تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
حكى لنا الأستاذ "هيكل" من قبل هذه الواقعة، قال إنه زار ليبيا في التسعينيات وسأله العقيد معمر القذافى عن رأيه فى البلد بعد ثلاثين سنة ثورة، فقال له: لم تتقدم ليبيا بعد، فسأله القذافى: فى اعتقادك.. لماذا لم يتقدم العالم العربى؟ فقال "هيكل"- طبقا لروايته- لأن الحكام جالسون على المقاعد لا يتركونها منذ عقود. فرد َّ القذافى "أنا لا أحكم، إن اللجان الشعبية هى التى تحكم، ثم ذكر "هيكل" أنه نقل نفس الحوار للرئيس الراحل حافظ الأسد فقال له: وأنت يا هيكل لماذا لا تترك مقعدك؟ فقال "هيكل" : أنا كاتب ولست حاكم.
ولاشك أن إجابة "هيكل" غير شافية، فهو لم يكن مجرد كاتب فى عهد عبدالناصر، ثم فى عهد سلفه السادات، ثم مبارك ثم من بعده المشير طنطاوى والرئيس مرسى والرئيس عبدالفتاح السيسى.
لقد كان الرجل مستشارا دائما، وخبيرا مطلوبا، ووراءه مجموعة من التلاميذ المصفقين الذين يُهللون على كلمة تخرج من فيه، أو أى اشارة ترسمها أصابعه. إن "هيكل" الذى خرج من الكتابة منذ 11 عاما وأعلن اعتزاله التام، ترك الكتابة لكنه لم يترك الكلام، ولم يتركه عابدوه يهنأ براحة العقد التاسع فظل ضيفا متكررا حريصاــ كما هم مريدوهــ ألا يخرج من إطار الصورة.
ومتى اختلف أحد مع "هيكل" فهو باحث عن شهرة، أو حاقد أو مُدع، ومتى انتقد أحد حضوره الدائم ووصايته الفضفاضة فهو مُغرض أو فاشل.
لقد كان الرجل ناصحا أمينا للجميع، للاشتراكى الثورى الداعى إلى القومية، وللرأسمالى المنفتح على الغرب، ثم للباهت فى توجهاته، ثم للإخوانى، ومن بعده للرئيس السيسى.
والمشكلة أن الرجل الذى تجاوز التسعين من عمره يقدم نصائحه كحلول سحرية لمشاكلنا اليومية بل يعتبرها الحلول الوحيدة الصائبة، وما يُحير أكثر أن السلطة الحاكمة تستمع بإسهاب لما يقوله "هيكل" قبولا لفكرة العالم المُخضرم، أو أحد مواريث "ناصر" الذى لم يترك لنا سوى شعارات وصورا دون أى مضمون لنجاح.
إننى لا ألوم "هيكل" ولا عابديه أو المستفيدين منه، بل ألوم السلطة الحاكمة التى مازالت تُهدر وقتها فى الاستماع لنصائح ذلك الرجل، لو كان "هيكل" مستشارا ناجحا لانتصر ناصر ولحقق المعجزات التى كان يتغنى بها زورا وظلما، والله أعلم.
مصطفى عبيد
mostafawfd@hotmail.com