الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ندعو للناس.. أم ندعو عليهم؟!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

- ركبت سيارة الميكروباص داخل الإسكندرية.. وانطلقت السيارة بعد اكتمال العدد.. تسلم السائق الأجرة.. عدها ثم زمجر صائحًا: من الذي لم يدفع أجرته؟.
- ساد الصمت برهة.. نظر كل راكب إلي جاره.. تصوروا جميعًا أن السائق أخطأ.
- زمجر السائق ثانية متوعدا.. نطقت امرأة عجوز بصوت باهت يفيد أنها لم تدفع الأجرة.. أدركت أن السائق سيفترسها سبًا.. فأسرعت بإرسال الجنيه له قبل أن ينطلق بركان شتائمه.
- علمت أن العجوز ذاهبة إلي المستشفي للاطمئنان علي حفيدتها المريضة.. خفت أن يتكرر معها الموقف في رحلة عودتها فأعطيتها بضعة جنيهات تحميها من مثل هذه المواقف.
- غمرتني بدعوات رائعة لم أسمعها منذ وفاة والدتي.. كل دعوة تساوي ملايين الجنيهات.. تأثرت بدعواتها كثيرا وقلت في نفسي:
- “,”ما أهون المصري في وطنه حينما يحتاج لبضعة جنيهات ولا يجدها وقد أفني حياته كلها في تربية أولاده وأحفاده“,”.
- نزلت من الميكروباص عند سيدي جابر فغمرتني بسيل آخر من الدعوات الصادقة.. قلت لنفسي:
- “,”ما أحوج الإنسان لمن يرحمه أو يكفكف آلامه وجراحه“,”.
- هذه الدعوات المخلصة تساوي عندي كنوز الدنيا.. أخرجت من جيبي بضعة جنيهات أخري.. شاكرا لها دعواتها الرائعة.. أعطيتها عنوان عيادتي إن احتاجت حفيدتها لطبيب.
- تذكرت حينها دعوات “,”المرحومة أمي“,” التي حرمت منها.. كانت تدعو لي في التليفون ثلث ساعة كاملة دون توقف.. كنت أقول لأولادي: أدركوا كنز دعائها قبل أن ينفد بموتها.
- لم أجد أحدا يدعو لي مثلها.. كنت أعتبرها سندي وزادي في الملمات.. كنت أحدثها فأعطي التليفون لزوجتي.. ثم أولادي واحدا واحدا لكي يصيبهم أوفر الحظ من دعائها.
- آه.. ماذا أصنع اليوم بعد انقطاع دعائها الذي كان ينطلق من مشاعرها وقلبها فيستقر في القلوب.
- الجميع كان يثني علي دعاء أمي وتفرده وصدقه.. كانت تدعو للجميع.. ولا تدعو علي أحد أبدا.. كانت داعية بالفطرة.. فالداعية يدعو للناس ولا يدعو عليهم.. يحب خيرهم وبرهم حتى وإن آذوه وجحدوه ومكروا به.
- أدركت أنها تربت علي ذلك دون أن تعرف أن رسول الله “,”صلي الله عليه وسلم“,” قيل له “,”ادع علي دوس“,”.. فقال “,”اللهم اهد دوسا وآت بهم“,”.. فأسلموا.. وقيل له: “,”ادع علي ثقيف فقد فعلت الأفاعيل“,”.. فقال: “,”اللهم اهد ثقيفا فهداها الله“,”.
- لا أدري من علم أمي هذا المسلك الدعوي العظيم في الوقت الذي جعله بعض الدعاة اليوم؟.. ولا أدري ما الذي جعل ألسنتهم تنطلق بالدعاء علي مئات الأصناف والأسماء في كل درس وحلقة أو خطبة؟.
- استحضرت صورة الضابط الشاب بسجن دمنهور.. حينما كان يسمح لي بالاتصال بأمي من مكتبه.. وبعد الاتصال أطلب منها أن تشكره.. فكانت تدعو له طويلا.. فيقول: لم أسمع دعاء مخلصا يخرج من القلب مثل دعاء أمك.
- غاب عني دعاء أمي فبحثت عن البديل طويلا.. وأخيرا وجدته عند “,”أم نوبي“,” من الأقصر وتعرفني عن طريق ابنها وتراني في التليفزيون.. أخيرا سأسمع دعاءً يشبه دعاء أمي.. نفس التجرد والإخلاص والحنان.. اتصل بنوبي بين الحين والآخر لأطرب وأسكن لدعائها.
- تذكرت أنني أصابني الصداع النصفي يوما وأنا صغير.. فأخذت أمي تدعو لي حتى نمت.. استيقظت بعد ساعات فوجدتها جالسة تدعو لي بدعوات لا يعرفها إلا من كانت بينه وبين ربه خاصة من صدق ويقين.
- آه.. ما أطيب الدعاء حينما يخرج من قلب صادق.. وما أطيب أن ندعو للناس لا أن ندعو عليهم.