أعترف أننى لست من قراء عمرو حمزاوى.. جربت فعل ذلك أكثر من مرة، لكنى فشلت، قد يكون ما يكتبه مهمًا جدًا، لكنه فى الوقت نفسه تقيل الظل جدًا جدًا، ولذلك قاومت كل موجات ثقل ظله وأنا أقرأ مقاله فى الشروق ـ عدد الثلاثاء 2 سبتمبر ـ الذى منحه عنوانًا "لماذا لا تجرون الخط على استقامته؟".. ممارسًا تضليله وتدليسه منذ البداية.
حمزاوى خاطب فيه الشعب
المصرى الذى يعتقد أنه ينتظر مقالاته اليومية ولا يبدأ يومه إلا بعد قراءته، بأنهم
استدعوا المؤسسة العسكرية إلى السياسة، وصنعوا من المطلب الديمقراطى الذى حمله
الناس فى 30 يونيو 2013 "الانتخابات الرئاسية المبكرة" انقلابًا كاملاً
على الإجراءات الديمقراطية فى 3 يوليو، وبأنهم تصدروا المجال العام وانتهاكات حقوق
الإنسان والحريات تتراكم، والعصف بحكم القانون يتصاعد واستخدام القوة المفرطة فى
فض الاعتصامات والتظاهرات يخلف قتلى وجرحى تنكرهم التقارير الرسمية، فصمتوا
وتجاهلوا.
ما كتبه حمزاوى لا يخرج عن
كونه مناحة كاملة، وهو ما يجعلنا نسأل: هل لا يزال عمرو حمزاوى يمارس مهنته
الأثيرة لديه وهى مهنة النائحة المستأجرة التى يدفع لهم أحدهم حتى تقود النواح على
ميت لديه؟.. هى وظيفة شائعة فى الأوساط الشعبية، تحترف إحدى السيدات النواح، تفعل
ذلك مقابل أجر، تسمعها وهى تنوح على الميت، تعتقد للوهلة الأولى أنها من آل بيت
الميت، فهى صاحبة الصوت الأعلى، دموعها لا تنقطع، صوتها لا ينخفض، لكن يظل هناك
فارق كبير بين النائحة المستأجرة، والنائحة الثكلى.
الثكلى صادقة فى دموعها
ونواحها، أما المستأجرة فكل ما تفعله خال من الصدق تمامًا.. وكذلك هو حال عمرو
حمزاوى فى كل ما يفعله ويكتبه على السواء.
من حقه أن يختار الجهة التى
يقف فيها، والنهر الذى به يسبح، لكن ليس من حقه على الإطلاق أن يطعن فى قرار شعب
أخذه عن قناعة، سواء فى الإطاحة بمحمد مرسى، أو حتى بفض اعتصامى رابعة العدوية
والنهضة، لا يجب أن يتهم الناس بالباطل، يحول وقائع سياسية حاكمة إلى سوءات، عاير
بها الجميع فى مقاله المشبوه.
يحاول حمزاوى التأكيد على
ما جرى فى 30 يونيو بأنه استدعاء للمؤسسة العسكرية إلى السياسة، وهو ما لا ينكره
أحد، ولا أنكره أنا أيضًا، لكن لماذا استدعى الشعب المؤسسة العسكرية؟ ألم يكن ذلك
بسبب فشل النخبة السياسية التى تفاعلت بعد ثورة يناير، وكان عمرو واحدًا من بينهم،
دخل إلى مجلس الشعب على جناح اتفاق مشبوه مع جماعة الإخوان المسلمين، وكان نائبًا
لامعًا لا يشق له غبار تحت قبة البرلمان، قدم مشروعات قوانين، ودخل فى معارك
ساخنة.
كان عمرو حمزاوى واحدًا من
هؤلاء الذين أفسدوا الحياة السياسية فى مصر، ألقى بنفسه فى أحضان الإخوان، ولما
وجد أنهم لا يمنحون أحدًا من خارجهم شيئًا، انقلب عليهم وأصبح واحدًا ممن يطالبون
برحيلهم، وبانتخابات رئاسية مبكرة، ولما خرج الناس وتدخل الجيش، ولم يحصل على شىء،
بدأ يهذى بوصف ما جرى فى 30 يونيو بالثورة، وبنعت ما جرى فى 3 يوليو بالانقلاب.
منطق معوَجّ، وتفكير سقيم
للغاية، أو لنقل إننا أمام باحث سياسى نظرى لا يفقه فى شئون السياسة على الأرض شيئًا،
لقد وافق على 30 يونيو، معتقدًا أن الأمور كانت ستسير كما يتصور، يخرج الإخوان من
الحكم بسلام، ويقبلون الانتخابات الرئاسية المبكرة بأريحية شديدة دون اعتراض، ولا
يأخذ الأخ عمرو باله من حالة الحرب التى أعلنها الإخوان قبل أن يخرج الناس فى 30
يونيو، ولم يستمع إلى تهديداتهم بحرق البلد وتفجيرها، ولم يلتفت إلى الحرب
الخارجية التى أعلنتها جهات عديدة على مصر بسبب مرسى وعصابته.
تجاهل عمرو حمزاوى تمامًا موجة
الإرهاب العاتية التى قادتها جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها، وجلس يبكى على من
صنعوا من المطلب الديمقراطى وهو الانتخابات الرئاسية المبكرة إلى انقلاب، وكأن
تنفيذ الانتخابات الرئاسية المبكرة كان أمرًا عاديًا وامتنع الجميع عن تنفيذه،
ولجأوا إلى استدعاء قائد الجيش ليقود البلد فى هذه المرحلة الحرجة.
يتحدث حمزاوى فى نهاية
مقاله إلى جمهور يتخيله هو، أو على الأقل هو يعرفه بالاسم، لأنه يعبر عن مجموعة
محدودة، يقول لها: تقولون إنكم تلمحون خطر حكم الفرد وخطورة الترويج لتعديل دستورى
يضيف لسلطات رئيس الجمهورية، وترون مع الانتخابات البرلمانية خروجًا على الشرعية
الدستورية وتقليلاً من أهمية سلطة تشريعية مدنية منتخبة ومن التوازن بين السلطات.
أعرف أن كلام عمرو مهم، لكن
هل هو حقيقى، هل هذه هى القضايا التى ينشغل بها الناس فى مصر الآن، أم إن هذه
أشباح باطلة يروج لها عمرو ومن على شاكلته؟.. وهل هذا هو كل ما يلفت عمرو فى
الصورة الكبيرة لمصر الآن؟
ألا يلتفت مثلاً إلى حالة
الفساد والتردى التى ورثناها جميعًا.. ألا يلتفت إلى محاولات الإخوان المسلمين
الجادة والدؤوبة لتعطيل مسيرة وطن بالكامل انتقامًا مما جرى لهم على يد ثوار هذا
الشعب.. ألا يلتفت إلى مئات الجنود الذين يقتلون غدرًا وغيلة كل يوم لمجرد أنهم
انحازوا إلى الشعب؟
لقد اختار حمزاوى طريقه،
لكنه فى الوقت نفسه لا يريد أن يدفع ثمنًا لاختياره، وهى سِمَة فيه لن يغيرها أبدًا.
كنت قد نشرت مستندات واضحة
تؤكد عضوية عمرو حمزاوى فى أمانة السياسات، ومن بينها القرار رقم
93 لسنة 2003، وهو القرار الذى عين بمقتضاه عمرو حمزاوى فى لجنة مصر والعالم
وبتوقيع من الأمين العام للحزب السيد صفوت الشريف.
وفى القائمة التى تضم أسماء أعضاء لجنة مصر والعالم،
إحدى لجان أمانة السياسات يأتى اسم الدكتور عمرو حمزاوى رقم (21) وفى المادة
الثانية من القرار أنه يعمل به من تاريخ صدوره.
عمرو حمزاوى لم يدخل لجنة مصر والعالم بشكل عابر، ولكن
كان ذلك بترشيح مباشر من أمين السياسات جمال مبارك، وما يؤكد أنه كان متواجدًا
وعضوًا عاملاً أنه كان يحضر اجتماعات اللجنة، وكان يتم التوقيع أمام اسمه بكلمة
حضور.
نشرت أيضًا كشف توقيع السادة الأعضاء فى لجنة مصر
والعالم الساعة السابعة يوم 17 سبتمبر 2003.. فى هذا الاجتماع على سبيل المثال
اعتذر عن الحضور الدكتور عبدالمنعم سعيد واعتذر السفير الدكتور محمد شاكر لوجوده
فى الخارج، واعتذرت كذلك الدكتورة هالة مصطفى لسفرها إلى الخارج، وكان اسم عمرو من
بين الحاضرين.
أما المستند الثالث، فكان عبارة عن إحصاء لعدد الاجتماعات
التى حضرها عمرو حمزاوى فى لجنة مصر والعالم، ويلاحظ أنه حضر 3 اجتماعات من سبعة
تم عقدها، وكتبت أمام اسمه ملاحظة نصها: "تصادف سفره إلى ألمانيا أثناء الاجتماعات".
لم أتعامل مع انضمام عمرو حمزاوى إلى أمانة السياسات
على أنه جريمة، ولكننى أنكرت عليه إنكاره التام أنه كان كذلك، وأنه كان ينافس على
كسب ود. جمال مبارك، لكن وجود الدكتور محمد كمال أطاح به، فتحولت حمى النفاق التى
كان يحملها للحزب إلى حمى كراهية ومحاولة للانتقام.
لم يستطع حمزاوى نفى هذه المستندات، أرسل لى ردًا
إنشائيًا، التزمت بنشره والتعليق عليه، لكننى لم أصدقه، لأنى عرفت أنه ظل ولمدة
تقترب من العشر ساعات ينتظر سياسيًا كبيرًا أسفل مكتبه، ليحصل منه على شهادة أنه
لم يكن عضوًا فى أمانة السياسات، وقد منحها له السياسى الكبير رأفة به، وهربًا من
إلحاحه الشديد، وراح هو يتاجر بهذه الشهادة.
لقد حاول أن يأكل على مائدة الحزب الوطنى لكن طردوه،
كرر الأمر وأكل على مائدة الإخوان، تركوا له دائرته فى مصر الجديدة حتى يصبح عضوًا
فى البرلمان، وردًا للجميل شارك بفعالية شديدة فى قانون العزل السياسى، الذى وضعه
الإخوان عن طريق عصام سلطان ورفاقه، وكان صوت حمزاوى هو الأعلى تحت قبة البرلمان
من أجل إقرار هذا القانون، لكن الإخوان وكعادتهم لفظوه بعد ذلك ليتحول من حبيب إلى
عدو.
هكذا هو حال عمرو حمزاوى.. تقلب كثيرًا، والآن يستقر
على شاطئ الإخوان، سيقول إنه ليس إخوانيًّا وأنه يردد ما يستريح له ضميره، سأقول
له ببساطة فى زمن الريبة الذى نعيشه لا يمكن أن نقبل شهادة ممن يريدون أن يرقص على
السلم ممسكًا العصا من المنتصف، فإما أن تكون مع الشعب وإما أن تكون مع أعدائه،
وأعتقد أن حمزاوى بما يكتبه وبما يقوله اختار وانتهى الأمر.