تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
القصة شهيرة ومتواترة ومكررة لكنها تصلح مدخلا لهذا المقال .
فى عشرينيات القرن الماضى كانت حوارات المصريين تتركز على الخلاف الدائر بين سعد زغلول وعدلى يكن بشأن آلية التفاوض للاستقلال .. كان " زغلول " يرى أن الثورة والمقاطعة والضغط الشعبى أدوات أساسية لدفع الانجليز للاعتراف باستقلال مصر، بينما كان " يكن " يرى أن صداقة الانجليز والتحاور الودى هو السبيل لحل القضية المصرية، فى الوقت الذى كان الناس يعانون فيه من أزمة غلاء فاحش، ومعدلات عالية للبطالة .
وفى أحد الايام دخل محمد البابلى وهو أحد ضباط الشرطة السابقين الذى تحوّل إلى أديب واشتهر بالسخرية واطلاق النكات قهوة "متاتيا " ليجلس مع أصدقائه عندما سمع مشادة بين رجلين حول سعد وعدلى يقف كل منهما فى صف أحدهما ويدافع بحرارة عن توجهه .. حاول " البابلى " تهدئة الرجلين فسأله احدهما فى ثقة: أنت عدلست "نسبة إلى عدلى يكن أو سعدست "نسبة إلى سعد زغلول"، ولم يجد البابلى الذى كان يسمى بإمام الظرفاء ردا سوى أن يقول بصوت عال: أنا فلست . أنا فلست .
والقصة ببساطة تُترجم هم المصريين الأول والاهم والأبدى وهو " أكل العيش " .. لا تحالفات الانتخابات البرلمانية، ولا محاورات التيارات السياسية، ولا مناظراتهم أو مجادلاتهم أو خناقاتهم تشغل رجل الشارع الحقيقى بأى درجة .. الناس تريد استقرارا معيشيا قبل أى شىء .. تنتظر خدمات أفضل، وحياة أقل وجعا، وتتمنى تعليما أرقى، ووظائف مستقرة .
إن الاخبار المتناثرة فى صحافتنا حول صراع الكتل الحزبية لا تؤكد وجود تلك الكتل بالفعل على أرض الواقع ، إنما هو صراع وهمى ينطلق فى الغرف المُغلقة وتكتب عنه الصحف، ولا يشغل بال الناس بشىء .
لا تكتلات الأحزاب القائمة تهم المواطن العادى من بعيد أو قريب، ولا منافسات التيارات والائتلافات المختلفة تشغل بالهم .. هم يريدون الأمان الاقتصادى أولا وثانيا وثالثا ورابعا.. هم مع أى مشروع تنموى يوظف الشباب، ومع أى توجه سياسى يحقق التنمية، ومع أى حزب سياسى يساهم فى مكافحة الفقر.
لذا فإن الفقراء هم البرنامج السياسى الأول، وتحسين حياتهم هو التوجه الاجدى لأى صاحب فكر أو رأى سياسى .
لقد علمتنا التجربة أن المقاعد زائلة، والمناصب مؤقتة، والأدوار السياسية متبدلة، لكن ما يبقى فى الارض هو ما ينفع الناس حقا وصدقا.. والله أعلم .