تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
رغم نجاح الحركة الصهيونية في إنشاء دولة إسرائيل، إلا أن الصراعات والانشقاقات الداخلية برزت على أشدها، منها انشقاق اليمين الصهيوني عام 1922 بزعامة زئيف جابوتنسكي، الذي أعلن عن قيام الحركة التصحيحية، وإقامة الجناح العسكري لهذه الحركة، تحت اسم "اتسل" المنظمة العسكرية القومية والتي كان مناحم بيجن آخر قائد لها، وقبل الإعلان عن إقامة الدولة العبرية، جرت تصفيات عديدة بين التيارات الصهيونية، كان أبرزها اغتيال الزعيم العمالي "أرلوزروف" على شاطئ تل أبيب، وبالمناسبة فإن اغتيال إسحق رابين، لم يكن ظاهرة عابرة بل امتداد لصراعات سابقة.
ولعل أهم صدام بين اليمين واليسار الإسرائيلييْن، حدث عشية إقامة الدولة، عندما حشد مناحم بيجن سفينة ملأى بالمهاجرين والسلاح والعتاد من أوروبا الشرقية، في محاولة لقلب نظام حكم العمال بزعامة بن جوريون، حيث رست السفينة "التالينا" على شاطئ تل أبيب، لكن بن جوريون أصدر تعليماته لقائد منطقة تل أبيب، بمنع المهاجرين من إنزال أسلحتهم وعتادهم، ولما رفضوا الأوامر، وبدأوا تفريغ أسلحتهم، أمر بن جوريون بقصف السفينة وإغراقها، وبالفعل نفذ أمره، حيث قتل وجرح عشرات من بين هؤلاء المهاجرين.
لقد طرح البريطانيون مشاريع عديدة على الفلسطينيين واليهود قبل إقرار التقسيم، ومن هذه المشاريع الحكم الذاتي الإقليمي لكل من اليهود والفلسطينيين، ولتخفيف حدة معارضة الزعماء العرب، اقترحت بريطانيا إعطاء ميناء العقبة ومناطق أخرى، جنوب الأردن، للسعودية، كما اقترحوا منح سوريا شمال شرق فلسطين بما في ذلك سهل الحولة وغور بيسان، وفي المقابل يحصل اليهود على أجزاء من الجليل الغربي، لكن هذه الاقتراحات رفضت من كلا الجانبين.
كما هو معلوم، فإن وعد بلفور شمل شرقي الأردن، لكن الأمير عبدالله، ملك الأردن فيما بعد، نجح في استصدار قرار بريطاني، يخرج شرقي الأردن من وعد بلفور، ومع أن الصهاينة، لم يستقبلوا القرار بالترحاب، لكنهم صمتوا في ذلك الوقت، نظرا لحاجتهم للإنجليز، ولم يرغبوا في إغضابهم، لكن مطامعهم في الأردن بقيت على حالها.
في محاضر جلسات الحكومة الإسرائيلية، للأشهر العشرة الأولى بعد إقامة إسرائيل، والتي سمح بنشرها مؤخرا تبين أن بن غوريون رئيس الحكومة الإسرائيلية خطط لاحتلال القدس العربية، وأجزاء من الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني، إلا أن مستشاريه نصحوه بالتروي وعدم القيام بمثل هذه الخطوة التي من شأنها إثارة العالم ضد إسرائيل، ويتبين من المحاضر أيضا أن بن غوريون، كان يستخدم مصطلح "التنظيف" لطرد الفلسطينيين من قراهم، والقذف بهم إلى ما وراء الحدود.
وبتاريخ 15/10/1995، نشرت جريدة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، وثيقة خطرة، جاء فيها أن إسرائيل خططت في الخمسينات لمحو المملكة الاردنية الهاشمية من الوجود وتقسيم اراضيها بين اسرائيل والسعودية والعراق، والفكرة التي سيطرت على ذهن بن غوريون، قبل حرب سيناء 1956، ان الوضع في الاردن يثير مخاوف وقلق إسرائيل، فالملك الحسين الشاب آنذاك كان يواجه مؤامرات انقلابية ضد نظام حكمه، وكانت حقيقة الوضع في الأردن تتمثل في خيارين: إما سير الملك في ركاب الزعيم جمال عبدالناصر- وهذا ما لا تريده إسرائيل- أو عدم الاستقرار- وهو ما لا يتفق مع المصالح الإسرائيلية- ففكرة محو الأردن لا تعني كراهية إسرائيل للعائلة الهاشمية، بل حفاظا على مصالحها وفقا للوثيقة، وقد طرحت الفكرة على تركيا، التي تربطها بإسرائيل علاقات حميمة، بحيث تطرحها تركيا على العراق، وهما دولتان مرتبطتان بحلف بغداد في ذلك الحين باعتبار الفكرة تركية محضة، ووفقا للمشروع الاسرائيلي، تضم الضفة الشرقية إلى العراق، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، في هذه الضفة، وضم الضفة الغربية لإسرائيل، وجنوبي الأردن إلى السعودية.
تشاور بن غوريون في هذا الموضوع مع شريكه في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 الذي اقتنع بالمعطيات الاسرائيلية، لكنه قال ان الفكرة غير قابلة للتنفيذ، جراء فشل العدوان الثلاثي على مصر وإبعاد الولايات المتحدة عن المشاركة في هذا العدوان، إضافة إلى أسباب أخرى، فشلت الخطة وبقي الأردن سليما.
ان الاطماع الاسرائيلية في الأراضي الأردنية لم تنته، فالتيار اليميني الإسرائيلي كان ينادي دائما بإقامة الوطن الفلسطيني البديل على أراضي المملكة الاردنية، واعتبر أن الأردن جزء من أرض اسرائيل التاريخية، ونشير هنا إلى أن شعاره عبارة عن جندي يحمل بندقية، قدم بالضفة الغربية والأخرى في الشرقية، وقد نقشت على البندقية عبارة "هذه لنا وتلك أيضا"، وفقط في مؤتمر حزب الليكود عام 1992، شطبت الفقرة التي كانت تعتبر الأردن جزءا من أرض إسرائيل، وجاءت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، التي كان إنجازها الرئيسي ترسيم الحدود مع إسرائيل لتنهي هذه الأطماع، وهو ما يعني وضع حد للتوسع الإسرائيلي شرقا، لكن المواقف الإسرائيلية قابلة للتغيير والتبديل، وفقا للحاجة والظروف.