تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لأول مرة- منذ فترة طويلة- قلمى يعاندني.. والكلمات تستعصي عليّ! رغم أن الأحاسيس تتدافع، والعين تغرورق بالدموع.. أعتقد أنها حالة العشق اللا متناهي.. ففي العشق يصيبنا العجز التام عن الكلام أو التعبير والوصف، وتتسابق الأحاسيس كي نعبّر عنها إحساس تلو الآخر.. نعم أعلنها صراحة وبدون مواربة أو خجل.. أناعاشقة.. وسوف أظل حتى أواري في التراب وتصعد روحي لبارئها.. أجل عاشقة.. عاشقة مصر بكل ذرّة من كياني.. وكل نفس من أنفاسي.. في كل لمحة من لمحاتي.. وبكل حرف من حروف اسمى.. أنا عاشقة مصر.. وازدادت المشاعر تأججا وكان السبب هذه الأيام التي تمر علينا.. أيام الاحتفالات بنصر أكتوبر، وأعترف أن حب الوطن والإحساس بقيمته تتضاعف أضعافا.. قد تكون كثرة المِحن وكل ما مررنا به مؤخرا والخوف عليه من الضياع والشعور بأنه مهدّد.. إضافة إلى عام (أسود ملعون) من حكم إرهابي غاشم.. حقا الإنسان لا يشعر بقيمة ما لديه إلا في حالة فقدانه!! لأول مرة أجلس لأستمع لخطاب رئيس الجمهورية وأنا افتخر بما أرى وأتابع الاحتفالات العسكرية وبدني يقشعر فرحة وسعادة ولسانى يردد ( الله اكبر عليكى يامصر- الله حاميكى يامصر -إنتى عظيمة يامصر- ولادك رجالة وأبطال يامصر) أجل (مصر كبيرة قوى) هذه كلمة أبي الذي دائما يرددها على مسامعي.. أجلس معه ويحكي لي قصصا كثيرة، ويخبرني عن المشقة والصعاب أثناء خدمته في القوات المسلحة، ورغم كل ذلك فولاؤه لمصر وللجيش لاحدود له .. فهو من غرس فى عشق تفاصيل الوطن والغضب العنيف من أى شيء يمسه أو يؤذيه .. رجل بهيبته وجديته وصرامته رأيت دموعه يوم فوز مرسي (لإدراكه ما نحن مقدمين عليه) ويوم رحيله (من شدّة فرحته) ويوم أن أصبح السيسي رئيسا (يوم عودة مصر للمصريين) ..ودائما أبى يبث الطمأنينة فى قلبي قائلا: لاتخافي أبدا فالله حافظ مصر.. وجيش مصر عظيم ..إياكِ والشك للحظة.. فالناس تحب الجيش وتثق فيه ولكن لا تعرف قدراته الحقيقية بالصورة الكاملة.. ومن خدم فيه وكان الجيش أسرته الأولى يدرك كلامى.. اطمئنى هم خير أجناد الأرض حقا وصدقا ويقينا) .. فتجيء قصة البطل (محمد العباسي) لتكمل لي ملحمة العشق ..وقصة ذلك البطل لمن لا يعرفه كالآتي: في صباح السادس من أكتوبر 1973 - العاشر من رمضان 1393.. بدأت عمليات التمويه حتى يطمئن الجنود الإسرائليون من أننا نرقص ونلهو ونلعب وفي ساعة الصفر بدأ الجنود في عبور قناة السويس وكان البطل محمد العباسي في مقدمة القوات التي تقوم بعملية العبور و فرح كثيرا عندما شاهد الطيران المصري عائدا بعد أن دك المطارات الإسرائيلية فنظر البطل إلى السماء فشاهد (الله اكبر) مكتوبة بخطوط السحب– كما قال إنه رآها- فهلّل مع الجنود (الله اكبر) وكانت صيحة العبور.. أسرع البطل نحو دشمة من دشم خط بارليف ولم يهب الألغام أو الأسلاك الشائكة التي مزقت ملابسه وجرحت جسده، وبمجرد وصوله للدشمة فتح نيران سلاحه على جنود العدو فقتل 30 إسرائيليا ثم ألقى قنبلة من خلال فتحة الدشمة، فسمع صراخ الإسرائيليين وكانت بالنسبة له زغاريد فرح.
تم أسر 21 جنديا إسرائيليا، ثم صعد إلى قمة الدشمة ومزق العلم الإسرائيلي ورفع مكانه العلم المصري معلنا تحرير أول نقطة بالقنطرة شرق.. ومعلنا دخوله التاريخ من أوسع وأنبل الأبواب لأنه بذلك يعدّ أول مصري يرفع العلم المصري يوم العبور العظيم على أول نقطة تم تحريرها يوم العبور العظيم– واستكمالا لقصته حتى اليوم- فقد رُزق البطل (محمد العباسي) بمولود أسماه (نصر) اعتزازا وافتخارا بنصر أكتوبر المجيد، وبعد تأدية الخدمة العسكرية عاد إلى قريته التى خرجت عن بكرة أبيها واستقبلت ابنها وابن مصر البطل وبعد مدة قليلة تم تعيينه بالوحدة الصحية بالقرية، وابتهاجا واحتفالا بنصر أكتوبر قام الحاج (حسن فهيم خطاب) أحد أبناء محافظة الجيزة بإهداء فيلا بالهرم إلى وزارة الحربية لتهديها إلى أول من قام برفع علم مصر يوم العبور العظيم.. فقامت الوزارة بإهداء الفيلا إلى البطل (محمد العباسى) فى حفل كبير حضره لفيف من القيادات الرسمية والشعبية .. وأثناء الاحتفال طلب منه الحاج (حسن فهيم) تسجيل اسمه كابن من أبناء محافظة الجيزة فقال البطل: أنا ابن مصر كلها، كما تم تكريم من قِبل قريته وقام قائد الجيش الثاني الميداني اللواء (فؤاد عزيز غالي) بتكريمه و كرّمته جامعة الزقازيق، واليوم يحرص البطل (محمد العباسى) على الجلوس مع أولاده (نصر- جلال- أمال- هيام) وأحفاده ليقصّ عليهم قصص البطولات له ولزملائه، سواء من استشهد منهم أو من أصيب.
أرأيتم.. تلك قصة واحدة فقط من مئات- وقد تكون الآف- القصص العظيمة التى جسّدها أبطال لم يسع أحد منهم إلى الشهرة أو المال أو المنصب بل منتهى التضحية وإنكار الذات والإيثار والتفاني والإخلاص فقط من أجل مصر.. ومن أجل حبة رمل من أرضها.
ويلعب القدر دوره فيدخل علينا عيد الأضحية مع عيد التضحية.. وكأن الله سبحانه وتعالى يعوّضنا عن ما عانيناه ونحن نتمزق يوم احتفال نصر أكتوبر عندما رأينا الخونة والقتلة والإرهابيين خريجي السجون وهم يعتلون المنصة لنرى القاتل يرقص فوق جثة القتيل ويدوس بقدمه موطأ الدماء الطاهرة ونموت فى كل لحظة وهم يبيعون الوطن امام أعيننا ويجعلونه مباحا.. فنحن دفعنا الثمن شهداءنا زهرة شباب مصر من أجل قطعة أرض داخلها وهم يفرّطون فى أرضها بأكملها وبدم بارد .. ولكن إرادة الله فوق كل إرادة..
(وإن ينصركم الله فلا غالب لكم) فها هي مصر ترتدي ثوب العيد ويحتفل بها شعبها المحب العاشق والعيد عيدين عيد الأضحية وعيد التضحية .. عيد اللحمة وعيد الملحمة!