الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حماس.. سنوات في التيه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما أقدمت عليه منظمة حماس قبيل العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة (استمر 50 يومًا) كان بمثابة انتحار سياسى حقيقى حاول تحريك الأوضاع لصالح تلك المنظمة الإرهابية الشريرة، بعد انهيار سلطة الإخوان فى مصر، وانكشاف الأدوار الإجرامية التى لعبتها حماس فى محاولة تقويض مؤسسات الدولة المصرية، وتمكين الإخوان من الحكم زورًا واعتسافًا، وقتل المتظاهرين لتأجيج الوضع وإثارة الناس ضد النظام الوطنى فى البلاد.
تصورت حماس وقادتها – الذين كانوا الضلع الرابع فى مربع الشر مع تركيا وقطر والولايات المتحدة – أن استفزاز إسرائيل واستدراجها إلى العدوان على شعب غزة (بنفس النموذج السابق فى 2008 و2009) سوف يؤدى إلى تعاطف دولى يلتئم حول حائزى السلطة المغتصبة فى القطاع، وكذلك إلى اندفاع شعوب دول المنطقة إلى الخروج للشوارع فى مظاهرات حاشدة تعيد إنتاج التأييد الشعبى لحماس باعتبارها (حركة المقاومة الفلسطينية)، فضلا عن إحراج حكومات وأنظمة الدول العربية وإظهارها كما لو كانت تقف فى وجه إرادات شعوبها.
ولكن حماس لم تحظ – هذه المرة – بما تصورته أمرًا تلقائيًا وطبيعيًا، واقتصر المشهد على بعض المظاهرات التى تدين وحشية إسرائيل واستخدامها للقوة المفرطة بأكثر مما تؤيد حماس وتدعمها، وران صمت حقيقى على الشارع العربى، الذى انهارت مصداقية حماس فيه بعد الدور القذر الذى لعبته ضد مصر، ومحاولتها اغتصاب جزء من الأراضى المصرية بالاتفاق مع سلطة محمد مرسى (أول جاسوس مدنى منتخب) بما يحقق تمدد السكان الغزاويين فيه، ويحل أزمة إسرائيل التى تريد الاستيلاء على الضفة الغربية بالكامل، وجعل غزة وطنًا للفلسطينيين على حساب السيادة والمقدرات المصرية.
حماس – أيضًا – انكشفت أمام العرب والعالم، حيث راحت تروغ – مرة بعد أخرى – من تنفيذ استحقاقى الانتخابين التشريعى والرئاسى الفلسطينيين، لكى نعرف – وعلى نحو محدد- من الذى يحكم فلسطين.. إذ منذ الانقلاب الحمساوى عام 2007 على السلطة الفلسطينية بدا أن حماس وقادتها وحلفاءهم أنصار الإخوان الإرهابيين فى سلطتى قطر وتركيا يطبقون فى فلسطين مبدأ (ديمقراطية لمرة واحدة) التى تعنى استخدام الديمقراطية سلمًا للوصول إلى الحكم ثم ركل السلم فلا هم نزلوا ولا غيرهم طلعوا، وبما يعنى القضاء على مبدأ تداول السلطة وهو إحدى الركائز الأساسية للديمقراطية.
اتفقت حماس مع السلطة – مرة فى القاهرة ومرة فى الدوحة – على إجراء الانتخابات، ثم أطاحت بالاتفاق رافضة الاحتكام إلى الصناديق، وبخاصة بعدما تدفق أكثر من مليون مواطن فلسطينى إلى الشوارع فى غزة العام الماضى، للاحتفال بذكرى تأسيس (فتح)، وبما أعطى لسلطة حماس مؤشرًا سلبيًا حول النتيجة المتوقعة للانتخابات التشريعية والرئاسية إذا أجريتا.
وعلى الرغم من التصريحات المقززة التى أطلقها خالد مشغل رئيس المكتب السياسى لحماس، من مكمنه فى الدوحة، ضد المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار إبان العدوان الاسرائيلى الأخير فى غزة، وعلى الرغم من المحاولات المستميتة للمتآمرتين (تركيا وقطر) لإفساد فرص تلك المبادرة، فإن إرادة مصرية سياسية قوية تؤيدها الدول العربية التى فطنت حكوماتها إلى الأدوار الشريرة التى تلعبها حركة حماس، بالإضافة إلى رغبة دولية حقيقية فى الفروغ من ملف إقامة الدولتين، وإنهاء ذلك المشهد المخيف الذى يتكرر كل بضعة أعوام، دفعوا – جميعًا- إلى دعم دولى للمبادرة المصرية، وهزيمة حقيقية لمحور الشر القطرى – التركى – الحمساوى، رغم خروج إسماعيل هنية إلى الشوارع يرقص محاولًا التظاهر بالنصر على جثث آلاف الشهداء الفلسطينيين.
اليوم وبعد مؤتمر إعادة إعمار غزة، وتعهد المانحين بتقديم 5.4 مليار دولار كمساعدات للقطاع مع ضمانات لإشراف السلطة الفلسطينية على تسلم المساعدات بأجهزة رقابتها ذات الشفافية العالية وضمان وصولها كذلك إلى من يريد المجتمع الدولى إيصالها إليه فى غزة وبهذا وجدت حماس نفسها فى مأزق حقيقى ضخم؛ لأنها مضطرة إلى مواصلة العمل داخل حكومة الوفاق الوطنى (التكنوقراط)، والتى تتولى السلطة الفلسطينية بموجبها إدارة قطاع غزة، وإلا فإن المساعدات الدولية لن تجئ، وسخط وغضب أهالى القطاع سيبلغ حدًا مخيفًا ضد حماس.
وإذا انتقلنا إلى نقطة أبعد ينبغى لها أن تجرى وفق ما ينادى به المجتمع الدولى (والذى بدأ أخيرا يعلن موافقات برلماناته وحكوماته على قيام دولة فلسطينية).
ثم أن المبادرة العربية التى قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز – وقت كان وليًا للعهد – فى قمة بيروت 2002، والتى تقوم على تنفيذ قرارى مجلس الأمن 242 و338، والانسحاب الإسرائيلى من كافة الأراضى العربية المحتلة بعد 4 يونيو 1967، والجزء الشرقى من القدس فى مقابل السلام العربى مع إسرائيل وتطبيع العلاقات، وعودة اللاجئين الفلسطينيين طبقًا للقرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكل ذلك مدعوم بما تم التوصل إليه فى مؤتمر مدريد للسلام.
انتهاء الموضوع – على ذلك النحو – يفقد حماس مبرر الوجود ويدفع بها إلى تيه سياسى كذلك الذى تعيش فيه – اليوم – كل من تركيا وقطر، لا بل ولا أبالغ إذا قلت إدارة أوباما فى الولايات المتحدة الأمريكية إذ تحطمت المشاريع الاستراتيجية للكل: (الشرق الأوسط الأوسع)، و(العثمانية الجديدة)، و(الخلافة الإخوانية)، و(غزة الكبرى)، وبات على الجميع السعى نحو تحقيق ما تتراضى عليه الآن شعوب المنطقة المنكوبة، والتى كانت حماس أحد ملامح نكبتها الحقيقية.