ثمة رابطة قوية وتبادلية باتت حاضرة على
الساحة الإقليمية والدولية بين عمليات الهجرة البينية في دول المنطقة أو القادمة
من أوروبا وآسيا عبر البحار وبين الإرهاب الذى يأخذ أشكالا جديدة أكثر وحشية في
منطقة الشرق الأوسط، ويستهدف إقامة دولته وكياناته السياسية على أنقاض الدول
القومية في الإقليم، والتي حطمتها مؤامرات ما يسمى الربيع العربي، وعمليات التدخل
الأجنبي المباشر التي راحت تحاول تأسيس ما يُعرف بالشرق الأوسط الأوسع.
وقد اتخذت العلاقة بين الهجرة والإرهاب
أشكالا مختلفة في كل بلد بحسب معطياته السياسية وخريطة عناصره الاجتماعية
والثقافية.
وعلى سبيل المثال ففي مصر– بالتحديد–
اتخذت تلك الظاهرة شكلا مغايرا لما ساد فى بلدان المشرق العربى، لأن تدفق لاجئى
سوريا على بلدنا اقترن بشكل من سواتر الهوية - إذا جاز التعبير - فمعظم من جاءوا
من سوريا هم من الفلسطينيين سكان مخيم اليرموك الذين منحهم نظام الرئيس بشار الأسد
الجنسية السورية، ثم وفدوا إلى مصر ليحتضنهم نظام محمد مرسى (أول جاسوس مدنى
منتخب) ضمن دخوله مباشرة على خط الأزمة السورية، وقطعه العلاقات مع نظام بشار، ورفعه
أعلام الجيش السورى الحر وجبهة النصرة فى احتفال 6 أكتوبر الشهير عام 2012 الذى
دعا إليه رهط من الإرهابيين المجرمين وأجلسهم على المنصة الرئيسية، فى حين رفع
أنصاره الدعاء على معارضيه.
محمد مرسى منح بعض أولئك المهاجرين
(السوريين - الفلسطينيين) الجنسية المصرية، واستخدمهم فى تنفيذ مخططاته الإجرامية
لفرض ديكتاتورية الإخوان وتخلفهم، سواء بالاشتراك فى مظاهرات التهييج الجماهيرى،
أو بالاحتشاد فى رابعة والنهضة، أو بإرهاب المصريين المعارضين لحكم التطرف الدينى
والمنتمين إلى ملل وطوائف أخرى.
ويدخل فى ذلك الإطار – كذلك – قيام نظام
محمد مرسى الإجرامي بمنح خمسين ألفا من الفلسطينيين الجنسية المصرية ضمن مخطط
التواطؤ العميل الذى اعتمد فكرة إنشاء وطن فلسطيني بديل في ظهير غزه السيناوي، بما
يؤدي إلى حل ما يواجه إسرائيل من مشكلات تتعلق بإقامة دولة فلسطينية (في الضفة
وغزة معا وعاصمتها القدس الشرقية)، أو ترتبط معضلات بحق اللاجئين فى العودة.
هؤلاء هم الذين يرتعون – الآن – فى
سيناء وينفذون بروح تكفيرية مجرمة عملية تحاول عزل سيناء وتهيئة بيئة مناسبة لتدفق
مئات الآلاف من فلسطينيي غزة إلى شمال سيناء.. ومعهم العشرات من الروس والآسيويين
والأتراك والأوكرانيين ضمن بقايا التشكيل الإجرامى الذى كان طليعة نظام مرسى الذى
استهدف التفريط في الوطن، لأنه لا يؤمن بذلك الوطن أساسا.
الهجرات الإرهابية تشتمل - كذلك – على
معسكرات التدريب والتهجير فى ليبيا والسودان، وهو ما تشرف المخابرات التركية
والقطرية والحرس الثوري الإيرانى على تمويله وتسليحه، وتضم تلك المعسكرات بعض
المصريين والجزائريين والتوانسة.
ويلفتنا – كذلك – الهجرات السورية إلى
لبنان والتى أخذت شكلا فريدا يحاول معادلة دخول حزب الله إلى الحرب إلى جوار نظام
بشار الأسد، بما دفع التنظيمات السُنية الإرهابية إلى محاولة التضاغط مع لبنان
والاندفاع إلى بعض المناطق الحدودية وعلى رأسها (عرسال) - التى يحوطها عدد من
القرى الشيعية - وتهديد سكانها، وخطف مجموعات من أفراد القوات النظامية (الشرطة
والجيش) والمقايضة عليهم مقابل بعض المطالب السياسية، وعادة تدخل دولة قطر الساقطة
على الخط للتوسط بين الأطراف والإفراج عن الرهائن وإبرام صفقات التبادل المطلوبة
من جانب المتطرفين السُنة سواء من داعش أو من جبهة النصرة أو أحرار الشام، أو
خراسان، وقد تطور الأمر إلى قيام بعض القوات المتطرفة بقصف المناطق المحيطة
بطرابلس اللبنانية من فوق الأراضي التي زحفوا إليها فى لبنان، وبالطبع التحمت جهود
أولئك المهاجرين الغزاة مع خلايا مستوطنة داخل لبنان نفسه على رأسها مجموعة (اقرأ)
السلفية التى يتزعمها الشيخ بلال دقماق، وهو الذى تتبعه قوات الجيش والشرطة
اللبنانية فى كل مكان، وتعثر فى كل يوم على مخازن أسلحة ضخمة تابعة له.
هناك تشديد لبنانى الآن على تلك الهجرات
الإجبارية وهو ما هبط بأعداد المهاجرين من ثمانية آلاف يوميا إلى ثلاثة آلاف، ولكن
الأزمة لا تزال قائمة.. الآن وهدف التنظيمات المتطرفة هو تغيير الفسيفساء أو
الموزاييك السياسية والمذهبية والاجتماعية بما يتوافق مع أهداف الإرهابيين ومن
يقفون وراءهم.
وعلى الشاطئ الآخر للبحر فإن هجرات
الأجانب إلى سوريا صارت جزءا من خريطة لصراع ومحاولة تغيير طبيعة الدولة فى سوريا،
وتقدر أعداد المقاتلين الأجانب المتدفقين إلى ذلك البلد بألف مقاتل كل شهر، يجيئون
من ثمانين بلدا حول العالم، ومما يسهل ذلك استخدام التنظيمات الإرهابية لوسائل
اتصال حديثة ولرسائل مصممة جيدا فى التأثير على الشباب من الأجانب واستخدام
إلهامات تبدو دينية وأخلاقية ورسالية لتوجيه أولئك الأجانب ودفعهم إلى الهجرة التى
تيسرها أيضا سهولة السفر إلى سوريا ودخولها.
أينعم.. أفاقت أوروبا متأخرة وبدأت تضع
عوائق فى طريق تلك الهجرات، وأعلنت وزيرة الداخلية البريطانية تيريز ماى أنها
ستمنع عودة كل من يخرج للالتحاق بداعش وما شابه إلى بريطانيا، ولكن – من جانب آخر
– فإن توغل أولئك الإرهابيين فى تلك الدول وصل إلى آماد بعيدة، لعل احدها هو
محاولة تهريب فؤاد بلقاسمى (أبو عمران البلجيكى) وهو الإرهابى رهن المحاكمة حاليا
أمام القضاء البلجيكى، والذى يرأس جماعة الشريعة التى تقوم بتجنيد وتسفير الشباب
البلجيكى إلى سوريا.
وبالطبع تتنوع أساليب السيطرة والتحكم
فى أولئك الشباب من الأموال إلى الجنس إلى التغلب على أزمات الأقليات التى تتقاطع
ثقافيا مع مجتمعات الغرب وتكره وضعيتها فيها، فضلا على شيوع وذيوع أفكار معاداة
الأجانب، وكراهية الإسلام السائدة في أحزاب من طراز (الجبهة الوطنية لماريان مارى
لوبان فى فرنسا) و(الاستقلال لنايجل فراج فى بريطانيا).
أما فيما يتعلق بتركيا فإن المهاجرين
إليها – حتى الآن – يبلغون مليونا ونصف، ولهم طبيعة خاصة إذ ينتمى جزء منهم إلى
الجيش السورى الحر، فيما آخر إلى التنظيمات الإرهابية (داعش) و(جبهة النصرة)
اللذين تتملص إدارة أردوغان من مسئوليتها عنهما، فيما كل الدلائل تشير إلى ارتباط
وثيق بينهما وأنقرة والدوحة، ومنها إسهام قطر فى الإفراج عن 46 تركياً احتجزتهم
داعش فى الموصل مقابل تمنع تركيا عن دخول الحرب مع التحالف الدولى، وهو ما اشترطت
تركيا لتحقيقه: فرض منطقة طيران عازلة فوق سوريا، وإنشاء منطقة آمنة لتدريب القوات
المعارضة التى – حتى الآن – مبعثرة الجهود والقوات والولاءات، وأخيرا ضرورة السماح
بعزل نظام بشار الأسد الذى ترى أنقرة أن هناك تحالفا موضوعيا غير مباشر بينه
والتحالف الدولى .
أما القسم الآخر من المهاجرين إلى تركيا
فهو يرتبط بالأكراد العراقيين الذين تحاول أنقرة السيطرة عليهم ومنعهم من الالتحام
بأكراد حزب العمال الكردستانى فى تركيا بزعامة عبد الله أوجلان، أو أكراد الاتحاد
الكردى الديمقراطى فى سوريا بزعامة صالح مسلم، تركيا تخاف نشأة كردستان الكبرى على
أجزاء من إيران والعراق وسوريا وتركيا، وتخاف أيضا من انسلاخ 20 مليون كردى من
كتلتها السكانية وانفصالهم عن تأييد حكم التنمية والعدالة الاوردغانى ومن ثم تسمح
لمهاجريهم بالبقاء تحت الملاحظة والرقابة لمنع تطور الحالة الكردية إلى ما يهدد
تماسك الصيغة التركية نفسها.
وأخيرا فإن مهاجرى العراق إلى مصر كانوا
فى معظمهم من السُنة الذين اضطهدتهم حكومة المالكى، وهؤلاء يرتبط جزء كبير منهم
بالتنظيمات السُنية المتطرفة، أما الشيعيون منهم فإنهم يغيرون البنية المذهبية فى
مصر على نحو يتهدد أمنها، وبخاصة أنهم محملين بالتعصب ضد السُنة، لا يفهموا
الطبيعة المصرية الخاصة التى تدرس فيها المذاهب الشيعية الجعفرية والاثنا عشرية
والزيدية وغيرها فى الأزهر الشريف إلى جوار المذاهب السنية الأربعة.
آراء حرة
مهاجرون وإرهابيون
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق