الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شهادات القناة من الادخار إلى الاستثمار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعددت القراءات فيما يتعلق بمشروع قناة السويس الجديدة، وتمويله، بين مؤيد ومعارض، وجاءت المعارضة فى أغلبها بطعم الموقف السياسى من 30 يونيو، ثورة أم انقلاب، بل ذهب البعض إلى بناء رؤيته تأسيساً على موقفه من نظام الحكم، فهو مؤيد للثورة ورافض لكون الرئيس من المؤسسة العسكرية، ويمكن أن نتفهم هذا وفق قواعد الديمقراطية، وحرية الرأى وحرية التعاطى مع اللحظة وفق قناعات الفرقاء.
لكن ان ينسحب هذا على مشروع اقتصادى قومى ويصبح الأساس الوحيد للقبول أو الرفض فهو أمر يحتاج للتوقف والتدبر والمراجعة، لأنه يقودنا إلى الشخصنة فى التقدير ويقذف بنا بعيداً عن الموضوعية، خاصة وأن هذا المشروع بتنويعات متعددة كان مطروحاً على انظمة سابقة، لكنها لم تكن مشغولة باقتحام دائرة الحلول الجسورة، ولم تكن تملك الإرادة السياسية لتفكيك حالة الانهيار الاقتصادى، أو كانت ترتب لإسناده لكيانات خارج الوطن تأتلف معها فى تحالفات تترصد بمصر وتسعى للاستحواذ على مقدراتها وتقزيمها.
ذهب البعض إلى أن شهادات استثمار القناة لن تأتى بأموال جديدة تضخ فى الوعاء الإدخارى، وإنما ـ نظراً لارتفاع الفائدة المتاحة 12 % ـ لن يعدو الأمر التحول من أوعية ادخارية قائمة إليها، وفارق نسب الفوائد سيمثل عبئاً على المنظومة المصرفية فى ضوء ضعف حركة الاستثمار.
وذهب البعض إلى أن المشروع بجملته لن يضيف جديداً لحركة الملاحة بالقناة وقدرتها الاستيعابية، غير ملتفتين إلى فك التعارض بين مسارى السفن وامكانية السير فى الاتجاهين دون توقف الأمر الذى ينعكس على زمن الرحلة وتوفير نحو ست ساعات للسفينة الواحدة وترجمة هذا فى خفض تكلفة النقل، وزيادة اعداد السفن العابرة، مما يعنى زيادة نحو من 40 إلى 60% فى دخل القناة.
وفات المعترضون أن شهادات القناة ليست مجرد وعاء ادخارى، بل هى فى حقيقة الأمر وعاء استثماري، فهى قرض شعبى لهيئة القناة محدد السعة ومحدد المدة بضمان البنوك، وتتحمل الهيئة التزام الفوائد ـ وليس البنوك ـ ومن ثم لن تكون عبئاً على الجهاز المصرفى الحكومى، وتقوم الهيئة بدفع الفوائد من فوائض إيراداتها المتوفرة لديها حتى تستردها من عوائد المشروع بعد اكتماله ودخوله الخدمة، وهى قادرة على ذلك.
ولم يلتفتوا أن المستهدف ليس مطلقاً لكنه محدد القيمة (60 مليارا) وهو يعادل التكلفة التقديرية لأعمال الإنشاء بحسب الدراسات المحاسبية والمالية المتعلقة بالمشروع، وعليه فلا يوجد فائض فى الوعاء يمثل عبئاً على الهيئة أو البنوك.
فضلاً عن أن هذه الشهادات ستعفى الحكومة من اللجوء للاقتراض الخارجى وتبعاته، خاصة أن من شروطها عدم استرداد قيمتها إلا بنهاية الخمس سنوات، ومن ثم لن تكون عرضة للارتباك وفقاً لتقلبات السوق أو التأثير على المودعين بشكل أو بآخر سواء على خلفية المنافسة بين الشركات أو على خلفيات سياسية.
وذهب البعض إلى أن الإقبال اللافت وغير المتوقع على شراء الشهادات مرده ارتفاع نسبة الفائدة، وقد يكون هذا صحيحاً عند قطاع من المودعين، لكنه لا يمثل عيباً، فالخبرات السلبية بين المواطنين والحكومات المتعاقبة، تدفع للحذر وتحتاج إلى إعادة بناء جدار الثقة بينهم، ويصبح هنا المردود المباشر احد اسباب الاقدام على شراء الشهادات، لكن هذا لا ينفى نجاح الشهادات فى تحريك المدخرات المنزلية باتجاه الشراء، مما يعنى دعم الاقتصاد الرسمى، ولا ينفى نجاحها فى اعادة الأمل مجدداً لدى قطاعات عريضة تمثل الغالبية العظمى للمودعين، الأمر الذى يمثل انطلاقة حقيقية لبث الطمأنينة ومن ثم اعادة الحياة للحراك الاقتصادى.
بل ونجحت بالأكثر فى بعث روح الأمل والتصالح مع التفاؤل الذى غاب طويلاً، وفى استحضار المشروع القومى المنتظر بغير تكلف أو اصطناع، والذى ينتظر أن ينعكس ايجاباً على معيشة المواطن البسيط الذى تحمل كثيراً وقدم للوطن بغير ضجر أو تبرم، ونستطيع ان نضمن امتنان اجيالنا القادمة لجيلنا بعد طول معاناة.
لم يكن الإقبال لافتاً وحسب لكنه كان مبهراً، فى ظل المعاناة التى تمسك بمفاصل الاقتصاد، مؤسسات وأفراد، وارتفاع معدلات التضخم، وصراع اقتصاد الريع مع اقتصاد القيمة المضافة، تحقق الشهادات فى الأسبوع الأول لطرحها نحو 40 ملياراً، من مستهدف 60 مليارا، (ثلثى المستهدف)، وتأتى أغلبها من خارج منظومة الأوعية الإدخارية المصرفية، الأمر الذى يكشف أن مصر ليست معرضة للإفلاس كما يروج المتربصون، ويؤكد أن الاقتصاد الشعبى المعطل يمثل ظهيراً قوياً.. وهذا يعنى ضرورة وضع هذا الحدث تحت الفحص والدراسة بغية الوصول إلى آليات جديدة تدفع هذه المدخرات إلى الدخول فى دائرة الاستثمار، فى بعده القومى، وكيفية التعاطى مع الطبيعة الحذرة لأصحابها.
ومن خلال متابعة قريبة من اجواء المشروع، قامت هيئة قناة السويس بالمشاركة مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتقسيم المجرى المستهدف إلى مسافات من 400 متر إلى 1000 متر طولى، واسندت اعمال الحفر فيه إلى شركة من الشركات الكبرى المتخصصة والتى قامت بدورها بتقسيمها واسنادها إلى شركات المقاولات العاملة معها ذات الخبرة ولديها المعدات اللازمة، وتقوم الشركات الكبرى بتحمل التكلفة بشكل فورى، ويومى، على أن يتم تسوية مستحقاتها وفقاً لاتفاقها مع الهيئة، ويتم بشكل دورى متابعة العمل على الأرض والتأكد من مطابقته للجداول الزمنية الموضوعة، وبالمعايير المتفق عليها، وتعرض تقاريرها على الهيئة فى اجتماع يومى، تعرض فيه احتياجاتها اللوجستية وتناقش المشاكل والمعوقات اليومية وتقوم الهيئة بتقديم الحلول الفورية قبل ان ينتهى الاجتماع.
ولا يقف مشروع القناة بمفرده فى خارطة الإعمار والتنمية، فقد بدأ العمل فى انشاء شبكة الطرق السريعة التى تربط انحاء الجمهورية فيما بينها باعتبارها الشريان الرئيسى لقيام اقتصاد قوى، يستدعى تطوير وسائل النقل وتحديثها، وتطوير الموانئ، ومنظومة الصناعة والتجارة فى متوالية مترابطة محكمة.
وبين القناة ومشروعات الطرق وملحقاتها يتحرك قطاع المقاولات قاطرة النهوض بالاقتصاد، فبحسب المتخصصين يرتبط بهذا القطاع نحو 200 عمل (Item) ومهنة وحرفة، بشكل مباشر أو غير مباشر، ويقدر المحللون ان قاعدة العاملين بها ستتسع لنحو مليون منهم، الأمر الذى سينعكس وبشكل مباشر على تحسن وارتفاع المستوى المعيشى للفرد والأسرة فى دوائر لا تنتهى، لتنتهى سنوات عجاف تمتد لتتلامس مع انفتاح السداح مداح، وتنتقل بنا الى اقتصاد القيمة المضافة بعد رد الاعتبار لقيمتى العمل والإنتاج.
علينا ان ننتبه إلى أن القوى المضادة المتربصة بالثورة وبمستقبل مصر لن تتوانى عن قطع الطريق على استكمال مشاريعنا القومية العملاقة، بكل الطرق، تشكيكاً وترويعاً، وتخريباً، لذلك فتماسكنا ودفاعنا عن أمن وسلامة الوطن صار فرض عين، ولا بديل عنه، وصار نبذ خلافاتنا واجبا يفرض نفسه كأولوية قصوى لا تحتمل ترف الصراعات الايديولوجية والمكاسب الذاتية الضيقة.