تحوز انتخابات الجمعيات العمومية ومجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية، التى تنطلق اليوم مرحلتها الأولى من مؤسسة الأهرام وتستكمل بعد غد فى مؤسسة أخبار اليوم والشركة القومية للتوزيع، ويوم الخميس بدار التحرير ووكالة أنباء الشرق الأوسط، وتختتم 19 أكتوبر - فى مثل هذا اليوم - بـ«روز اليوسف ودار المعارف ودار الهلال»- اهتمامًأ غير مسبوق من جانب جموع العاملين والدولة باعتبارها بروفة حقيقية لانتخابات مجلس النواب فى صورته الجديدة وفقا للدستور المعدل والمستفتى عليه بـ99% بالقبول. وبصرف النظر عن الظروف الاستثنائية التى تتم خلالها هذه الانتخابات بدءا من قرار المجلس الأعلى للصحافة الذى تحوم الشبهات حول استمراره حتى الآن فى ظل الدستور الجديد الذى ينص صراحة على تشكيل مجلس وطنى للإعلام يتولى إدارة المنظومة الإعلامية، وهو ما دفع الحكومة فى أثناء تشكيلها برئاسة المهندس محلب عقب تكليفه من الرئيس عبد الفتاح السيسى بإلغاء وزارة الإعلام، ومرورا باختياراته لعدد من القيادات الصحفية دون المستوى حتى بات الرئيس السيسى لا تخلو خطاباته من توجيه اللوم إلى دور الإعلام الذى يشبه حاله بالتلميذ الراسب فى الإعدادية، وانتهاء بإصدار قراره بإجراء انتخابات مجالس الإدارات والجمعيات العمومية فى أكتوبر الحالى أى بعد 9 أشهر من انتهاء مدتها فى 4 يناير الماضى، ورغم ذلك كله، فإن الانتخابات تحمل الكثير من الدلالات المهمة التى يمكن إجمالها فى الآتى: أولا: إن هذه الانتخابات تأتى فى وقت يتعرض فيه مستقبل المؤسسات القومية للخطر الداهم بسبب ارتفاع مديونياتها إلى أكثر من 10 مليارات جنيه والخسائر مازالت مستمرة، ورافق ذل الحاجة جموع الصحفيين، بسبب فتات الأجور التى لا تغنى من جوع وجعلت معظم الصحفيين يلجأون للصحف الخاصة، ويكون ولاؤهم لتلك الصحف، بينما مؤسساتهم القومية مجرد استراحة لتناول الشاى والقهوة، والاتصال، واستخدام هواتفها للعمل الخارجى، وربما كان مكمن الداء فى تدنى أوضاع الصحفيين فى المرحلة الماضية، يعود لضعف أداء مجالس الإدارات المتتالية فى المرحلة الماضية، خاصة أن النظام السابق نجح فى زرع أياد قوية له فى إدارة المؤسسات القومية، من خلال تدخله فى اختيار الأعضاء الستة الذين يتم تعيينهم. ثانيا: غياب الرقابة والمساءلة والنزاهة، على رؤساء مجالس إدارات الصحف الذين جمعوا بين منصبين كليهما يحتاج للتفرغ التام، وذلك فى قرار خاطئ ستدفع ثمنه المؤسسات والعاملون فيها، فالكثير من المؤسسات الصحفية تغيب عن أجندتها المشاريع الاستثمارية وتكون دائماً عرضة للهزات والعثرات المالية، ويظنون خطأ أن عمليات إصدار الصحف هى الوظيفة الوحيدة التى يجب أن يعملوا فى دوائرها، ولكُم أن تتخيلوا أن إحدى المؤسسات الصحفية زاد رأسمالها إلى الضعف ولم تنفذ مشروعاً استثمارياً واحداً يستفيد من الزيادة الهائلة فى رأس المال!! ثالثا: الرسالة السلبية الموجهة من القوائم التى يعدها رؤساء التحرير ومجالس الإدارات وشلتهم اليسارية والناصرية، تحت عنوان «انتخبوا هؤلاء لأن من ليس معنا فهو علينا»، رغم أنه من المفترض أن يكون انتخاب أى مرشح بسبب انتمائه للمؤسسة، وليس لتيار سياسى معين، وكأن الثورة لم تمر من شارع الصحافة، وهى بالفعل رسالة قوية لما سيكون عليه الحال فى الانتخابات البرلمانية «مجلس النواب الجديد»! رابعا: الحريات لا تقوم على الهوامش ولكى نتخلص من الكبت والقمع والإذلال الذى يمارسه رؤساء مجالس الإدارات، لابد أن يكون للعاملين جميعا فى المؤسسات كلمتهم الواحدة، وعدم التفرقة بين صحفى وإدارى وعامل، لإن الكل فى مركب واحد، والحسنة يجب أن تعم والسيئة تخص، وليس العكس. خامسا: إن الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات مازال أكثر من نصفها يتم بالتعيين، فيكون الولاء لمن قام بتعيينهم، وعليه فإن الموافقة و السكوت لهما المقابل المناسب، علاوة على ترسانة القوانين الحاكمة للمهنة التى مازالت كما هى فى عصر مبارك، فإذا كان شعار الثورة المصرية العدالة الاجتماعية فإن من الضرورى أن يتم تغيير بنية أجور الصحفيين لأن الصحفى الذى لا يحصل على أجر يكفى احتياجاته حريته منقوصة كما يقال. وحتى لا نتفرع فى موضوعات وقضايا عديدة فإن سؤال الساعة ما هو المطلوب من عضو مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية؟ فى تصورى أن أهم البرامج التى يعمل من أجلها الأعضاء سواء من الصحفيين أو الإداريين أو العمال هى: 1- إعداد مشروع لائحة جديد للأجور يتناسب مع الارتفاع الجنونى للأسعار، ويحقق الاستقرار والمساواة بين الجميع، مع إلغاء العمل نهائياً فى التعيين بـ«الكادر الخاص» الذى فرق كثيرا بين العامل وزميله فى الراتب الأساسى. 2- العمل على استقلال المؤسسات القومية وجعل مستقبل الصحافة بين يدى الصحفيين وليس فى أيدى السلطة. 3- «أن يكون الولاء أولاً للمؤسسة ولمن انتخبك، وليس لمن يدفع، أو لرئيس مجلس الإدارة من أجل تعيين الأولاد وأقارب المدام وأبناء البلدة، وكفى مثالاً ما يحدث فى مؤسسة الأهرام بتعيين أكثر من 150 موظفا من «شطانوف» بالمنوفية، أو عضو مجلس الإدارة الذى عين 5 من أولاده وأقاربه!! 4 - تضمين نظام المؤسسات الصحفية مواد نظامية تتناول أهم الوظائف الاستراتيجية التى يجب أن تقوم بها الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة للمساهمة فى صنع النجاح. 5-التخلى عن أسلوب توزيع المناصب على المنتمين لتيارات بعينها، لأنه أخل بالقواعد المهنية فى إدارة الصحف، وزاد من الانتماء السياسى أكثر من الانتماء المؤسسى والصحفى، والذى تكرر فى اختيار القيادات الصحفية فى عهد الإخوان، وعهد مجلس الناصريين واليساريين الحالى، وهو تكرار لنفس أسلوب النظام السابق من توزيعها على المنتمين للحزب الوطنى المنحل والأجهزة الأمنية. 6- إصدار كل مؤسسة صحفية لائحة الصلاحيات والسلطات بين رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارات والمديرين العموميين، تحدد طريقة اتخاذ القرارات، والمسئولين عنها، لوقف الفساد الإدارى والوظيفي. 7- عدم تأخير الميزانيات المالية السنوية للصحف، ونشر ميزانياتها السنوية على الرأى العام، وخلق جدية لدى الجهاز المركزى للمحاسبات فى ذكر الملاحظات عليها، والتزام المؤسسات الصحفية بالاستجابة لها. 8 - قيام إدارات تحرير الصحف بالالتزام بالمعايير الدولية فى حق الجمهور فى المعرفة، وحق المصادر الصحفية فى الوصول للجمهور، وحق الصحفيين فى التعبير، وحق الصحف فى تغطية الأحداث وهو ما يطالب به جميع المعنيين بحرية الصحافة. 9 - معالجة ضعف مجالس الإدارات والجمعيات العمومية فى المؤسسات الصحفية والذى يكمن فى غياب ثقافة وفلسفة عملهم، وهذا الغياب يعود لعدم ممارسة الأعضاء لحقوقهم ولهثهم وراء الأظرف التى تسلم «تحت الترابيزة» كما كان يحدث فى العهود السابقة، وإلا فلماذا لم نجد واحداً قدم استقالاته لعدم تنفيذ برنامجه الذى صدعنا به طوال فترة ترشحه، أو نجد أحدهم وعد بالتنازل عن أى مخصصات مالية لهذا الموقع، أو يساهم بما يحصل عليه لدعم أى صندوق من الصناديق الخيرية التى تخدم الحالات الحرجة للزملاء من العاملين بالمؤسسة. حقا املأ الفم تستحى العين وتحجب الاستقالة. 10 - تقنين عملية الترشح لتلك العضوية فهذه الأعداد الضخمة من المرشحين الذين معظمهم لم يعرفوا بندا واحدا فى لائحة مؤسسته، علاوة على ترشح محترفى «رسوب» ووجوه نراها فى كل انتخابات، وكأنهم مكررون علينا فى كل انتخابات ولا أدرى لماذا هذا التكالب على الترشح؟. أخيراً نحن فى حاجة ماسة إلى «الأمانة» وليس «خيانة» الأمانة المتمثلة فى اختيار أعضاء مجالس إدارات وجمعيات عمومية على قدر مسئولية الهزات العنيفة التى يحدثها زلزال الأزمة الاقتصادية بمؤسساتنا، لتستطيع تلك المجالس المنتخبة مواجهة التحديات الكثيرة التى تواجهها ومن أهمها الأزمة المالية التى تهدد المطابع بالتوقف عن الدوران، مثل دار الهلال التى توقف فيها العمل بالفعل فى عام 2013 لعدة أيام وحجبت مجلة المصور لأول مرة منذ إصدارها فى موعدها المحدد.. وذلك لعدم توافر السيولة المالية لشراء الورق والخامات ومستلزمات الإنتاج ودفع الرواتب وحوافز ومكافآت من مستحقات العاملين. وما مؤسستا دار المعارف وروز اليوسف بأحسن حالا من الهلال، الأمر الذى يهدد بتكرار سيناريو احتجاج وإضراب العاملين فى بعض المؤسسات الذى حدث العام الماضى إذا لم يتم حل الأزمة المالية للمؤسسات بإعادة طبع الكتب المدرسية فى المطابع وجدولة أصل ديون المؤسسات وإسقاط الفوائد.. هذا غير ضبط العمل داخل الإصدارات التى تعانى من الخسائر والوقوف ضد الفساد والمفسدين وما أكثرهم!!
آراء حرة
خيانة الأمانة فى انتخابات المؤسسات الصحفية!
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق