حمل مركز كارتر صاحب الاهتمام بالشأن الديمقراطي عصاه من القاهرة
ورحل، هذا خبر عادي، أما غير العادي فهي تلك الدوشة التي رافقت غلق مكتب كارتر بالقاهرة،
فالمكتب يصدر بياناً يتحدث فيه عن عدم قيامه بمراقبة الانتخابات البرلمانية
القادمة، ويبرر ذلك بعدم جاهزية مصر للعملية الديمقراطية.
وأعقب ذلك البيان خروج عدة أصوات شاذة ممن ينتمون لتيار التأسلم
السياسي وهم يذرفون الدموع على الديمقراطية، ودليلهم على ضياعها بمصر ذلك البيان
التافه الذي صدر عن مكتب غير المأسوف عليه كارتر.
وبرغم سعادتي بغلق ذلك المنفذ الكريه، فإن ذلك لا يمنعني من رؤية
الحدث كورقة ضغط جديدة يستخدمها خصومنا ضدنا، كما أراه محاولة منهم لتشويه
الاستحقاق الثالث لخارطة الطريق والتشكيك في الانتخابات البرلمانية حتى قبل تحديد
مواعيدها.
وحجة كارتر السخيفة مردود عليها بأن مركزه سبق له مراقبة الانتخابات
في دول كانت تشهد حروبا، بمعنى كلمة الحرب والسلاح حدث ذلك في عدة دول أفريقية ويومها
لم يقل إن حالة تلك الدول لا تسمح بالديمقراطية، أما مصر التي نجحت بجدارة في وقف
الزحف المتأسلم وتدمير المخطط الأمريكي للمنطقة بالتقسيم والحروب الأهلية، فكان من
الطبيعي أن لا يراقب انتخاباتها كارتر وأمثاله، فالصفعة التي وجهتها مصر للقفا
الأمريكي كانت مؤلمة ولهذا ما زلنا نتوقع من ردود فعلهم الكثير.
الأخ كارتر ومن لف لفه انتهت مهمتهم في مصر بالفشل الذريع، بعد أن
ضاعت آمالهم بضياع جماعة الإخوان المتأسلمين، ولعلنا جميعاً ما زلنا نتذكر زيارة
الأخ كارتر لمقر مكتب الإرشاد بالمقطم واجتماعه مع بديع والشاطر، كما نتذكر الدور
الحقير للسفيرة الأمريكية بالقاهرة التي اعتبرت نفسها مندوبة سامية بمصر وتدخلت
بشكل فاجر في انتخابات مرسي/ شفيق، ولعلنا نذكر أيضاً ذلك الحزن والفتور
والبرود السياسي الذي أصاب أوباما بصعود السيسي رئيساً وإنجازنا لدستور يليق بمصر
المدنية ومصر الثورة.
غلق مكتب كارتر بالقاهرة لن يكون النهاية في لعبة عض الأصابع التي
نراها بين مكاتب حقوقية مشابهة وبين النظام المصري الجديد، وقريباً سنشهد تطبيق
قانون الجمعيات الجديد الذي يحدد ضوابط للتمويل الأجنبي في مصر، وسيتضرر من ذلك
القانون "بارونات" التمويل، وقتها سينسحب البعض مؤثراً السلامة مع
إطلاقه عبارتين في الهواء الساخن ككبت الحريات وما إلى ذلك، بينما سيناطح الأغبياء
منهم الواقع الجديد ووقتها لن يلوموا إلا أنفسهم.
واذا كان هذا هو حال كبيرهم كارتر الذي علمهم السحر فهل يعتقد تلامذة
التمويل وتجارة حقوق الإنسان بمصر أن لهم سندا بعد ثبوت ألعابهم القذرة.
الخارجية المصرية كانت قريبة من حدث كارتر، وبثبات كبير أعلنت على
لسان المتحدث الرسمي السفير بدر عبد العاطي أن الحكومة المصرية بادرت بإرسال
الدعوات إلى المنظمات الدولية لمتابعة سير العملية الانتخابية، وأوضح أنه لا توجد أي
قيود على المنظمات المدنية في متابعة الانتخابات.
المهم الآن هو أن انسحاب مركز كارتر من العمل بالقاهرة يعطينا دليلاً
جديداً على ما سبق وأن كتبناه مراراً حول خطورة ما يحاك لمصر، وعن التربص بكل خطوة
قد تدفع بلادنا للأمام، انسحاب مركز كارتر وهو خبر سعيد يعطينا قراءة جديدة تشير إلى
انتصار قد تحقق بالفعل على تيارات الظلام المتحالفة مع الخصم الأمريكي، وتيارات
الظلام هنا لا تسحب على المتأسلمين وحدهم ولكن لدينا ظلاميين آخرين تشدقوا بالجملة
الثورية بينما كانت ممارساتهم الفاسدة تصب في خندق الشاطر وبديع وفيرمونت مازال
شاهد على خيباتهم.