تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كيف استولى الإخوان على ساحات صلاة العيد
هتافات ضد الجيش.. تهديد المواطنين.. وشائعات عن الحكومة
يمكن أن نرتاح تمامًا عندما نؤكد لأنفسنا ولمن حولنا، أن الإخوان المسلمين انتهوا تماما، لم يعد لهم أثر، أصبحت الجماعة التى ملأت الدنيا وشغلت الناس مجرد ذكرى، وأنهم إما سجين على ذمة قضايا إرهابية وإما هارب فى "بلاد الله خلق الله"، وإما مختفٍ ومتخفى فى بيته لا يظهر خوفا من المساءلة القانونية، وأن أعضاء جماعة الشيطان– هى كذلك بالفعل– لن يعودوا إلى الساحة من جديد، وأن كثيرين منهم تبرأوا مما فعلوه، وينتظرون الإذن بالدخول، ليعيشوا فى شوارع المدينة مثل المواطنين الصالحين الأتقياء الأنقياء.
هل ستغضبون إذا قلت لكم إن هذا مجرد وهم؟
اغضبوا بالطبع، فالغضب الآن أهم كثيرا من أن نجد أنفسنا وجها لوجه أمام كارثة انبعاث الجماعة من مرقدها، وأن الرماد الذى دُسنا عليه بأقدامنا لم يكن إلا قناعا ارتدته النيران الكثيفة التى لن تبقى ولن تذر إذا خرجت من مخبئها.
هل أبدو متشائمًا؟.. هل أبدو مغيبًا لا أعى ما أقول ولا أدرك حقائق الأمور على الأرض؟
لست كذلك على الإطلاق.. وإذا أردتم أن نجعل للحديث بداية جديدة وواقعية، فها هى بين أيديكم.
يحلو للمسئولين فى وزارة الأوقاف أن تؤكد أنها حاصرت جماعة الإخوان وطهرت المساجد منهم، وحلا لها، كذلك، أن تؤكد أن الجماعة الإرهابية لم تقترب من ساحات صلاة العيد التى انتشرت بطول مصر وعرضها.. وينتشى الدكتور مختار جمعة وهو يهاجم الإخوان أينما حل أو رحل، مصورًا نفسه كقائد جيوش استطاعت أن تقطع أوصال الجماعة تقطيعًا، لكن للأسف الشديد لم يحدث شىء من هذا.
كنت أتابع كعادتى ما يجرى فى الدنيا.. ولأن الكلمات وحدها لا تكفى، فقد مارست هواياتى فى مشاهدة الفيديوهات الجديدة على موقع اليوتيوب، فهى مصدر مهم وحيوى وحقيقى للمعلومات، فأنت فى قلب الحدث دون محاولات خداعٍ كثيرة.
لفت انتباهى كم الفيديوهات التى تصور حضور جماعة الإخوان المسلمين فى صلاة العيد، ليس كمصلين، ولكن كمنظمين للصلاة وكخطباء فى ساحاتها.. صحيح أن الإخوان يبالغون كعادتهم فى فعالياتهم، يصفونها بالحشود الهائلة، يحاولون صبغتها بصبغة عامة بعيدة عن كونها فعالية تقوم بها الجماعة لتحقيق أهدافها وحدها، لكن ما جرى على الأرض يستحق التوقف طويلا.
معظم الفيديوهات كان من الإسكندرية.. فى شارع بلال بن رباح، احتل الإخوان الشارع تمامًا، وعلقوا لافتة كبيرة بألوان زاهية، كتبوا عليها "الإخوان المسلمون يهنئونكم بعيد الأضحى المبارك لعام 2014 – 1435"، وعلى نفس اللافتة شعار "الإخوان المسلمون" واضح وصريح ولا تخطؤه العين.
وفى المعمورة البلد حيث نظم الإخوان المسلمون صلاة العيد فى مصلى السنترال علقوا لافتة ضخمة جدا، وعليها نفس العبارة: "الإخوان المسلمون يهنئونكم بعيد الأضحى"، لكن هذه المرة دون شعار الجماعة.
تتوالى الوقائع والصور فى منطقة الحرمين وأسفل لافتة مكتوب عليها "وحدتنا مصدر قوتنا" صلى مئات من جماعة الإخوان صلاة العيد، ومن المعمورة وبعد أن قاد الإخوان صلاة العيد خرجوا فى مسيرة أطلقوا عليها كذبًا وزورًا أنها حاشدة، رافعين شعار رابعة وصور محمد مرسى الذين يصفونه بأنه الرئيس الشرعى للبلاد.
فى العصافرة خرج الشباب من مصلى الإخوان فى مسيرة قالوا إنها كانت مفاجئة لقوات الأمن، ولأنهم يريدون أن يظهروا كأصحاب حق، رددوا شعارات من عينة " افرحى يا أم الشهيد.. ثورة تانى من جديد، وهنجيب حق المصريين، وهنجيب حق المعتقلين".. وأمام الكاميرا وقفت فتاة صغيرة ربما لا تدرى معنى ولا هدف ما تقول، لتردد: "نازلين عشان القصاص طبعا".
وفى قرية الصمود وقف خطيب العيد الإخوانى ليسب الحكومة والقائمين على أمور البلد، ويسخر من انقطاع الكهرباء، التى لا يراها، وكل ما يراه على حد قوله فواتير مرتفعة جدا، وبحسب تعبيره الدقيق: "احنا بنشوف فواتير سودا على دماغهم".
لا أستعرض هنا بطولات جماعة الإخوان المسلمين الذين استطاعوا بالفعل أن ينظموا صلاة العيد ويقفوا بين الناس ليتحدثوا كما يشاءون، وقبل أن تنفعل غاضبا وتقول إن هذا حدث فى الإسكندرية، وهى المدينة صاحبة الطابع الخاص، فالإخوان يسيطرون عليها منذ سنوات (لاحظ أننا كنا نقول إن السلفيين هم الذين سيطروا عليها وليس الإخوان)، وطبيعى أن نرى هذا المشهد، رغم أن ما قلته ليس إلا نماذج فقط، فالمواقع التى ظهرت فيها الجماعة كثيرة.. ومزعجة.
سأقول لك، ما جرى لم يكن حكرا على الإسكندرية وحدها، هناك محافظات أخرى احتل فيها الإخوان المسلمون ساحات صلاة العيد، على وجه التحديد فى المنيا والفيوم ظهر الإخوان المسلمون وبكثافة.. نزلوا إلى الشوارع، علقوا اللافتات التى كتبوا عليها شعاراتهم، وهتافاتهم ضد الحكومة وضد الجيش، رفعوا وهم يصلون صور محمد مرسى الذى جعلوا منه رمزا يلتفون حوله، وقف خطباؤهم ليشحنوا الناس ضد كل من شارك فى ثورة 30 يوينو، وكل ما ساهم فى أن يصبح السيسى رئيسا.
كل هذا يجعلنى أسأل: ما الذى يجرى على الأرض بالضبط؟
وهو سؤال ضد كثير مما يحدث داخل صحفنا وقنواتنا الفضائية التى ترتدى نظارة نرى من خلالها ما نريد، لا ما يحدث بالفعل.
لن يكون مفاجئا لك إذا قلت لك إن الإخوان المسلمين يملكون غريزة غريبة للبقاء، تجاربهم منحتهم خبرة أن يخرجوا من تحت الرماد مرة أخرى، لقد جربوا أن يقفوا فى مواجهة مسلحة مع الجيش والشعب فلم يفلحوا، حاولوا أن يستعدوا دول العالم على مصر وشعبها فلم يحققوا نجاحا على الإطلاق.. ففضلوا أن يعملوا بتكنيكات مختلفة وملتوية يمكن أن نرصد بعضها هنا.
أولا: يجتهد الإخوان المسلمون فى بث أكبر قدر من الشائعات، لن ألتفت للشائعات الكثيرة التى صنعوها منذ إسقاط محمد مرسى من على عرش مصر، لكن سأشير فقط إلى شائعتين أطلقهما شياطين الإخوان خلال أيام العيد، الأولى عن إلغاء فوائد شهادات قناة السويس، والثانية عن عودة انقطاع الكهرباء مرة أخرى بعد إجازة العيد وذلك بسبب نقص الوقود.
شائعة إلغاء فوائد شهادات قناة السويس ليست جديدة، انطلقت أول مرة بعد أن اشترى المصريون شهادات بـ 64 مليار جنيه فى أقل من عشرة أيام، وهو ما رفع ضغط الجماعة وأدخلها فى كابوس رهيب، لكن هذه المرة عادت الشائعة إلى جوار شائعة انقطاع الكهرباء فى إجازة العيد، اعتقادًا من الجهاز الإعلامى للجماعة أن الحكومة فى إجازة طويلة، ولن يخرج أحد لينفى أو ليوضح الحقيقة، وعليه تستطيع الشائعة أن تتفاعل وتؤتى بثمارها، لكن المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء قطع الطريق على شائعات الإخوان، ونفى تماما أن يكون إلغاء الفوائد حدث، أو انقطاع الكهرباء سيحدث.
أعرف أن شائعات الإخوان لم تنجح خلال الشهور الأخيرة، ربما لانشغال الناس بمتابعة جرائمهم على الأرض، ولثقتهم فى من يديرون الأمور، ولمعرفتهم أن الإخوان كاذبون، لكن الجماعة تتحين الفرصة وتنتظر أن تصبح الأرض مواتية لتحقيق الشائعات غرضها، ولذلك يعزفون كثيرا على مشاكل المواطنين، معظم الخطب التى ألقوها فى عيد الأضحى ركزت على الفقراء وضرورة رعايتهم، وهو ما يعنى أن عين الحكومة وعيننا أيضا لا يجب أن تنام.. ليس بالكلام ولا بنفى الشائعات فقط، ولكن بتحقيق إنجاز حقيقى على الأرض، فالمواطن لن يأكل ولن يشرب كلامًا.
ثانيا: يلعب الإخوان المسلمون لعبة يعتقدون أنها مجدية، إنهم يصلون إلى البسطاء فى القرى البعيدة والأماكن النائية والمناطق العشوائية (ملاحظة ليست عابرة فمظعم الأماكن التى احتلها الإخوان المسلمون ليقيموا عليها شعائر صلاة العيد عشوائية ومحرومة من الخدمات).. يصدرون للناس خطاب أنهم مظلومون وأن النظام الجديد لن ينحاز إليهم، فرجال عصر مبارك عادوا من جديد، ثم إن هناك جددا يريدون أن يحصلوا على نصيبهم من الكعكة الكبيرة التى اسمها مصر، ولأن الناس محرومون جدا، ويعانون جدا، يجد كلام الإخوان صدى لديهم، ولن يكون غريبا عليك عندما تعلم أن هناك تراكما من الغضب يتفاعل فى نفوس كثيرين ليس بسبب من يحكم، ولكن بسبب أن الغاضبين لم يحصلوا على حقوقهم كما يريدونها.
ينفذ الإخوان المسلمون من هذه الثغرة، وحتى ما تحققه الحكومة من إنجازات، تحاول الجماعة أن تشوهه وتطعن فيه، فبعد أن تحسنت أحوال رغيف العيش، وأصبحت به وفرة ملحوظة، يردون على ذلك بأن هذا مشروع باسم عودة وزير تموين مرسى، وأن الحكومة الجديدة سرقته منه، وكأنهم يقولون إن الإخوان كانوا سيفعلون كل شىء إلا أن هناك من سعى إلى إبعادهم طمعا فى السلطة.
ثالثا: يركز الإخوان المسلمون على استخدام شعار رابعة العدوية، يحاولون أن يجعلوا منه أيقونة يلتفون حولها، لكنهم لم ينسوا محمد مرسى، صحيح أنهم يعيشون فى وهم أنه سيعود، ينسجون حوله الأساطير الآن، يدعون مثلا أنه تسلل من زنزانته وأدى فريضة الحج ثم عاد مرة أخرى، هذا دون أن يراه أحد خلال مناسك الحج، ودون أن يردوا هم على سؤال مهم، وهو: إذا كان مرسى استطاع بالفعل أن يخرج من زنزانته ويؤدى فريضة الحج، فلماذا عاد مرة أخرى إلى السجن، ألم يكن من الأولى به أن يقود جيوش الإخوان ليحرر مصر من أعدائها كما يطلقون عليهم؟.
آخر تقليعة فى تصدير محمد مرسى للبسطاء أنه مانديلا مصر، وأنه سيعيد سيرة الزعيم الإفريقى الكبير نيلسون مانديلا، الذى ظل فى سجنه أكثر من 25 عاما، لكنه كان ملهما لشعبه الذى قاوم التفرقة العنصرية، وفى النهاية انتصر.
حكاية مانديلا مصر هذه ليست جديدة أيضا، ترددت فى الأيام الأولى التى تلت إسقاط مرسى ودخوله السجن، حاول الإخوان أن ينفخوا فيه الروح، شبهوه برجل عظيم خدم وطنه بالفعل، ورغم أن التشبيه فيه مسخرة كاملة، ورغم أن محمد مرسى ليس إلا خائنًا لوطنه، إلا أن جماعة الإخوان تصدق تماما أكذوبة مانديلا هذه، الوهم يسيطر عليهم، لكنهم يعتقدون أن هذا ما سيحدث، ينقلون ذلك للبسطاء، يجردون الرجل من الإخوانية المجردة، فى محاولة لتصديره كرئيس وطنى.. وليس كرجل فاشل.
رابعا: يلعب الإخوان كذلك بورقة الشهداء، أو من يطلقون عليهم شهداء، هم يقصدون من ماتوا فى رابعة العدوية على وجه التحديد، لكنهم لا يعلنون ذلك، يلوحون بأنهم يتحدثون عن كل شهداء الثورة، حتى يجمعوا إليهم أهالى الشهداء والمناصرين لهم وهم كثيرون بالمناسبة، دون أن يلتفت من يصدق الجماعة إلى أن الإخوان كانوا أول من خان الشهداء، وأول من تاجر بدمائهم، للدرجة التى جعلت ثوار يناير وفى الاحتفال بذكرى محمد محمود الأولى فى نوفمبر 2012 يعلقون لافتة كبيرة على مدخل الشارع يعلنون من خلالها أنه ممنوع دخول الإخوان.
لكن الجماعة البليدة صاحبة الجلد السميك لا تتورع أن تواصل الكذب بأسماء الشهداء، كل من خرج فى مسيرات العيد وخلال خطب العيد كان الهتاف باسم الشهداء، وبحقوق الشهداء وكأن الجماعة تعد من يناصرها بأنها إذا عادت إلى الحكم فستعمل على القصاص للشهداء، رغم أن مرسى ورجاله عندما أمسكوا بزمام الأمور، لم يفعلوا أكثر من زيادة عدد الشهداء، هؤلاء الذين رفضوا حكم الجماعة وعملوا من أول يوم لها فى السلطة على إزاحتها.
خامسا: وكما يلعب الإخوان بورقة الشهداء يلعبون أيضا بورقة المعتقلين، ولأن الجماعة لن تتخلى عن انحطاطها أبدا، فقد استغلت حملة قام بها عدد من مناصرى الشباب المحبوسين الآن، حيث علقوا صورا لهم فى الشوارع، معلقين عليها بأن هؤلاء عيدهم فى السجن، سطت الجماعة من خلال مواقعها اللقيطة على هذه الصور، وادعت أن هؤلاء دخلوا السجون والمعتقلات لأنهم وقفوا ضد ما يسمونه انقلابًا.
لصوصية واضحة جدا، لكنها عادة الجماعة ولن يتخلوا عنها أبدا.
لماذا نتحدث الآن؟
نتحدث حتى لا نجد أنفسنا أمام جماعة تواصل عملها فى الخفاء، تزرع الكراهية فى نفوس وأرواح الجميع.. تشحن الشارع وتجعل منه خصمًا لنظام يريد بالفعل للبلد أن ينهض.
الصورة كما أراها لا تخرج عن هذا الإطار.
حاولت جماعة الإخوان الإرهابية أن تتصدى لثورة 30 يونيو، بدأوا بالتهديد بسحق كل من يخرج ضد مرسى، عسكروا فى رابعة العدوية قبل الثورة، توعدوا بأن من يرش مرسى بالماء سيرشونه بالدم، لكنهم خابوا، قرروا أن ينزلوا بميليشياتهم المسلحة إلى الشوارع، حملوا السلاح، قتلوا المصريين وأزهقوا أرواحهم، لكنهم لم يصمدوا أمام إرادة الشعب المصرى فى التخلص منهم والقضاء عليهم، فلم يعد أمامهم إلا العودة مرة أخرى إلى العمل فى الشارع والاقتراب من الناس، ومحاولة خداعهم من خلال الأكاذيب التى يدمنونها.
ليس من مصلحة هذا الوطن أن نقلل من خطر هؤلاء الشياطين... ليس من مصلحة الوطن أن نقول إنهم انتهوا تماما، ليس من مصلحة الوطن أن نخدع أنفسنا ونقول إنهم لن يقوموا من رقدتهم.. العدو فى الداخل لا يزال.. يعملون ويجب أن نواصل عملنا ضدهم، اسألوا من سمح لهم بأن يسيطروا على ساحات الصلاة فى العيد، اسألوا من سمح لهم بأن يقفوا فى الشوارع العامة ليهيلوا التراب على الثورة.
لن يتنطع أحد ويحدثنى عن حرية الرأى.. فهل تدافع عن حرية رأى عدوك الذى يريد أن يقضى عليك، أعتقد أنه لا عاقل ولا مجنون يمكن أن يقول ذلك، واجهوا الإخوان على الأرض، ولا تكتفوا بأن توهموا أنفسكم بأنكم قضيتم عليهم إلى الأبد.