اتفقت الدراسات المتخصصة على تحديد عدد من العوامل المؤدية الى تفكك الجماعة منها:
1ـ اكتساب الجماعة خصائص كريهة، وليس المقصود باكتساب الجماعة خصائص كريهة أن يصبح ذلك هو رأى الآخرين فى تلك الجماعة بل أن وجود هذا الرأى لدى الآخرين قد يزيد من تماسك الجماعة.. إن ما نقصده هو أن تكتسب الجماعة تلك الخصائص الكريهة فى أعين أعضائها أنفسهم ما يدفعهم الى تركها وبالتالى تتفكك وتنتهى، ورغم أن اكتساب الجماعة خصائص كريهة في أعين أعضائها يؤدي منطقيًا إلى انهيار الأواصر التي تربطهم بجماعة الانتماء، إلا إن ذلك لا يصدق في كل الأحوال وخاصة فيما يتعلق بجماعة الانتماء القومي، حيث يصبح الأمر أكثر تعقيدًا، ونصبح حيال احتمالين: الأول أن تدفع تلك الخصائص الكريهة بفريق من أعضاء الجماعة إلى أن يولوا ظهورهم لجماعتهم في صمت نازعين عن أنفسهم ما يربطهم بها مولين وجوههم صوب جماعة جديدة يلتمسون عضويتها.. ولكن ثمة فريقًا آخر يمارس "جلد الذات" بقسوة، وما يتضمنه ذلك النقد من كشف صارخ لسلبيات الأداء القومي، بل ومراجعة للعديد من مسلمات الفكر القومي، ولكن ارتباط ذلك الفريق بالجماعة يظل على ما هو عليه بل قد يتزايد، محولًا نقده الذاتي إلى قوة دافعة لمحو تلك الخصائص الكريهة عن جماعته.. ولعل أوضح مثال لذلك الفريق هو ما شهدته الأمة عقب هزيمة 1967، إذ تصاعدت موجة ما يمكن أن يطلق عليه "الميل إلى جلد الذات".
ويكفي النظر في هذا الصدد إلى تيار ما زال مستمرًا من الكتابات التي بدأت عقب الهزيمة، ثم استمرت في التصاعد، يكفي أن ننظر مثلاً إلى عنوان كتاب صادق جلال "النقد الذاتي بعد الهزيمة" الصادر 1968، والذي أرجع فيه الهزيمة إلى ما تتصف به الشخصية العربية من سمات سلبية مثل إزاحة المسئولية عن النفس، وإرجاع الهزيمة إلى عوامل خارجية، والعجز عن تقبل الحقيقة والواقع، وإخفاء العيوب.. ويتفق ذلك مع ما خلص إليه فؤاد زكريا في مقاله المنشور 1969 والمعنون "شخصيتنا القومية.. محاولة للنقد الذاتي"، وتشير دراسة ميدانية منشورة عام 1981، أجراها سعد الدين إبراهيم والسيد يسن، ووليد قزيحة إلى أن صورة الشخصية العربية في عيون أبنائها تتصف بالغدر، والخيانة، والضعف، والخشونة، والصلف، والبذخ، والكسل، والنفاق، والتناقض.. ويرجع هشام شرابي سلبيات الشخصية العربية إلى طبيعة الأسلوب السائد في الأسرة العربية والذي ينمي الشعور بالتواكل، والعجز، والقدرية، وعدم التخطيط للمستقبل، والتشاؤم.. ويخلص مصطفى سويف في دراسة منشورة عام 1985 إلى أن سمات الشخصية المصرية كما يراها أبناؤها تتمثل في تأكيد الذات إلى درجة تقرب من العدوانية، والتمركز حول الذات، والعجز عن الشعور بالانتماء، وعدم الإنجاز، والتشاؤم.. ويشير أحمد زايد في دراسته المنشورة عام 1990 إلى أن سلبيات الشخصية المصرية كما يراها أبناؤها تتمثل في التناقض وازدواجية بين القول والفعل، والشك والتوجس، والتواكل، والسلبية.. ويخلص فرج عبدالقادر طه في دراسته المنشورة عام 1994 إلى أن أهم السمات السلبية في الشخصية المصرية كما يراها أبناؤها تتمثل في الانتهازية، واللامسئولية، وتبلد العواطف الأسرية، وضعف الالتزام بالمبادئ والمعايير الأخلاقية.
لقد تعمدنا أن نقف قليلا أمام هذه الظاهرة محاولين التأكيد على ضرورة التروي قبل إلحاق وصمة الخيانة بأولئك الأبناء المغتربين إذا ما وجهوا سهام نقدهم مهما كانت قاسية، ومهما كان صراخهم عاليًا.. النقد يحتمل الخطأ والصواب، أما الخيانة أو الانفصال عن الجماعة فغالبًا ما يتم في صمت بل وفي خفاء.
2ـ تناقص قدرة الجماعة على إشباع احتياجات الأفراد، تقوم الجماعات على إشباع حاجات أساسية لدى المنتمين لها، ورغم أن تلك الحاجات الأساسية لا تقتصر على ما هو مادي، فإن لنجاح جماعة الانتماء في إشباع الحاجات المادية لأعضائها أهمية لا يمكن إنكارها.. إن موضوع الانتماء القومي لدينا كثيرًا ما تحيطه غلالة رومانسية تحاول أن تنأى به عن ارتباطه بمستوى الإشباع المادي للحاجات، إلى حد أن الكثير منا قد ينظر إلى المهاجرين سعيًا للرزق من أبناء الوطن نظرة يشوبها التشكك في انتمائهم العربي، رغم ما تشير إليه نتائج العديد من الدراسات الميدانية من أن المهاجرين عمومًا يكونون أكثر تشددا في التعبير عن انتماءاتهم وعلى أي حال فإن التسليم بحقيقة الأساس المادي للانتماء لا يعني بالضرورة أن ثمة علاقة آلية بين إشباع الحاجات المادية، والانتماء إلى الجماعة التي تشبع تلك الحاجات، وإلا لكف المحرومون ماديًا عن الانتماء إلى جماعاتهم القومية، وهو الأمر الذي يحدث عكسه في كثير من الأحيان حيث قد تزيد درجة انتماء أولئك المحرومين عن نظيرتها لدى غيرهم من المشبعين..
خلاصة القول إذن.. إن الحرمان المادي لا يؤدي تلقائيًا إلى ضعف الانتماء، إذا لم تصاحبه أحاسيس بالظلم، وبانعدام فرص تحسين الأوضاع.
1ـ اكتساب الجماعة خصائص كريهة، وليس المقصود باكتساب الجماعة خصائص كريهة أن يصبح ذلك هو رأى الآخرين فى تلك الجماعة بل أن وجود هذا الرأى لدى الآخرين قد يزيد من تماسك الجماعة.. إن ما نقصده هو أن تكتسب الجماعة تلك الخصائص الكريهة فى أعين أعضائها أنفسهم ما يدفعهم الى تركها وبالتالى تتفكك وتنتهى، ورغم أن اكتساب الجماعة خصائص كريهة في أعين أعضائها يؤدي منطقيًا إلى انهيار الأواصر التي تربطهم بجماعة الانتماء، إلا إن ذلك لا يصدق في كل الأحوال وخاصة فيما يتعلق بجماعة الانتماء القومي، حيث يصبح الأمر أكثر تعقيدًا، ونصبح حيال احتمالين: الأول أن تدفع تلك الخصائص الكريهة بفريق من أعضاء الجماعة إلى أن يولوا ظهورهم لجماعتهم في صمت نازعين عن أنفسهم ما يربطهم بها مولين وجوههم صوب جماعة جديدة يلتمسون عضويتها.. ولكن ثمة فريقًا آخر يمارس "جلد الذات" بقسوة، وما يتضمنه ذلك النقد من كشف صارخ لسلبيات الأداء القومي، بل ومراجعة للعديد من مسلمات الفكر القومي، ولكن ارتباط ذلك الفريق بالجماعة يظل على ما هو عليه بل قد يتزايد، محولًا نقده الذاتي إلى قوة دافعة لمحو تلك الخصائص الكريهة عن جماعته.. ولعل أوضح مثال لذلك الفريق هو ما شهدته الأمة عقب هزيمة 1967، إذ تصاعدت موجة ما يمكن أن يطلق عليه "الميل إلى جلد الذات".
ويكفي النظر في هذا الصدد إلى تيار ما زال مستمرًا من الكتابات التي بدأت عقب الهزيمة، ثم استمرت في التصاعد، يكفي أن ننظر مثلاً إلى عنوان كتاب صادق جلال "النقد الذاتي بعد الهزيمة" الصادر 1968، والذي أرجع فيه الهزيمة إلى ما تتصف به الشخصية العربية من سمات سلبية مثل إزاحة المسئولية عن النفس، وإرجاع الهزيمة إلى عوامل خارجية، والعجز عن تقبل الحقيقة والواقع، وإخفاء العيوب.. ويتفق ذلك مع ما خلص إليه فؤاد زكريا في مقاله المنشور 1969 والمعنون "شخصيتنا القومية.. محاولة للنقد الذاتي"، وتشير دراسة ميدانية منشورة عام 1981، أجراها سعد الدين إبراهيم والسيد يسن، ووليد قزيحة إلى أن صورة الشخصية العربية في عيون أبنائها تتصف بالغدر، والخيانة، والضعف، والخشونة، والصلف، والبذخ، والكسل، والنفاق، والتناقض.. ويرجع هشام شرابي سلبيات الشخصية العربية إلى طبيعة الأسلوب السائد في الأسرة العربية والذي ينمي الشعور بالتواكل، والعجز، والقدرية، وعدم التخطيط للمستقبل، والتشاؤم.. ويخلص مصطفى سويف في دراسة منشورة عام 1985 إلى أن سمات الشخصية المصرية كما يراها أبناؤها تتمثل في تأكيد الذات إلى درجة تقرب من العدوانية، والتمركز حول الذات، والعجز عن الشعور بالانتماء، وعدم الإنجاز، والتشاؤم.. ويشير أحمد زايد في دراسته المنشورة عام 1990 إلى أن سلبيات الشخصية المصرية كما يراها أبناؤها تتمثل في التناقض وازدواجية بين القول والفعل، والشك والتوجس، والتواكل، والسلبية.. ويخلص فرج عبدالقادر طه في دراسته المنشورة عام 1994 إلى أن أهم السمات السلبية في الشخصية المصرية كما يراها أبناؤها تتمثل في الانتهازية، واللامسئولية، وتبلد العواطف الأسرية، وضعف الالتزام بالمبادئ والمعايير الأخلاقية.
لقد تعمدنا أن نقف قليلا أمام هذه الظاهرة محاولين التأكيد على ضرورة التروي قبل إلحاق وصمة الخيانة بأولئك الأبناء المغتربين إذا ما وجهوا سهام نقدهم مهما كانت قاسية، ومهما كان صراخهم عاليًا.. النقد يحتمل الخطأ والصواب، أما الخيانة أو الانفصال عن الجماعة فغالبًا ما يتم في صمت بل وفي خفاء.
2ـ تناقص قدرة الجماعة على إشباع احتياجات الأفراد، تقوم الجماعات على إشباع حاجات أساسية لدى المنتمين لها، ورغم أن تلك الحاجات الأساسية لا تقتصر على ما هو مادي، فإن لنجاح جماعة الانتماء في إشباع الحاجات المادية لأعضائها أهمية لا يمكن إنكارها.. إن موضوع الانتماء القومي لدينا كثيرًا ما تحيطه غلالة رومانسية تحاول أن تنأى به عن ارتباطه بمستوى الإشباع المادي للحاجات، إلى حد أن الكثير منا قد ينظر إلى المهاجرين سعيًا للرزق من أبناء الوطن نظرة يشوبها التشكك في انتمائهم العربي، رغم ما تشير إليه نتائج العديد من الدراسات الميدانية من أن المهاجرين عمومًا يكونون أكثر تشددا في التعبير عن انتماءاتهم وعلى أي حال فإن التسليم بحقيقة الأساس المادي للانتماء لا يعني بالضرورة أن ثمة علاقة آلية بين إشباع الحاجات المادية، والانتماء إلى الجماعة التي تشبع تلك الحاجات، وإلا لكف المحرومون ماديًا عن الانتماء إلى جماعاتهم القومية، وهو الأمر الذي يحدث عكسه في كثير من الأحيان حيث قد تزيد درجة انتماء أولئك المحرومين عن نظيرتها لدى غيرهم من المشبعين..
خلاصة القول إذن.. إن الحرمان المادي لا يؤدي تلقائيًا إلى ضعف الانتماء، إذا لم تصاحبه أحاسيس بالظلم، وبانعدام فرص تحسين الأوضاع.