يوجعنا الرحيل، عندما نعلم أننا لا نرى المُفارق مرة أخرى.. تضرب القلب نغزة حزن.. يحمل الراحل أزهار الذكريات ويقتطع قطعة من العمر، ويذهب إلى حيث لا نرى أو نعلم.
هكذا شعرت وأنا أقرأ خبر رحيل الدكتور أحمد جويلى الاقتصادى الكبير..
هذا الوطنى المُخلص الذى يُجبر الجميع على احترامه من اول لقاء، ذلك المسئول
الساهر الذى كان يتحرك كنحلة ليحقق مصالح البشر.
عرفت الرجل قبل ثمانية عشر عاما عندما كان وزيرا للتموين والتجارة
وكان يقضى ثلاثة أرباع يومه فى مكتبه يراجع حصص السلع، ويُنّظم عمليات توفير السلع
فى المجمعات، ويراجع نظم مراقبة الاسعار.
كان الرجل مؤمنا أن مصر غنية بثرواتها، وامكاناتها، وقادرة على
التميّز بما حباها الله من نعم ومزايا جغرافية وبشرية.. وكان يهتم بمَّن ينتقده
بشكل واسع ويتحاور معه ويطرح توجهه وسياسته، مًرددا أن الخلاف فى الرأى لا يفسد
للود قضية.
وكان يتصور أن تحرير الاقتصاد لا يعنى أبدا تخلى الدولة عن دورها
كاملا فيما يخص الإشراف والرقابة على الأنشطة الاقتصادية.. كما كان الرجل يقف صلبا
ضد ما اعتبره تدليل بعض رجال الاعمال لارتباطهم بعلاقات صلة ومصالح بالنظام السياسى
الحاكم..
ويحسب للرجل أنه كان من أوائل من طرحوا فكرة وادى التكنولوجيا الذى
كان يعتبره مستقبل مصر الاقتصادى، كما يُحسب له إنشاؤه للمجالس التصديرية التى
ساهمت بشكل كبير وحقيقى فى زيادة الصادرات.
ولا شك أن دماثة خُلقه، وثقافته الواسعة، وعدم انجراره فى مواكب
المُصفقين و" الهتيفة
" جعله يبدو مُختلفا فى زمن تردت فيه الاخلاق وربح المتزلفون وحازوا المكاسب
والمناصب.. وهكذا جاء قرار إبعاده عن وزارة التموين التى قدم فيها جهدا حاز رضا
الجمهور، الا أن مجلس الوحدة العربية الاقتصادية رأى فيه قامة وقيمة اقتصادية
عظيمة وسعى للاستفادة منها فاختاره رئيسا للمجلس.
وظل الرجل داعيا إلى ضرورة التحرر الاقتصادى، وأهمية التكامل الاقتصادى
والتجارى بين العالم العربى، وقدم أفكارا لمشروعات عربية مشتركة، لكنها للأسف لم
تجد طريقا للتنفيذ.
والمؤسف أن رحيل الرجل وغيابه جاء دون اهتمام أو التفات من الصحف
والفضائيات التى طالما استضافته خبيرا اقتصاديا له رؤية ــ قد تختلف معها ــ لكنها
تُحترم.. والله أعلم.