استطاع أن يعبر عصورًا متناقضة محافظًا على مصالحه.. وتحول لـ«لاعب سيرك» يعمل لحساب من يحكم ويقفز من السفينة قبل الغرق
كان الناشر المفضل لأسرة «مبارك».. وكانت الهدايا الخاصة تصل في «كراتين» من دار الشروق إلى قصر الاتحادية
ارتمى في «حضن الإخوان».. وقال لياسر محرز في جلسة خاصة: «الشروق د جورنال زينب الغزالي»
يعلن تأييده لـ«30 يوينو».. ويترك صبيانه للعمل في مواقع وصحف الإخوان لكنها لعبة بارت ولن تطول
"تاجر شاطر"
هذا هو التوصيف الوحيد
الدقيق الذى يمكن أن ينطبق على المهندس إبراهيم المعلم صاحب "الشروق"
دار النشر والجريدة.. فهو فعليا يعرف من أين تؤكل الكتف، استطاع أن يعبر عصورا
متناقضة، محافظا على مصالحه وأمواله.. ولأنه فعل ذلك باقتدار فلا تملك إلا أن
تتعاطف معه، فقد تحمل الرجل ما لا تتحمله الجبال من ضغوط نفسية، صاحبت تحولات انتماءاته
بين الأنظمة المختلفة، والأفكار المتباينة، والمصالح المتضاربة.
وقد تسأل نفسك: كيف لرجل تحمّل كل هذه المعاناة
أن يعرف الطريق إلى النوم بسلام وهدوء؟
لكنى أطمئنك، فهو ينام جيدا..
فنفسية التاجر التى يحملها تمكنه من أن ينام فى الجحيم دون أن يؤرقه أحد.
فى رحلة بحثه عن الثروة
تحول إلى لاعب سيرك محترف.. يعمل لحساب من يحكم.. وقبل أن تغرق سفينة سيده يقفز
منها ببراعة لا تملك إلا أن تحسده عليها.
فى تاريخ عائلة المعلم
واقعة لا يمكننا أن ننكرها عليه، فقد تعرض والده لمضايقات شديدة من نظام عبدالناصر،
بسبب إصراره على طباعة كتب سيد قطب ـ دار الشروق حتى الآن تطبع كتب سيد قطب وزينب
الغزالى وإخوان آخرين ـ وترويجه لها، رغم أن النظام كان يناصبها العداء.
كان إبراهيم المعلم يتعامل
بعنف شديد مع أى شخص يذكر هذه الواقعة أمامه خلال عصر مبارك، عَنّف أكثر من مرة من
تحدثوا عنها فى مجالسه، بل إنه كان ينكرها، فلم يكن له ليتباهى بمناصرة والده
للإخوان ونظام مبارك يناصب الجماعة العداء.
بعد أن وصلت الجماعة إلى
الحكم.. أصبح إبراهيم المعلم يتباهى بهذه القصة، بل إنه كان يرددها بنفسه فى
مجالسه العامة والخاصة، كان يقدم هو مهرا خاصا للجماعة، بدأ يضيف مزيدا من
التفاصيل عن الاضطهاد الكبير الذى تعرض له والده، وتعرضت له عائلته كلها لأنها
كانت منحازة للإخوان.
فى عصر مبارك كان المعلم هو
الناشر المفضل للأسرة الحاكمة، ولولا ثورة 25 يناير لكان كتاب سوزان مبارك الذى
كتبته عن حفيدها محمد علاء مبارك واحدا من إصدارات دار الشروق، المعلم كان قد
انتهى من طباعة الكتاب بالفعل، نفذ كل ما طلبته السيدة الأولى، أرادت كتابا فخما
مميزا، فاستجاب لكل ما أرادته.. فقد كان شعاره الذى أعلنه أمام سوزان مبارك
وآخرين، أنه يعمل من أجلها هى وليس من أجل مصر، ولم يكن يكذب، فقد كان متسقا مع
نفسه تماما.
لا أحد يعرف شيئا عن مصير
كتاب سوزان مبارك، كان مفروضا أن يكون كتاب العام فى معرض 2011، فإذا به يختفى
تماما، وقد يجيبنا المعلم وحده، فهل تخلص من نسخ الكتاب تماما، أعدمها وحولها إلى
رماد، أم ظل محتفظا بها فى مخازنه؟
لقد كان الود موصولا بين
إبراهيم المعلم وبين مبارك، وكانت الهدايا التى تصل إلى قصر الاتحادية من دار
الشروق وفى "كراتينها" كثيرة ومعروفة، ويبدو أن إبراهيم المعلم أرسل
هدية معينة لمبارك، ودخلت القصر فى كراتين دار الشروق، وهو ما لفت انتباه مبارك،
الذى سأل عن الكتب التى أرسلها المعلم، فضحك من سألهم الرئيس، فقد كانت هديته أبعد
ما تكون عن الكتب.
هذه الواقعة ينفيها إبراهيم
المعلم تماما، بل يقاضى من يشير إليها من قريب أو بعيد، وهكذا هو.. يحتفظ بوقائعه،
يتحدث عنها عندما يريد هو، وينفيها عندما يقرر ذلك، ولا يفعل ذلك إلا من أجل
مصلحته الخاصة.
من بين الملفات الكثيرة
المتخمة بالأوراق والتى يتمنى المعلم ألا يقترب منها أحد، ملف المنح الأجنبية التى
كان يتحكم فيها المعلم من خلال سيطرته على اتحاد الناشرين المصريين.. كان المعلم
هو الحاكم بأمره فى هذا الملف، يوزع على المقربين منه من الناشرين ما يحدده هو،
ويحرم من يغضب عليه من نعمة المنحة.. ولم يكن يسأله أحد فى شيء، فقد كان يرهب من
يحاولون الاقتراب منه بعلاقاته بمبارك، وبعلاقة زوجته – ابنة أحمد كمال أبوالمجد –
من سوزان مبارك.
نما إبراهيم المعلم وتوسع
فى ظل نظام مبارك، والغريب أنه كان يحاول مسك العصا من المنتصف، كان يواصل نشر كتب
سيد قطب وشقيقه محمد، وكان يتولى طباعة كتب زينب الغزالى إحدى أهم سيدات جماعة
الإخوان، والتى لها باع طويل فى تبنى أفكار الإرهاب والترويج لها.
ومن بين مآثر إبراهيم
المعلم أنه بعد وصول الإخوان إلى الحكم تحدث مع ياسر محرز الذى كان واحدا من بين
المتحدثين الرسميين باسم جماعة الإخوان، وسأله: لماذا لا يكتب الإخوان المسلمون فى
جريدة الشروق؟ وقبل أن يجيبه ياسر محرز بشيء، قال له المعلم: الشروق جريدة الحاجة
زينب الغزالى.. يعنى هى جريدة الإخوان المسلمين جميعا، وسنكون سعداء لو نشرتم
مقالاتكم فيها.
من اللحظة الأولى لثورة
يناير أدرك إبراهيم المعلم أن نظام مبارك انتهى، لكنه حاول أن يظل على حرف، لا
يميل إلى الثوار بشكل نهائى، استضاف لجنة الحكماء فى مقر دار الشروق، وكان الغريب
أنه وهو أحد رجال عصر مبارك قولا وفعلا، منع بعض من كانوا ينتمون إلى نظام مبارك
وأعلنوا العصيان مبكرا من أن يشاركوا فى اجتماع لجنة الحكماء لأنهم ينتمون إلى عصر
الفساد.
بعد أن أصبح الإخوان فى
منطقة الضوء الكاملة، ألقى المعلم بنفسه فى حجرهم، لكن الجماعة التى كانت تجيد
التعامل مع رجال مبارك، لم تمنحه ما يريد تماما، أبقته على مسافة محددة، تتحكم فيه
كما تشاء، فرغم بذله لمجهود ضخم جدا ليكون رجل الجماعة، إلا إنها لم تمنحه رضاها.
خلال العام الذى تولت فيه
جماعة الإخوان الحكم، تسابقت دور النشر لإصدار كتب تكشف عورات جماعة الإخوان
المسلمين، قلب الكُتّاب بطن الجماعة، سجلوا أعمالها الإرهابية، وحذروا من خطر
تواجدها فى الحكم، وحدها دار الشروق رفضت أن تنشر أى كتاب يهاجم جماعة الإخوان
المسلمين (يمكن أن يحتج المعلم بأنه كان يبيع كتبًا تهاجم الجماعة فى منافذ بيع
دار الشروق، وهو كلام مردود عليه، فقد كان يبيع كتبًا تناصر الإخوان فى عصر
مبارك).. كان يبتعد بنفسه عن مسئولية مهاجمة الإخوان، ومن الصعب فعلا أن تجد كتابا
يحمل اسم الشروق يحمل هجوما على الإخوان المسلمين.
المفارقة التى من الصعب أن
نفهمها أو حتى نفسرها هى إصرار إبراهيم المعلم على عدم نشر أى كتب تهاجم جماعة
الإخوان المسلمين أو تكشف عوارها بعد سقوط حكمها وطرد محمد مرسى من الحكم، ولا
أدرى هل هذا موقف مبدئى (أستبعد هذا الأمر تماما بالطبع) أم إن هناك منفعة معينة
يعرفها المعلم وحده من وراء ابتعاده عن مهاجمة الإخوان فيما ينشر من كتب، ولا
أتحدث هنا من فراغ، فلدى أسماء لعدد من الكتاب والمؤلفين عرضوا على دار الشروق كتبًا
ضد الإخوان، وكان الرد بالرفض التام.
أدرك إبراهيم المعلم أن
الجماعة ستستخدمه كما تريد هى، لا كما يقرر هو، ولذلك لعب معها بشكل غير مباشر،
وضع جريدته فى خدمة الجماعة، وفى الوقت الذى كانت الصحف المصرية تدخل وكر الشيطان
كل يوم، وتهاجم الجماعة بشراسة وهى فى عز مجدها، كانت جريدة الشروق وبمتابعة يومية
من إبراهيم المعلم (كان يحرص على مراجعة صفحاته بنفسه وكثيرا ما كان يحذف ما يراه
مزعجا للجماعة) جريدة مهذبة، بل تكاد تكون صوتا من أصوات جماعة الإخوان، ولأن بها
صحفيين محترفين فقد ستروا عورة إبراهيم المعلم المهنية، فقدموا المادة التى تساند
الإخوان فى صورة حوارات وتقارير وتحقيقات، يبدو من ظاهرها الحياد، لكنها فى حقيقة
الأمر كانت منحازة تماما للجماعة.
لقد قضى إبراهيم المعلم دون
أن يدرى على وائل قنديل، لم يكن وائل فى يوم من الأيام صاحب مبدأ ثابت، كان
براجماتيا أكثر منه ناصريا كما كان يقدم نفسه ويشيع عنها، دفع به ليكون رجله فى
الجماعة، يكتب مدافعا عنها، يهاجم من يهاجمها، ولا يمكن أن ننسى مقالاته النارية
فى الهجوم على ثورة يونيو وعلى كل من كان يدعو للخروج، أصبح عضوا فى المجلس الأعلى
للصحافة، وهو المجلس الكارثة الذى كان يناصب الصحافة المصرية العداء لمجرد أنها
كانت تناوئ الإخوان، بل أصبح وائل ضيفا على لقاءات محمد مرسى، ليتحول الناصرى إلى
مناصرة الجماعة التى خاصمت عبدالناصر طوال تاريخها، وعندما وقف مرسى على منصة
التحرير قبل أن يحلف اليمين، تحرش سياسيا بعبدالناصر معلنا أنه يكره الستينيات وما
أدراك ما الستينيات.
ألقى المعلم بوائل قنديل فى
مستنقع الإخوان، للدرجة التى لم يستطع وائل أن يعود مرة أخرى من طريق الهلاك.. ولا
أقصد الهلاك المادى بالطبع، فوائل الآن يكسب كثيرا من وقوفه إلى جوار جماعة
الإخوان.. أقصد فقط الهلاك النفسى الذى تردى فيه، لقد أفسد المعلم عليه حياته، نفخ
فيه، وجعل منها العصا التى يضرب بها من لا يريدهم إلى جواره فى الجريدة، وقد نجح
فى ذلك بالفعل.. ولما رأى أنه خادمه المطيع، دفع به ليكون رسوله إلى الجماعة.
ولأن إبراهيم المعلم رجل المنفعة الأولى، فلا بد
أن نتوقف قليلا عند علاقته بالكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، لقد حول صاحب دار
الشروق الكاتب الكبير إلى أكبر سبوبة فى حياته، ربح من ورائه الكثير، لا ينكر هو
ذلك، لكنه ساعد هيكل فى أن يربح هو الآخر.
عندما وافق هيكل على الظهور
على قناة الجزيرة، قرر ألا يحصل على أموال القطريين بشكل مباشر، وكان الحل جاهزا
لدى المعلم، أسس شركة ينتج من خلالها برنامج هيكل، يبيعه للجزيرة، ثم يحصل هيكل
على مستحقاته دون أن يكون هناك توقيع قطرى على مليم يدخل جيبه.
كان هذا مشروعا عابرا بين
الرجلين الأهم فى الصحافة والنشر فى مصر، لكن المشروع الأكبر كان فى جريدة الشروق
التى لا يزال هيكل هو قائدها الروحى، والذى لا يمكن المساس به ولو بحرف عابر على
صفحاتها، فيمكن أن يتجاوز كاتب فى أكبر رأس فى البلد، لكن لا يقترب من هيكل، لأن
هيكل بالفعل بالنسبة للمعلم هو أكبر رأس فى البلد بالفعل.
لم يقف هيكل إلى جوار
الشروق بالدعم المعنوى فقط، وعلى فكرة هو دعم يكفى لأى تجربة، فهو كبير المهنة حتى
لو اختلفنا معه، ولكن دعم مادى أيضا، فالشروق عاشت طويلا على أموال أولاد هيكل.
وهنا نأتى إلى ما يمكن أن
يشكل شرخا فى علاقة إبراهيم المعلم وهيكل..
لقد تعب المعلم من الإنفاق
على الشروق، بالنسبة له هى مشروع غير مربح – رغم أنها فى كثير مما تقدمه من أهم
وأرقى الصحف المصرية الآن – وتعب أحمد هيكل أيضا، وهو ما دفع المعلم إلى البحث عن
شريك آخر، مستثمر يشترى حصة أحمد فى الجريدة، تواصل مع حسن هيكل الهارب خارج مصر
من حكم قضائى، وافق حسن على الشراكة، فهو يريد أن تكون له جريدة تدافع عنه وتدعم
موقفه القانونى، وبالفعل بدأ فى ضخ عدة ملايين، وقبل أن يتم توقيع العقد، تدخل هيكل
ليوقف الصفقة تماما، بل يتردد إنه ولأول مرة يحتد على إبراهيم المعلم ويوبّخه.
اعتبر هيكل أن إبراهيم
المعلم يبحث عن مصلحته الخاصة دون النظر فى حرج موقف ابنه حسن، الذى يبحث له عن
تسوية مناسبة لقضاياه المعلقة، تعامل مع المعلم على أنه صياد فرصة لا أكثر ولا
أقل، يريد أن يعوض خسائره ويزيح مسئولية الشروق عن كاهله، حتى لو كان ذلك على حساب
ابن هيكل المطارد والذى لا يستطيع أن يعود إلى مصر، لأنه لن يخرج من المطار إلا
على السجن.
يحاول إبراهيم المعلم أن
يلعب أدوارا كثيرة.. رشح نفسه لرئاسة النادى الأهلى، وجاءته الضربة مزدوجة، فقد
رفضه البعض لأنه كان واحدا من رموز نظام مبارك، ورفضه البعض الآخر لأنه كان واحدا
ممن تعاونوا مع الإخوان المسلمين، يحلو له أحيانا أن يتحدث فى البرامج الفضائية
كمحلل سياسى وأحد العالمين ببواطن الأمور، لكنه يأتى كلامه باهتا لا معنى ولا
قيمة، يحاول فى كثير من الأحيان أن يتقمص شخصية شيخ الناشرين المصريين، لكنه فى
النهاية لا يعمل إلا من أجل مصلحته الخاصة، وهناك ناشرون كثيرون يمكن أن تقول
ببساطة إنهم ضحايا لإبراهيم المعلم، وهذه قصة شرحها يطول جدا.
كل الأدوار التى يحاول أن
يلعبها إبراهيم المعلم لا تليق عليه.. يظل منها فقط دور واحد وهو دور التاجر
الشاطر، لكن لا يظل الشاطر هكذا طوال الوقت.. لقد استفاد من كل العصور، وضع نفسه
خادما لكل الأنظمة من أجل أن يبقى، نجح فى ذلك طويلا.. وربما يعتقد أنه سينجح إلى
الأبد.
لا يزال يواصل إبراهيم
المعلم ألاعيبه.. لم يتنازل عن هوايته القديمة.. يميل إلى النظام الحاكم، ويترك
ذيله يلعب مع خصومه، يعلن تأييده لثورة 30 يونيو، ويترك صبيانه للعمل مع خصومه.. لكنها
لعبة بارت وأعتقد أنها لن تطول أكثر من ذلك.. أو هكذا أتمنى.