تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ما لا عين رأت
رسالة ثانية إلى السيد عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية بقصر الاتحادية
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ
سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى
بعد التحية..
أعرف أنك الآن فى أعلى درجات الغضب والحزن، ولن أقول اليأس؛ لأن اليأس فى هذه اللحظة خيانة، وما عهدتك إلا وطنيًّا تحمل رأسك على كفيك فداء لهذا الوطن، لكنَّ احترامى لحزنك وغضبك لن يمنعنى من الحديث معك بلسان المواطن الذى يقف الآن على حافة الخوف واليأس مما تخفيه الأيام له، وهو الذى لا يملك إلا صوتًا منحه إياك على وعد منك بأن تكون سنده وظهره الذى يرتكن إليه.
عندما تحدثت عما جرى فى جنازة الشهداء، كنت واثقًا من النصر على الإرهاب، حذرت ممن يحاولون الإيقاع بين الشعب وجيشه، الذين يريدون أن يفرقوا بيننا، راغبين فى تحطيم إرادتنا وتكسير جيشنا، ووعدت مجددًا أن مصر لن تسقط أبدًا، وهو ليس اختيارًا بل قرار، لكن اسمح لى يا سيادة الرئيس أن أهمس فى أذنك بأن ما قلته لم يكن كافيًا.
قد لا تكون لديك دقائق قليلة لتقرأ ما أكتبه إليك، لكن أعتقد أن الحكاية من بدايتها لا بد أن تُرْوَى، ولا بد أن تسمعها، فإن لم تسمعنا فلمَن تسمع؟ وإن لم تستجب لنا فلمَن تستجيب؟
عندما وقفت مناشدًا الشعب المصرى، فى لحظة تاريخية فارقة وفاصلة، أن يفوِّض الجيش فى مواجهة الإرهاب والعنف المحتمل، وضعت بذلك حدًّا بين الحق والباطل، بين شعب يريد أن يعيش فى أمان وجماعات إرهابية لا هدف لها إلا هدم البلد وتشتيت جيشها، وقف الشعب وراءك، نزلنا جميعًا إلى الميادين، على ألسنتنا كلمة واحدة: "فوضناك".
اليوم لا يملك ملايين المصريين إلا هذه الكلمة مرة أخرى، يقولونها لأنهم لا يملكون غيرها، لقد أصبحنا جميعًا على المحك، لا يستطيع أى منا الرجوع، ولا التفكير فى التراجع، دخلنا الحرب، ولا يمكن أن نعود من منتصف الطريق.. أصبحت الحرب قدرنا وقدرك، مواجهة الإرهاب رسالتنا ورسالتك.
بعد أن فوَّضناك لم نتركك وحدك، وقف المصريون جميعًا إلى جوارك، قَبِلوا كل الإجراءات التى قمت بها، وهم فى غاية الرضا، لم يعترض أحد، وحتى الذين تبرموا لم يعلنوا عن تبرمهم، فقد عرفوا أن البلد فى حالة حرب، وعندما تشتعل الحرب فلا صوت يعلو فوق صوت الوطن، ولا صوت يعلو فوق صوت مَن يتصدون لأعدائه.
عرف المصريون أن الجيش يخوض حربًا شرسة فى سيناء، يقف رجاله فى مواجهة مع شياطين الظلام، يمنعون الأعداء من الوصول إلى بيوتنا وغرف أطفالنا، تكفلوا هم بذيول الإخوان، وقفوا لهم بالمرصاد، منعوا مظاهراتهم التى كانوا يجهِّزون لها كل جمعة، حاصروهم فى الشوارع والحوارى، تصدُّوا لكل محاولاتهم التخريبية، ولم ينتظروا شكرًا من أحد، لأن المعركة كانت معركتهم، وهى المعركة التى نجح الشعب فيها، فالإخوان الآن يا سيادة الرئيس محاصرون فى بيوتهم، باستثناء بعض المناطق التى تصر على المقاومة، اعتقادًا من أصحابها أنهم يمكن أن ينتصروا فى غفلة من الزمن.
هؤلاء المصريون البسطاء يا سيادة الرئيس يعزُّ عليهم جدًّا أن يواجهوا ضربة قاسية مثل التى تعرض لها أبناؤهم فى سيناء، يعرفون أن هناك حربًا قائمة، ولكل حرب ضحايا وشهداء، يفرحون بشهادة أولادهم، لكنهم يغضبون من شعورهم أن هناك تقصيرًا من أى وجه من الوجوه.
لم يكن ما جرى فى كمين "كرم القواديس" عملية إرهابية كما قلت يا سيادة الرئيس، نصدِّقك تمامًا، كانت عملية قتال وقف وراءها دعم خارجى، تم تنفيذها باحتراف، كان الإرهابيون يضربون ضربتهم ويفرون من أرض المعركة، لكن هذه المرة كانت لديهم خطة، اشتبكوا مع القوات، وتوالت العمليات بعدها على أرض سيناء، فلم تكن عملية واحدة.. ونعرف أن الهدف كان كسر الجيش- وهى كلمة صعبة عليك وعلى المصريين جميعًا- وكسر إرادة المصريين، فما الذى تم لمواجهة مثل هذه العمليات؟
تحدثت عن المؤامرة يا سيادة الرئيس ونحن معك، تحدثت عن الاستهداف ونحن معك، أعلنت الحداد ونحن معك، أعلنت التحدى ونحن معك، لكن لماذا لم تعلن عن التحقيق فيما جرى؟
بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان واضحًا، نعم، قال نصًّا: "كما تم تكليف لجنة من كبار قادة القوات المسلحة لدراسة ملابسات الأحداث الإرهابية الأخيرة بسيناء، واستخلاص الدروس المستفادة، والتى من شأنها تعزيز جهود مكافحة الإرهاب بكافّة صوره فى سائر أنحاء الجمهورية، وفى هذا الإطار تقرر عقد جلسة مشتركة مع قيادات هيئة الشرطة المدنية عصر اليوم لتنسيق الجهود والمهام، وأكد المجلس عزمه على استئصال الإرهاب الغاشم من هذه البقعة الغالية من أرض مصر، مؤكدا أن هذه العمال الإرهابية لن تزيد مصر بشعبها وجيشها إلا الإصرار على اقتلاع جذور الإرهاب".
الوضوح لم يكن كافيًا يا سيادة الرئيس، لم يكن مقنعًا، لم يكن على قدر الحزن والغضب فى الصدور، تشكيل اللجنة مطلوب، لكن ليس لدراسة ملابسات ما جرى، ولكن للتحقيق فيه، نريد أن نعرف على وجه التحديد هل هناك تقصير فى الأمر؟ هل هناك خيانة ممن باعوا أنفسهم للشيطان ولا يزالون يعملون فى صفوفنا؟ أم أن الأمر كان مباغتًا للدرجة التى لم يكن لأحد أن يدفع ما جرى؟
لا نزال يا سيادة الرئيس لا نعرف شيئًا على وجه التحديد عما جرى فى رفح الأولى ورفح الثانية، فهل تنضم مذبحة "كرم القواديس" إلى ملف الأحداث الغامضة؟ أم أن بيانًا آخر يمكن أن يخرج ليجيبنا عن كل الأسئلة الحائرة والمراوغة التى تنهش صدور من انفطرت قلوبهم على أشلاء أبنائهم التى اختلطت برمال سيناء؟
نقف خلفك وخلف جيشنا يا سيادة الرئيس، لا يمكن أن ننتقص مما يقوم به، لأننا فى معركة واحدة، ولن نتراجع أبدًا، لأن المصير واحد، مصير وطن يريدون به شرًّا، ونريد به خيرًا.. ولأنك لست وحدك، فلا بد أن نطمئن، وفى يدك أنت دون غيرك أن تفعلها، لا تخش من شماتة الأعداء، فماذا تنتظر منهم، لقد أخرج الإخوان من جوفهم كل قاذورات البشرية، شمتوا فيمن قُتِل، أقاموا الأفراح وتبادلوا التهانى بدماء أبنائنا، فلا تهتم بما يقولونه، وحقِّق فى الأمر بنفسك، فإذا ما ثبت تقصير فلا بد من محاسبة، ونحن نعرف أنك لا تحابى أحدًا، وإذا وجدت خيانة فطهِّر صفوفنا ممن طعنوا هذا الوطن فى ظهره.
إنها معركة وجود يا سيادة الرئيس، لا أختلف فى ذلك معك على الإطلاق، ولأنها كذلك فأنت تحتاج إلى الجميع إلى جوارك، فلا تلتفت عن الشعب الذى فوَّضك ولا يزال، أعرف أن المشكلات كثيرة، والعقبات بلا حصر ولا عدد، لكن حذار مما تفعله حكومتك، وهو كثير من شأنه أن يصرف الناس عن المعركة الكبرى، فيوجهون غضبهم إليك. نحتاج إليك لكن حاجتك إلينا أكثر، ولن ننتصر فى معركتنا ضد الإرهاب إلا إذا شعر المصريون أن لهم دورا حقيقيًّا، لا يتم تهميشهم، ولا يتم الانتقاص من حقوقهم وكرامتهم.
لقد حذَّرت من أن يدخل أحد بين الشعب وجيشه، فأدركت أن الرسالة وصلتك، هناك بالفعل مَن يلعب فى هذه المساحة الخاصة جدًّا بيننا، فلا أقل من أن تعمل على ألا ينجح هؤلاء، ليس صحيحًا يا سيادة الرئيس أن الإخوان انتهوا إلى الأبد، الصحيح أنهم يستعدون للانقضاض، يلتفون حول الناس فى كل مكان، يكرهونهم فيك وفى الجيش وفى الحكومة وفى كل ما يصدر عنك، ولأن الناس تعانى فيمكن أن يتفلت منهم كثيرون، وهو ما لا يرضيك ولا يرضينا.. فانتبه إلى جنودك حتى يظلوا إلى جوارك حتى النهاية.
قاتل بكل ما منحك الله من قوة، حتى تشف صدور قوم مؤمنين بوطنهم، لا تأخذك رأفة ولا رحمة بمن يريدون هدم هذا الوطن، لكن وأنت تفعل ذلك تذكر أن وراءك شعبًا لن تنتصر إلا به، فضعه فى اعتبارك، ولا تجعل من حولك يفسدون ما تحلم به وله تخطط.
لا أريد أن أصرح بشىء، ولا أريد أن أتهم أحدًا بشىء، لكن أُضِىءُ النور، لأن هذا واجبى وواجب كل من يحب هذا الوطن ويخاف عليه، لا أزايد على أحد، ولا أريد شيئًا إلا مستقبلاً آمنًا لمن سيأتون من أولادنا وأحفادنا، نريد أن نترك لهم وطنًّا يحبونه، لا أطلال وطن يلعنونه.. وهو ما لا ترضاه، ولن نرضاه نحن أيضًا.