فى جسارة تحسب له اقتحم الصديق الباحث والكاتب عبد الله الطحاوى المجال الحيوى لواحدة من التابوهات التى يقف على بابها حراس العقيدة مشهرين سيوفهم الملتهبة، التى تشاغلنا ونحن نقرأ حكايات الأساطير التى تحكى عن الكنز المسحور، وقيمة ما أقدم عليه مردها، أنه باحث جاد لا يملك أحد أن يشكك فى يقينية إيمانه ودوره فى التصدى لمن يشكك فى صحيحه عنده، والذى استولى على عقله وذهنه وانكب على دراسته ومازال يبحث فيه.
كان هذا فى معرض تعليقه على ما ذهب إليه الدكتور مصطفى الفقى من تأكيد أن "المواطنة" هى واحدة من القواعد التى أرساها "الإسلام"، جاءت كلمات الطحاوى فى مقال له يحمل عنوان "اللاهوت المصرى"، وهو عنوان لم يقصد به المعنى المتداول بأنه يبحث فى علم الإلاهيات فى المنظور المسيحى كما يتبادر إلى ذهن القارئ مباشرة، بل تكتشف مع سطوره مشاغبة ذهنية، تتسع بالمعنى لتستحضره فى الحوارات المصرية بعيداً عن المدلولات الكلاسيكية، فيضع تحته تناول القضايا الفكرية الدينية على أرضية مصرية.
يرى الكاتب، أن محاولة الدكتور الفقى دعم رؤيته التنويرية فى تأصيل مفهوم "المواطنة" مقتبسًا من مشهد الخروج الجليل للنبي الأكرم من مكة إلى المدينة المنورة: «واللّه إنك لخير أرض اللّه وأحب البلاد إلى اللّه ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت»، الفقي يبدو أن مهاراته السجالية والبلاغية سوغت له تأويل النصوص الدينية، ولكن في اتجاه ما يراه تدعيمًا للمواطنة، ظنًّا منه أن التأسيس الديني لإقرار المواطنة هو الطريق لتعميقها، باعتبار أن من الإيمان حب الأوطان، كما هو شائع في الأدبيات البلاغية، مع أن كتب الإيمان والعقائد تخلو من تلك الأبواب، وتحرير المسألة مهم، فالأديان تستهدف فعل الخيرات وترك المنكرات، ودعم العلاقات الإنسانية وتحسينها، لكن تظل وظيفة الدين الأصلية هي توجيه الخشوع نحو تصور محدد عن الخالق، ثم اقتراح طريقة لامتثال هذا التخشع والإجلال في اتجاه التعبد، ثم تبقى الأعراض التي تطرأ في ظرف الإرسال النبوي مثل الابتعاث في ريف أو بادية أو مدينة، لتدعيم التقديس السائد أو لإنشاء سردية جديدة "فعززنا بثالث" كلها من مسائل عرضية؟.
والطحاوى هنا يتصدى لما شاع فى كتابات بعض المفكرين والسياسيين من محاولات استنطاق النصوص المقدسة والاحداث الدينية بما يدعم توجههم، ويعتبره [مواجهة الأسلمة بأسلمة مضادة ]، ويذهب إلى إن ذات العملية موجودة في بعض التقاليد المسيحية الأرثوذكسية.. سواء من خلال ذكر زيارة العائلة المقدسة لمصر.. وما ترتب على ذلك من روايات وتقليدات أيقونية.. أو ذكر لمصر في العهد القديم على غرار مما جاء في القرآن "ومبارك شعبي مصر" في أشعيا.. وقد أفرد الراحل الدكتور وليم سليمان قلادة كتابات مفصلة.. بخلاف الايحاءات التي يقول بها بعض الألكيريوس في ذلك، وهي برأيي محاولات تأصيلية كالتي سعى إليها كتاب مسلمون خاصة بالوطن والمواطنة، من خلال ما أسماه الدكتور قلادة بـ"فقه المواطنة" مزج فيه كلامًا لمؤرخين مسلمين ومقولات أخرى مسيحية وصلوات قبطية تمتدح مصر بوصفها وطنًا حبيبًا لله.. ومع تسليمنا بنبل الغاية.. لكن هذه المحاولات للأسف بمثابة تعسف نصوصي؛ لخلق أساس ديني للمواطنة الحديثة.
لذلك بادرت بالتعليق على مقال الصديق العزيز فى كلمات محددة، بعد تفضله بلفت نظرى إلى مقاله:
اشكر لك اهتمامك وحرصك على اطلاعى على ابداعاتك التى تمارس نوعا من العصف الذهنى فى مسار الاستنارة، واسمح لى ان اشتبك مع سطورك المبدعة.
[أخشى بمفهوم المخالفة أن نذهب الى الطرف القصى فندعو إلى التأسيس لذوبان الخصوصية القومية، باعتبار أن الدين لا يقر بغير الانتماء له، فتستغرقنا "الأمة" عن "الوطن"، وعندما ينحو الفقى وقبله قلادة باتجاه دعم الانتماء الوطنى بقراءات مستحقة وممكنة لبعض من نصوص فإنهما يسعيان لعلاج عوار صنعه الرافضون لخصوصية الأوطان فى سعيهم للأمة الواحدة المؤسسة على الدين.
وفى إطار المقارنة تذهب المسيحية تأسيسا على لاهوت التجسد إلى الدعوة لقيام علاقات تقاربية تعلى من قيمة الإنسان ـ كما هو ـ بعيداً عن التمايزات دون أن تنفيها، ليخلص على كل حال قوم.
وتبقى جدلية الدين الدنيوى قائمة، دون تماهى أو ذوبان أو قنص، ويبقى الدين أحادياً فى مبناه ومساره خاصة بعد اجتيازه سنوات النشأة وتحوله الى مؤسسة ترى أن بقاءها يستلزم نفى الآخر.
لذا لن يستقيم الأمر إلا ببقاء الدين والدنيا، الأخروية والدهرية، متعايشان دون اختلاط أو امتزاج أو مصادمة، ويتطلب هذا إعلاء شأن الإنسان لكونه إنساناً تحكمه جدلية المصالح وتضبط نوازعه منظومة قوانين تفرضها تشابكات المرحلة وتتطور معها، ويبقى الدين بمثله فى إطاره الروحى المعنوى، التجريدى، حتى لو قال منظروه، إنه يملك تنظيم شئون الدنيا، وهى مقولة أسست لكل الحروب الدينية فى كل الأديان، قسطنطين نموذجاً.
أعتقد أعزائى القراء، أن طرح مثل هذا يصلح لأن نقتحم به دائرة جدلية "الدينى / الوطنى" بموضوعية تستحقها لنخرج إلى دوائر التنوير الحقيقية، والكرة فى ملعب المفكرين.
كان هذا فى معرض تعليقه على ما ذهب إليه الدكتور مصطفى الفقى من تأكيد أن "المواطنة" هى واحدة من القواعد التى أرساها "الإسلام"، جاءت كلمات الطحاوى فى مقال له يحمل عنوان "اللاهوت المصرى"، وهو عنوان لم يقصد به المعنى المتداول بأنه يبحث فى علم الإلاهيات فى المنظور المسيحى كما يتبادر إلى ذهن القارئ مباشرة، بل تكتشف مع سطوره مشاغبة ذهنية، تتسع بالمعنى لتستحضره فى الحوارات المصرية بعيداً عن المدلولات الكلاسيكية، فيضع تحته تناول القضايا الفكرية الدينية على أرضية مصرية.
يرى الكاتب، أن محاولة الدكتور الفقى دعم رؤيته التنويرية فى تأصيل مفهوم "المواطنة" مقتبسًا من مشهد الخروج الجليل للنبي الأكرم من مكة إلى المدينة المنورة: «واللّه إنك لخير أرض اللّه وأحب البلاد إلى اللّه ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت»، الفقي يبدو أن مهاراته السجالية والبلاغية سوغت له تأويل النصوص الدينية، ولكن في اتجاه ما يراه تدعيمًا للمواطنة، ظنًّا منه أن التأسيس الديني لإقرار المواطنة هو الطريق لتعميقها، باعتبار أن من الإيمان حب الأوطان، كما هو شائع في الأدبيات البلاغية، مع أن كتب الإيمان والعقائد تخلو من تلك الأبواب، وتحرير المسألة مهم، فالأديان تستهدف فعل الخيرات وترك المنكرات، ودعم العلاقات الإنسانية وتحسينها، لكن تظل وظيفة الدين الأصلية هي توجيه الخشوع نحو تصور محدد عن الخالق، ثم اقتراح طريقة لامتثال هذا التخشع والإجلال في اتجاه التعبد، ثم تبقى الأعراض التي تطرأ في ظرف الإرسال النبوي مثل الابتعاث في ريف أو بادية أو مدينة، لتدعيم التقديس السائد أو لإنشاء سردية جديدة "فعززنا بثالث" كلها من مسائل عرضية؟.
والطحاوى هنا يتصدى لما شاع فى كتابات بعض المفكرين والسياسيين من محاولات استنطاق النصوص المقدسة والاحداث الدينية بما يدعم توجههم، ويعتبره [مواجهة الأسلمة بأسلمة مضادة ]، ويذهب إلى إن ذات العملية موجودة في بعض التقاليد المسيحية الأرثوذكسية.. سواء من خلال ذكر زيارة العائلة المقدسة لمصر.. وما ترتب على ذلك من روايات وتقليدات أيقونية.. أو ذكر لمصر في العهد القديم على غرار مما جاء في القرآن "ومبارك شعبي مصر" في أشعيا.. وقد أفرد الراحل الدكتور وليم سليمان قلادة كتابات مفصلة.. بخلاف الايحاءات التي يقول بها بعض الألكيريوس في ذلك، وهي برأيي محاولات تأصيلية كالتي سعى إليها كتاب مسلمون خاصة بالوطن والمواطنة، من خلال ما أسماه الدكتور قلادة بـ"فقه المواطنة" مزج فيه كلامًا لمؤرخين مسلمين ومقولات أخرى مسيحية وصلوات قبطية تمتدح مصر بوصفها وطنًا حبيبًا لله.. ومع تسليمنا بنبل الغاية.. لكن هذه المحاولات للأسف بمثابة تعسف نصوصي؛ لخلق أساس ديني للمواطنة الحديثة.
لذلك بادرت بالتعليق على مقال الصديق العزيز فى كلمات محددة، بعد تفضله بلفت نظرى إلى مقاله:
اشكر لك اهتمامك وحرصك على اطلاعى على ابداعاتك التى تمارس نوعا من العصف الذهنى فى مسار الاستنارة، واسمح لى ان اشتبك مع سطورك المبدعة.
[أخشى بمفهوم المخالفة أن نذهب الى الطرف القصى فندعو إلى التأسيس لذوبان الخصوصية القومية، باعتبار أن الدين لا يقر بغير الانتماء له، فتستغرقنا "الأمة" عن "الوطن"، وعندما ينحو الفقى وقبله قلادة باتجاه دعم الانتماء الوطنى بقراءات مستحقة وممكنة لبعض من نصوص فإنهما يسعيان لعلاج عوار صنعه الرافضون لخصوصية الأوطان فى سعيهم للأمة الواحدة المؤسسة على الدين.
وفى إطار المقارنة تذهب المسيحية تأسيسا على لاهوت التجسد إلى الدعوة لقيام علاقات تقاربية تعلى من قيمة الإنسان ـ كما هو ـ بعيداً عن التمايزات دون أن تنفيها، ليخلص على كل حال قوم.
وتبقى جدلية الدين الدنيوى قائمة، دون تماهى أو ذوبان أو قنص، ويبقى الدين أحادياً فى مبناه ومساره خاصة بعد اجتيازه سنوات النشأة وتحوله الى مؤسسة ترى أن بقاءها يستلزم نفى الآخر.
لذا لن يستقيم الأمر إلا ببقاء الدين والدنيا، الأخروية والدهرية، متعايشان دون اختلاط أو امتزاج أو مصادمة، ويتطلب هذا إعلاء شأن الإنسان لكونه إنساناً تحكمه جدلية المصالح وتضبط نوازعه منظومة قوانين تفرضها تشابكات المرحلة وتتطور معها، ويبقى الدين بمثله فى إطاره الروحى المعنوى، التجريدى، حتى لو قال منظروه، إنه يملك تنظيم شئون الدنيا، وهى مقولة أسست لكل الحروب الدينية فى كل الأديان، قسطنطين نموذجاً.
أعتقد أعزائى القراء، أن طرح مثل هذا يصلح لأن نقتحم به دائرة جدلية "الدينى / الوطنى" بموضوعية تستحقها لنخرج إلى دوائر التنوير الحقيقية، والكرة فى ملعب المفكرين.