الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

نقطة.. ومن أول السطر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعيدًا عن الأجواء الاحتفالية التي يموج بها الشارع المصري إلا قليلاً تعبيرًا عن التفاعل الشعبي مع ثورته التي تفجرت في 30 يونيو، نتوقف قليلاً في محاولة لقراءة المشهد بتبصر واجب تستلزمه اللحظة والحدث والمخاطر.
علينا أن نبتعد عن الإفراط في التفاؤل والتشاؤم، والتعامل بموضوعية مع وقائع ومعطيات الأرض، فنحن أمام جماعة انكسر حلمها بغتة ولن تقف مكتوفة الأيدي وهي تدرك أنها لن تعود بل ربما تتحلل بعد إعداد مثابر قارب على القرن من الزمان، وبحسب المتخصصين في دراسة ملفها من الباحثين السياسيين أو من الخارجين عنها فإن هذا الانهيار سيطال تنظيمهم الدولي، وسيعيد رسم خريطة المنطقة ودول الطوق.
وقد يفسر هذا ما نشهده من ارتباك في الموقف الأمريكي الذي كان يعول كثيرًا على وجود وبقاء نظام الجماعة الحليف الإقليمي المحقق للإستراتيجية الأمريكية، وإسرائيل في القلب منها، فهي تتأرجح بين اعتبار ما حدث انقلابًا عسكريًّا مما يستتبع إعادة هيكلة المعونات العسكرية، وقد تصل إلى قطعها، فتدفع مصر مجددًا إلى تغيير توجهاتها كما حدث في تجربتها مع عبد الناصر وتلك خسارة عظيمة تدرك أبعادها في عالم مختلف، وأن تؤكد على أن ما حدث يأتي تلبية لحراك شعبي وثقته الأقمار الصناعية، وسجلته موسوعة جينيس للأرقام العالمية، وفق ما ذكرته وكالة CNN الإخبارية، بأنها أكبر مظاهرات على امتداد التاريخ واتساع الجغرافيا وقد رصدت أن المشاركين فيها 33 مليون متظاهر، فالاعتراف بهذا يكلفها حرجًا بالغًا مع حلفائها في المنطقة والعالم، ويدخلها في حسابات معقدة مع المجهول الذي ينتظر مخططاتها إقليميًّا، وقد تشهد الخارطة الدولية تقلبات كتلك التي شهدتها مع نهايات الخمسينيات بأفول الدور البريطاني كقوة عظمى وبزوغ نجم الوريث الأمريكي، فهل يفسح الوريث العتيق موقعه للصين أو روسيا أو كلاهما؟.. ربما.
وقد جاء إعلان عزل الرئيس السابق مذهلاً في ترتيبه وطريقة تقديمه والرسائل المتضمنة فيه، فقد كانت مصر ممثلة في الحضور حول القائد العام للقوات المسلحة تعلن تدشين سعي المصالحة الوطنية على أصعدة مختلفة، بالحضور المتميز للأزهر والكنيسة، فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب وقداسة البابا تواضروس الثاني، وحملت رسالة عميقة بعدم استهداف المشروع الإسلامي بتجلياته المغايرة لفكر الجماعة بحضور حزب النور السلفي، جلال مرة أمين الحزب، وإعلانه توافقه مع التصحيح الوطني لحساب حفظ الدم المصري، وفي قلب المشهد وجد جيل الشباب غالبية الحاضر وكل المستقبل، والفاعل المؤثر في الفعل الثوري مكانًا يحق له ويليق به، وقدم رؤية ناضجة ومتعمقة تكشف عن جيل مختلف، عبر كلمة مؤسس حركة تمرد محمود بدر، ووجد جيل الحكماء ردًّا لاعتباره، بحضور ممثل جبهة الإنقاذ وأيقونة التغيير الدكتور محمد البرادعي.
وفى إيجاز علينا أن نتجنب الانزلاق إلى نسق تصفية الحسابات المحمل بسعي الانتقام، فأمامنا حمل ثقيل وأزمات ضاغطة تتطلب حلولاً حقيقية تستثمر الزخم الشعبي غير المسبوق، وروح البذل التي تحمل الوطن إلى آفاق التحقق وتخطي الأزمات، وحتى لا ندخل في نفق مظلم يحقق توقع المتربصين والساعين لإجهاض مسيرة التصحيح، وهم كثر.
ويتحمل الإعلام مسئولية إعادة الحياة لقيمنا المصرية الأصيلة، بدعم المصالحة والرقي ومقاومة عبث التعرض والتشفي الصبياني لأبناء الوطن من الملتزمين دينيًّا ورفض التعرض لهم ولهن فما هكذا يتعامل المصري الوطني الشريف مع إخوته وأهله، ولنسترد معًا القبول المتبادل والاندماج الحقيقي، الذي شهدته وشهدت له ملايين التحرير والاتحادية وحواضر أقاليم ومحافظات مصر في الدلتا والصعيد.
وعلى قادة المرحلة الانتقالية إعادة الانضباط إلى الشارع مجددًا، بعد أن دبت الفوضى في ربوعه بشكل أكاد أجزم أنه مخطط ومرتب حتى تسقط دولة القانون لحساب القبيلة الغائبة والمستدعاة، ويسهل الانتقال من الدولة إلى الولاية في مشروع تجاوزه الزمن، بعد أن تستقر الفوضى في الذهنية العامة.
وعلى الأرض لا بد من ضبط شوارع العاصمة التي استباحها الباعة مدعومين بتمويل لافت، فيما نشهده من عرض لبضائع بالملايين تتجاوز قدرات الشباب، وحال إجلاء البائعين ستعود تلك البضائع إلى مصدرها الذي قد نكتشف أنه تنظيم لا علاقة له بمنظومة التجارة، وخارج إطار الاقتصاد المقنن والرسمي، وقد نضع من خلالهم اليد على مخربي الوطن.
ونملك بعد المصالحة التاريخية بين الشارع ومواطنيه وبين جهاز الشرطة الذي استرد ثقة شعبه وناسه بموقفه الوطني المشرف في الثورة الثانية بعد سقوط الطرف الثالث ومثوله أمام العدالة، نملك أن نعيد الانضباط للمرور بحسم يدعمه الشارع وينتظره، ومن ثم نفعل ثقافة سيادة القانون مدخلاً لعودة الدولة المصرية المتناغمة والمنضبطة.
وظني أن رسالة ضبط الأسواق والمرور ستنتج تفاعلات إيجابية تفتح الطريق لمزيد من الانضباط تعيد الثقة للمواطن المصري فيسترد إيجابيته، وتدور عجلة التحرر بدون توقف، وينعكس هذا بالضرورة على الخروج من دوائر الكساد والبطالة واليأس.
وأمامنا نماذج خاضت طريق التحدي في ظروف أقسى، وتتماس معنا في مقاربات عديدة؛ إندونيسيا وماليزيا والبرازيل وفنزويلا، وقبلها جنوب أفريقيا واليابان، تحدت التغول الأمريكي وضغوطاته وتهديداته ومعوناته أيضًا، تحررت من هواجس الخوف وانطلقت ونافست، وقد نكون بحاجة إلى إعادة إنتاج تجربة محمد علي ببعثات تجد طريقها إلى الصين تتمثل تجربتها التي كسرت تحديات الأيديولوجية والتاريخ والصراعات، فضلاً عن تحويلها للانفجار السكاني من معوق إلى مورد فاعل في المعادلة الاقتصادية وقيمة مضافة إلى الدخل القومي كعنصر من عناصر الإنتاج.
أمامنا الكثير نخطط له وننفذه ونراجعه ونقيمه ونقومه، ولا وقت لدينا للتشفي والصراع وتصفية الحسابات المعلقة والشائكة، لنضع نقطة في آخر سطر مرتبك ومضطرب، ولننهي جملة اعتراضية اقتحمت السياق التاريخي ونعود إلى كتاب الوطنية نكمل سطوره، ونحقق مصريتنا، بدون إقصاء أو فرز أو استعلاء.