شهدت مصر العديد من المحاولات لتشكيل تحالفات انتخابية، قبل وبعد الثورة. ففي العام الماضي تشكلت أربع تحالفات رئيسية، وكانت هناك محاولة لتشكيل تحالف انتخابي يضم الأحزاب الوسطية، وتحالف آخر يضم الأحزاب الناصرية. وفي الواقع، لم تكن هذه التحالفات التجربة الأولى في مصر، فقد كانت هناك تحالفات انتخابية من أحزاب الأقلية قبل 1952، وكانت هناك تحالفات انتخابية في ظل التعددية الحزبية الحديثة، التي بدأت عام 1976؛ نتيجة للأخذ بنظام القائمة النسبية المشروطة في انتخابات مجلس الشعب (1984 و1987)، حيث شهدت انتخابات 1984 تحالفًا بين حزب الوفد وجماعة الإخوان المسلمين. كما شهدت تحالفًا آخر عام 1987 باسم التحالف الإسلامي، بين حزب العمل وحزب الأحرار وجماعة الإخوان المسلمين، وقد حقق كل من التحالفين هدفه بالحصول على مقاعد في مجلس الشعب؛ بعد تجاوز نسبة الحد الأدنى من الأصوات الانتخابية، التي لا يجوز التمثيل في المجلس إلا بعد الحصول عليها، وهي 8%، 5% على التوالي. واللافت أن كل هذه التحالفات لم تستمر طويلاً.
وفي هذا المقال سوف نحاول الإجابة على تساؤل في غاية الأهمية، يتمثل في: كيف تُبنى التحالفات الانتخابية؟ إن التحالف بشكل عام يعني اتحادًا مؤقتًا بين مجموعتين أو أكثر، خاصة الأحزاب السياسية؛ من أجل الحصول على تأثير أعظم، أو نفوذ أكبر، من الجماعات والأحزاب المنفردة عندما تريد تحقيق أهدافها. وبالتركيز على الغايات والأهداف المشتركة؛ يستطيع جميع الأعضاء بناء قوتهم، والحصول على الفائدة من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وبوجود أهداف معينة، مثل الفوز بالانتخابات أو تمرير قانون ما أو تشكيل تحالف حكومي، فإن عمر هذا التحالف ينتهي مع تحقيق تلك الغايات. ويجب على جميع أعضاء التحالف أن يشعروا بأنهم يربحون، أو يحصلون على شيء ما، من خلال تحالفهم هذا، وهي حالة فوز الجميع .
وهنالك الكثير من المسائل التي ينبغي التفكير فيها عند دراسة تشكيل -أو الانضمام إلى- التحالف، والتي من الممكن أن تتضمن تبادل المعلومات، وتعبئة المؤيدين، وإعلام الجمهور، والدفاع عن القضية، وجمع الأموال من أجل مواجهة القوى الأكبر، والحصول على النفوذ السياسي. إن هذا لا يعني أن يقوم كل تحالف بتحقيق كل واحد من تلك الأهداف، ولكن ينبغي على الأقل أخذها بعين الاعتبار، وتحديد ما هي أهم النقاط لها .
أما أنواع التحالفات، فهناك أنواع من التحالفات التي يمكن تشكيلها:
الأول : تحالف بين اثنين أو أكثر من الأحزاب السياسية؛ حيث قد توافق الأحزاب على العمل؛ لتوسيع الكسب، والتفوق في الانتخابات، أو تقوية أنفسهم.
ثانيًا : تحالف بين الأعضاء المنتخَبين، وهنا قد يوافق المنتخَبون على العمل معًا، أو على الأقل تجنب العمل ضد الآخر؛ وذلك لتحقيق المنفعة المتبادلة.
ثالثًا : تحالف بين حزب سياسي ومنظمة مدنية، وفيه قد يتم التحالف بين حزب وبين أحد المنظمات المدنية؛ لغرض مساعدة الحزب في العملية الانتخابية.
أما عن مستويات المساهمة في التحالفات السياسية، فإنه يتعين على الأحزاب السياسية والحركات المدنية أن تحدد حجم التعاون الذي سيتفقون عليه في تشكيل التحالف، ومنها: الاتفاق على عدم التنافس على ذات المقاعد. وقد تعلن الأحزاب والحركات السياسية للملأ بأنها تدعم برامج بعضها بعضًا، والعمل سوية
-كمرشحين– على تدعيم بعضهم البعض، والمشاركة في الموارد والإنفاق على العملية الانتخابية.
وثمة فوائد محتملة تتحقق للأحزاب والمنظمات السياسية من جراء الانضمام إلى التحالفات، منها: أولاً، ستتيح التحالفات للحركات أو الأحزاب الحصول على شيء لم يكن بمقدورها الحصول عليه بمفردها. ثانيًا، اكتساب النفوذ أو التأثير؛ بما سيتحقق للتحالفات من نتائج ملموسة للأحزاب، والتي لم يكن بمقدورها تحقيقه بمفردها. ثالثًا، بناء التحالفات يمكن أن يزود الأحزاب، أو الأعضاء، بالأساليب اللازمة لبناء منظماتها وتوسيع أساس دعمها. وأخيرًا، فإن الأحزاب والحركات السياسية بإمكانها التعلم من المنظمات الأخرى، واكتساب مهارات جديدة، عبر تنسيق الجهود والتشارك في الخبرات، ويمكنها أيضًا التغلب على حالات العجز في الوقت والمال. إن نمط الأحزاب، أو الشركاء المختلفين، سيعطي تنوعًا للأحزاب ذات الخلفية العرقية الواحدة الكبيرة.
كما تتمثل أهم التحديات التي تواجه التحالفات في: الاتفاق على الأهداف المشتركة، التخلي عن النعرات الحزبية الضيقة، إيجاد سلطة ديمقراطية، أو متفق عليها، لصنع القرار داخل التحالف، إيجاد آليات محددة لحل النزاع، بناء الثقة المتبادلة والتشارك في أعباء العمل، القدرة على الاتصال المشترك، وأخيرًا، البعد عن الأجندات الخفية؛ ومن ثم لا بد أن يكون الشركاء في التحالف واضحين فيما يرجون تحقيقه من هذا التحالف.
