تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ما جرى في بلدة عرسال اللبنانية المتاخمة لشمال البقاع (سواء بهجوم عناصر جبهة النصرة والدولة الإسلامية- داعش- واحتلالها للبلدة.. أو بجلائها عنها مصطحبة عددا كبيرا من أسرى الجيش والشرطة اللبنانيين، بعد هدنة توسطت فيها هيئة علماء المسلمين اللبنانية) هو حادث يستحق إطالة التأمل والانتباه، لأنه يعنى موجة أولى من مد سيطرة التشدد الإسلامى من جهة، وتمدد ساحة الأزمة السورية إلى لبنان من جهة أخرى.
وإن كانت عملية احتلال عرسال من جانب النصرة وداعش بدأت باعتقال القوات اللبنانية لقائد عسكرى من النصرة اسمه عماد أبو جمعة، فإن تلك المواجهات أو معاودة احتلال البلدة الفقيرة (38 كيلو متر من بعلبك) تظل واردة مع التضاغطات المذهبية والطائفية الناجمة عن احتدام الصراع في سوريا.
إذ كان دخول حزب الله الحرب إلى جوار نظام الأسد في سوريا عاملا دفع إلى جعل عرسال السُنية نقطة مرشحة للصدام مع كل محيطها الشيعى، ولأن تكون وعاء يستقبل هجرة اللاجئين الفارين من جحيم الحرب السورية، وكذلك فصائل المقاتلين المتشددين، وبالذات بعد إعلان الدولة الإسلامية وتنصيب أميرها أبو بكر البغدادى في الحسكة، ودير الزور، والرقة، ومنيج، والبوكمال (سوريا)، والأنبار، ونينوى، وصلاح الدين (العراق)، وبدء إعلان مجموعات من المتشددين، وفصائل المنتمين للقاعدة بيعتهم لأمير تلك الدولة، ومنهم عماد أبو جمعة الذى بدأ الصدام الأخير من تحت رأسه، وكذلك تنظيم أنصار بيت المقدس في مصر وفلسطين، الذى أعلن تخليه عن اسمه وبيعته لأبى بكر البغدادى، ودخوله في منظومة ما يطلق عليه (الدولة الإسلامية).
هذه الهجمة المتأسلمة المتطرفة على عرسال جاءت تتويجا لعمليات النزوح التى أشرت إليها، والتى احتشد بسببها الكثير من اللاجئين السوريين ما يساوى ثلاثة أضعاف عدد سكان عرسال الأصلى.. ومن ثم فإن أرضية عودة مقاتلى النصرة والدولة الإسلامية إلى عرسال تظل ممهدة، وبخاصة أن البلدة الفقيرة صارت لها رمزية عبر تلك المواجهات، تجعل تعرضها لموجات غزو متشددة أمرا وارد التكرار في مناسبات متعددة غير حكاية القبض على عماد أبو جمعة.
يعنى باتت عرسال.. واسمها مكون من كلمتين هما: (عرس) و(ال) أى (عرش) (الله) بمثابة هدف تم تعميده لفصائل التشدد الإسلامى، وربما أضفى اسمها عليها ما يجعل لها دلالة ملهمة بالنسبة لمجموعات المتشددين المتأسلمين!!
ومن جانب آخر فقد أصبحت تلك البلدة (التى لا يزيد عدد سكانها على 35 ألف نسمة وتقع على ارتفاع 1500 متر في شبه عزلة كاملة) بقعة شهيرة ذات تأثير على المستوى الاستراتيجي، وصارت – كذلك – نقطة مهمة في هندسة وتشكيل وضع الدولة اللبنانية السياسى في المرحلة المقبلة.
إذ أدت زيادة أهمية العامل (الأمنى) بعد المواجهة المسلحة بين الجيش اللبنانى، وقوات النصرة والدولة الإسلامية في عرسال إلى صعود أسهم العماد چان قهوچى قائد الجيش اللبنانى للانتخابات الرئاسية، وهى الاستحقاق المعطل منذ ثمانين يوما، والذى بسببه بات قصر "بعبدا" خاويا على عروشه، تتعثر في حدائقه ومحيطه محاولات ملء الفراغ والدفع بمرشحين للمنصب الرفيع.
وربما كان ابرز المرشحين للرئاسة هما ميشيل عون وسمير جعجع، وهما من تتضاءل – الآن – أرجحيتهما إلى جوار صعود اسم چان قهوچى الذى يجمع – بحكم تكوينه – بين العامل السياسى والعامل الأمنى.
كل تلك التطورات – كذلك – تسهم في تأجيج الصراع بين كتلتى (14 آذار) و(8 آذار) اللبنايتين باعتبار ان العامل المذهبى أو الطائفى قد زاد حضوره بذلك التسخين الذى تسببت فيه "عرسال".
وعلى أية حال.. فإن امتدادات تأثير موجة الغزو المتشدد الأولى لعرسال بلغت أفقا جديدا بعودة رفيق الحريرى زعيم تيار المستقبل إلى بيروت يوم الجمعة الفائت بعد ثلاث سنوات من إقامته في باريس تجنبا للتهديدات التى تلقاها.
إذ ان سعد الحريرى يمثل القوة المعتدلة في سُنة لبنان، ورجوعه سيكون تعبيرا عن أغلبية تلك الطائفة التى لا تريد الانجرار إلى صدامات ميليشياتيه، وهو ما بدأت بوادره في الانفلات الطائفى بطرابلس بعد أحداث عرسال.
يعنى وجود الحريرى سوف يمنع قوى سُنية كثيرة ألهمها حادث عرسال – دون شك – من التشدد الذهاب إلى حال التشنج الطائفى.
عودة الحريرى – كذلك – تعنى الدفع نحو موقف واضح لتيار المستقبل اللبنانى (اكبر قوة سياسية برلمانية) للوقوف خلف الجيش اللبنانى، وتبنى (خيار الدولة)، وبخاصة بعد العطية الملكية السعودية ذات الثلاثة مليارات دولار للجيش اللبنانى، والدعم الفرنسى التسليحى والتدريبى لذلك الجيش.
حادث عرسال أيقظ قوى كثيرة في لبنان وخارجه للتحرك.. ودفع إلى دينامية سياسية جديدة، ولكن محاولات المجموعات المتأسلمة المتطرفة ستستمر لأن موقعة فاصلة لم تحدث بعد في الإقليم، وتضع حدا للإرهاب المتأسلم من جهة، والتدخل الإيرانى من جهة أخرى.