السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بروفايل

زويل.. المفتون بالمعرفة

الدكتور أحمد زويل
الدكتور أحمد زويل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحمد زويل العالم المصري الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء، أحب العلم وافتتن بالمعرفة واستغرق فيها فكان ذلك كفيلاً بأن يحمله إلى شطآن معرفية لم يحلم بها، ونشوة العلم، والفرصة المتاحة لكشف أشياء جديدة، جعلته مستغرقًا استغراقًا تامًّا في البحث العلمي.

زويل.. رائد كيمياء الفيمتو

لأول مرة يمكننا أن نلاحظ بالتصوير البطيء ما يحدث خلال أي تفاعل كيميائي، وبذلك نستطيع أن نشرح العديد من المعادلات والصيغ الكيميائية الصعبة التي لم نفهمها من قبل، ونستطيع تفسير أسباب حدوث بعض التفاعلات الكيميائية وأسباب عدم حدوث بعضها، كما يمكننا تفسير سبب تأثر تلك التفاعلات من حيث سرعتها ونتائجها بالحرارة.

إنه ميلاد علم كيمياء الفيمتو "FemtoChemistry" وفيه تستخدم كاميرات خاصة، فائقة السرعة، لرصد حركة الجزيئات عند نشوئها، وعند التحام بعضها ببعض، وملاحظة التفاعلات الكيميائية بسرعة "ثانية الفيمتو" وهي أقل وحدة زمنية في الثانية الواحدة!!
ولد أحمد زويل في 26 فبراير سنة 1946م في مدينة دمنهور بمصر، وتلقى فيها تعليمه الأَوَّلي، ثم حصل على بكالوريوس العلوم قسم الكيمياء من كلية العلوم بجامعة الإسكندرية، نال بعدها درجة الماجستير من نفس الجامعة في علم الأطياف سنة 1969.

وفي الولايات المتحدة الأميركية أكمل أحمد زويل دراساته العليا؛ فحصل على درجة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا سنة 1974م، وهي عن "أطياف الرنين الضوئي والمغناطيسي للأكسيتونات والحالات الموضعية في البلورات الجزيئية"، والأكستيون - كما يعبر أحمد زويل - هو الاسم الذي أعطي ليعني حركة جسيم يمكن حفره بالضوء.

انتقل أحمد زويل بعدها إلى جامعة بيركلي بكاليفورنيا سنة 1974م، وعن أثر تلك الجامعة فيه يقول: "أما جامعة بيركلي فقد فتحت الطريق أمامي للولوج في علم جديد حاسم، والذي قاد بدوره إلى اكتشافات علمية وتكنولوجية حاسمة أيضًا"؛ ذلك أن تلك الجامعة كانت تضم مجموعات بحثية مميزة، أكسبتها مكانة مرموقة، وكان يطلق على كثير من تلك المجموعات اسم: "المجموعات فائقة القوة"

وبعد جامعة بيركلي عمل أحمد زويل أستاذًا مساعدًا للطبيعة الكيميائية بمعهد كاليفورنيا التقني (كالتك) من سنة 1976م حتى عام 1978م، ثم أستاذًا في الفيزياء الكيميائية بنفس المعهد من سنة 1982م وحتى الآن، ومنه خرجت أعظم إنجازاته

زويل وكاميرا الفيمتو..

كانت أهم إنجازات أحمد زويل قاطبة ذلك الفتح العلمي العظيم في مجال الكيمياء (الفيمتو ثانية)؛ فقد استطاع لأول مرة في تاريخ العلم تصوير عملية التفاعل الكيميائي التي لا تستغرق سوى لحظة من مليون بليون جزء من الثانية؛ فغير بذلك علم الكيمياء الحديثة، فلم يكن العالم يعرف بالضبط ماذا يحدث أثناء تلك اللحظة، ولا الوقت الذي تستغرقه، وسلم العلماء طيلة السنوات الخمسين الماضية بالصورة التقريبية التي وضعها "ماكس بورن" و"روبرت أوبنهايم" بما يسمى باللحظة الانتقالية التي تنفك خلالها الروابط الكيميائية للجزئيات، وتقرن بجزئيات مادة أخرى، ويولد عنها جزئ جديد لمادة جديدة. وهذا الاكتشاف من شأنه أن يستخدم بكثرة في العديد من المجالات، مثل الطب, والإلكترونيات, وعلوم الفضاء, والكيمياء, والفيزياء وغيرها.
صمم أحمد زويل كاميرا جزئية لرصد الذرات وهي في حالة حركة، وتصوير عملية التفاعل التي تحدث في وقت مثل ثانية واحدة في فيلم يستغرق عرضه 23 مليون سنة، وقام بنشر تجاربه في ذلك مع فريقه في مجلة العلوم الأميركية، والتي نشرتها تحت عنوان: "ميلاد الجزئيات"، وقد نوهت لجنة جائزة نوبل إلى هذا البحث بقولها: "والآن فإنه بإمكاننا أن نرى حركة الذرات المنفردة كما نتصورها، ومن ثم لم تعد تلك الجسيمات أشياء غير مرئية.."

ولعل السر في وصول أحمد زويل إلى ما وصل إليه هو ما ظهر في قوله: "إن نشوة العلم، والفرصة المتاحة لكشف أشياء جديدة، جعلتني مستغرقًا استغراقًا تامًّا في البحث العلمي، وكنت أواصل العمل ليل نهار، طوال الأربع والعشرين ساعة، باستثناء فترات قصيرة آخذ فيها بعض النوم"

واتضح أكثر حين قال: "حب العلم، والافتتان بالمعرفة، وعشق تلك الجزئية من العلم التي هي بين يديك، والاستغراق فيها بكل جوارحك، كفيلٌ بأن يحملك إلى شطآن معرفية لم تحلم يومًا أن تطأها قدماك"

أحمد زويل.. والتفوق عالميًّا

نال أحمد زويل جائزة بنيامين فرانكلين لإنجازاته وإسهاماته العلمية لخدمة العلم والعلوم, عن اكتشافه العلمي المذهل هذا، وكان ذلك في سنة 1998. ثم وفي عام 1990م تم تكريمه بالحصول على منصب الأستاذ الأول للكيمياء في معهد لينوس بولينج.
ثم تُوج أخيرًا بمنحه جائزة نوبل للكيمياء سنة 1999م؛ وفي هذه المناسبة قال البروفيسور بنجت نوردن رئيس لجنة جائزة نوبل للكيمياء بالأكاديمية السويدية للعلوم: "إن استخدام أحمد زويل لتقنية الليزر فائقة السرعة (فمتوسكوب) يمكن وضعه في سياقه التاريخي جنبًا إلى جنب مع استخدام جاليليو للتلسكوب، والذي صوبه شطر كل شيء مضى في القبة السماوية الزرقاء، أما أحمد زويل فقد صوب ليزر الفيمتو ثانية على كل شيء يتحرك في عالم الجزئيات. لقد انتقل أحمد زويل بتلسكوبه هذا إلى آفاق العلم"
وإنها لحقيقة؛ فقد وصل أحمد زويل بعلم الكيمياء إلى ما كان يبدو مستحيلاً قبل ظهوره، وحين يشير علم الكيمياء إلى رجلين كان لهما الإسهام الأكبر في بنائه واستعلائه طيلة القرن العشرين، فليس غير لاينوس بولينج (الحائز على جائزة نوبل)، وأحمد زويل.
وهو الرأي الذي يجمله السير جون ميرج توماس (المدير السابق للمؤسسة الملكية لبريطانيا العظمى، ورئيس ماستر بيترهاوس بجامعة كمبردج) بقوله: "إن أحمد زويل هو خليفة الكيميائي الأعظم في القرن العشرين لاينوس بولينج؛ فقد منح جائزة نوبل في الكيمياء منفردًا من أجل إنجاز علمي كبير - ابتداعه لعلم الفمتو كيمياء الجديد، والذي من المحتم أن يغير من علوم القرن الحادي والعشرين"
وغير جائزة بنيامين فرانكلين وجائزة نوبل وقبلهما، فقد حصل أحمد زويل على جائزة بحوث الكيمياء المتميزة (N.R.C) ببلجيكا سنة 1982م، واختارته الجمعية الأميركية للطبيعة زميلاً لها سنة 1982

ومُنح أحمد زويل جائزة ألكسندر فون هومبولت من ألمانيا الغربية، وهي أكبر جائزة علمية هناك، وذلك في سنة 1983م(16)، ثم جائزة الملك فيصل في العلوم والفيزياء سنة 1989م، وهو بذلك يُعد أول عربي يحصل على هذه الجائزة في العلوم أو الطب
كما منح أحمد زويل أيضًا جائزة (وولف)، والتي حصل عليها في بداية سنة 1993م، وقد جاء في الحيثيات الرسمية لمنحه الجائزة ما يلي: "من أجل التطوير الرائد لفمتوكيمياء الليزر، وباستخدام الليزرات والأحزمة أو الباقات الجزيئية، فإن الفمتوكيمياء جعلت بالإمكان رصد تطور التفاعلات الكيميائية كما تحدث بالفعل في زمن حقيقي"
مُنح أحمد زويل أيضًا جائزة ويلش، والتي تخصصت في تقدير الإنجازات التي يتوصل إليها العالِم طوال حياته، وتمنح لأجل الإضافات العلمية البارزة في الكيمياء، والهادفة لرفاهية وإسعاد الجنس البشري
وفي سنة 1993م منحته الجامعة الأميركية في مصر أول دكتوراه فخرية، وفي سنة 1995م منحته الحكومة المصرية وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وبعد تسلمه جائزة نوبل منحته مصر قلادة النيل العظمى - أعلى وسام مصري، وأصدرت هيئة البريد المصرية طابعين يحملان صورته، تكريمًا لإنجازاته العلمية، كما أُطلق اسمه على شارع كبير في دمنهور، وأيضًا على المدرسة الثانوية التي تخرج فيها
في نهاية ذلك كله، وبعد ما كان من إنجازات وتتويجات، ترى أحمد زويل يقف صادقًا مع نفسه معبرًا عن حقيقة أكيدة، وقاعدة أصيلة قائلاً: "كل ما أعرفه: (هو أنني عاشقٌ لعلمي، ولا يوجد عندي رغبة في التوقف والاستمتاع بالمجد).