعتقد أنه فى صالح المرحلة التى نعيشها.
هناك حالة من التربص الواضحة والمعلنة والتى لا تخفى على فطنة أحد، وشباك مستعدة للصيد فى التو واللحظة، ينصبها خصوم الوطن من إعلام ضال وإعلاميين ممولين، يحولون الحبة إلى قبة، ويجب ألا يدخل السيسى فى شباكهم بقدميه، لأن أول خطوة فى إسقاط أى رئيس تهزيله، جعله فى متناول اليد واللسان، لا أعنى بذلك أن يختفى السيسى تماما، ولكن على الأقل، يتحدث عندما يكون هناك ضرورة للكلام، ويصمت عندما يكون الصمت واجبا وفريضة.
أعرف أن شخصية السيسى تطغى على كل من حوله، فعليًا لا نرى أحدًا فى مؤسسة الرئاسة سواه، حتى أننى أعتقدت أن المؤسسة ليس لها متحدث رسمى، رغم أن السفير علاء يوسف المتحدث الحالى صاحب نشاط هائل لا يتوقف، يتواصل مع الإعلاميين ويعقد المؤتمرات ويجيب عن كل الأسئلة التى توجه إليه، وهى مشكلة ألا يشعر الكثيرون بوجوده، أو حتى بوجود كل من يعمل فى مؤسسة الرئاسة، وهى حالة ليست عندى فقط ولكن عند كثيرين.
قد تقول أن معاونى السيسى ليسوا صغارًا ولكنه هو الكبير، ولذلك يحجبهم، لكن يبدو فى الحقيقة أن من حوله ليسوا على قدر المسئولية والأزمة، وهو ما يدفعه مثلا إلى أن يكتب كلماته بنفسه ولا يعتمد على من يكتبه من داخل الرئاسة، أو أنه يتجاهل الجميع ويخرج للشعب ليتحدث معه بلسانه وعلى سجيته.. وهنا تأتى المشكلة، والتى يمكن أن أحددها بدقة فى أن الرئيس لم ينته بعد من إنشاء فريق كفء معاون له.. ومن هنا تأتى الكوارث جميعا.
أعتقد أن السيسى الذى يريد أن ينجح بالفعل فى المسئوليات التى ألقاها الشعب على كتفيه لا يحتاج إلى منافقين أو مطبلاتية، وهو ما يقوم به بعض ممن حوله، يحتاج الرجل الكبير أن يعرف الحقيقة كاملة دون مواربة أو إخفاء، وهى الحقيقة التى ستجعله يعرف جيدًا كيف يحدد خطابه ووجهته وبوصلته، ساعتها لن يتحدث السيسى كثيرًا، سيقول ما عليه قوله فقط، وفى الوقت المناسب فقط، لكن أن يتحدث كثيرًا دون أن يكون لكلامه معنى.. فهو أمر لا يليق به ولا بنا فى الحقيقة.